صراع الشرعية يتصاعد بشأن آلية "سناب باك" ضد إيران
بينما يلوّح الغرب بالتصعيد، تضع إيران خيارات مضادة على الطاولة، في معركة تتجاوز حدود القانون لتصبح مواجهةً سياسيةً على شرعية أدوات الضغط في النظام الدولي.
-
من اجتماع مجلس الأمن الدولي بشأن النووي الإيراني، أمس الجمعة (أ ف ب)
يؤكد موقف إيران الرافض لأي تنازل أمام المحاولات الأوروبية في مجلس الأمن لتفعيل آلية "سناب باك"، أو تمديدها بشروط تعجيزية، أن مجرد القبول بالتمديد لفترة إضافية يعني الاعتراف بشرعية الآلية، وهو ما تعدّه طهران غير قانوني وباطلاً منذ البداية.
بالنسبة إلى صنّاع القرار الإيرانيين، فإن أي تمديد زمني أو تفاوض مبني على إخطار الأوروبيين يمنح هذه الخطوة غطاءً سياسياً، ويضعف الحجة القانونية لإبطالها، وهو ما لا يمكن القبول به مهما كانت الضغوط.
ترى طهران أن توقيع تفاهم مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مصر، إلى جانب المقترحات التي قدّمها وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقتشي، إلى "الترويكا" الأوروبية، كافية لبناء الثقة، على الرغم من تعرض منشآتها النووية للعدوان.
جوهر الخلاف لم يعد حول تفاصيل تقنية، بل حول الشرعية السياسية والقانونية برمّتها، فإيران ترى أن إخطار الدول الأوروبية لا يستند إلى أساس قانوني بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وعدم التزام الأوروبيين بتعهداتهم. وبالتالي، فإن التعامل معه يُعدُّ تنازلاً يضرب أساس الموقف الإيراني في المحافل الدولية. في المقابل، تدرك أوروبا أن الأثر العملي لـ"سناب باك" محدود، لكنها تستخدمه كورقة ضغط لانتزاع تنازلات في المفاوضات المقبلة.
ويُضاف إلى ذلك بعدٌ استراتيجي مهم. إذا تأجلت آلية "سناب باك"، فإن هذا التمديد سيكون رغبةً أوروبيةً بحتة، لأن تفعيلها عملياً سيؤدي إلى فقدان الأوروبيين أي ورقة ضغط مستقبلية. في المقابل، لجأت إيران إلى استراتيجية غموض محسوبة، فالجانب الغربي لا يعلم تفاصيل مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، ما يضع الغرب في موقف صعب بين خيارات محدودة. وعلى الرغم من وحدة الموقف الرسمي الإيراني، هناك نقاش داخلي أيضاً حول إذا ما كان تأجيل "سناب باك" يصبّ في مصلحة إيران فعلاً، أم أن تشغيله عملياً قد يكون أكثر فائدة.
وفي سياق موقفها الرسمي، أكدت وزارة الخارجية الإيرانية أن خطوة فرنسا وألمانيا وبريطانيا لإعادة تفعيل القرارات الملغاة عبر استغلال آلية الزناد غير قانونية، وغير مبررة واستفزازية.
في الواقع، ومن وجهة نظر إيران، فإن إعادة العقوبات الأممية تتعارض مع القانون الدولي وتضعف المسارات الدبلوماسية. وتقع مسؤولية العواقب على الولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاث.
ومع ذلك، تقول إيران إن الطريق الدبلوماسي لا يزال مفتوحاً، لكن أوروبا اختارت اتّباع سياسة واشنطن بدلاً من الاستقلالية.
غير أن الخبراء في طهران يؤكدون أن عودة القرارات الأممية لا تحمل وزناً اقتصادياً يوازي العقوبات الأميركية، التي تبقى الأشد تأثيراً. فالعقوبات الواردة في القرارات، مثل القرار 1929، تركز على القضايا النووية والصاروخية لا على النفط أو القطاع المصرفي. وفي هذا السياق، يشير الخبراء إلى أن إيران اكتسبت خبرةً واسعةً في الالتفاف على العقوبات الأميركية التي فُرضت بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق، ما يجعلها أقلّ عرضةً لتأثير أي عودة شكلية للعقوبات الأممية.
يثير الإيرانيون أيضاً سؤالاً مهماً: إذا كانت الضربات الأميركية قد أنهت المشروع النووي الإيراني بالفعل، فعلى أي أمر يجب التفاوض مع الأميركيين، وهو ما يصرّ عليه الأوروبيون وبشكل مباشر؟
التصويت داخل مجلس الأمن أظهر أيضاً حجم الانقسام الدولي، إذ صوّتت روسيا والصين وباكستان والجزائر ضد التفعيل، بينما أيّدته الولايات المتحدة ومعها الدول الأوروبية وعدد من الحلفاء، في حين اختارت دولتان الامتناع. هذا الانقسام يمنح إيران هامشاً من المناورة، خصوصاً أن موسكو وبكين أعلنتا صراحةً أنهما لا تعدّان القرارات القديمة ملزمة ولن تلتزما بتنفيذها، ما يضعف أي آليات للعقوبات في حال إحيائها.
على المستوى الداخلي، تسعى الحكومة الإيرانية إلى اتخاذ إجراءات احترازية لتخفيف آثار الضغوط النفسية والإعلامية، من خلال ضبط سوق العملة والذهب والتركيز على حماية الفئات الأكثر هشاشةً اقتصادياً، مع إدراك أن الحرب الحقيقية ستدور على مستوى الرأي العام ومحاولة الغرب استغلالها لإضعاف الثقة الداخلية.
هكذا تتحول آلية "سناب باك" إلى ورقة سياسية أكثر منها أداةً تنفيذية، بينما يظل الموقف الإيراني ثابتاً: لا تنازلات ولا تمديد، لأن القبول بالمدة يعني القبول بالآلية ذاتها. وبينما يلوّح الغرب بالتصعيد، تضع طهران خيارات مضادة على الطاولة، من تقليص التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، في معركة تتجاوز حدود القانون لتصبح مواجهةً سياسيةً على شرعية أدوات الضغط في النظام الدولي.