شهادات من سكان حمص عقب هجوم العشائر: خوفٌ وقلق وعودة هواجس الحرب

سكان مدينة حمص من الطائفة العلوية يعيشون ساعات من الرعب والقلق، عقب هجوم لمسلحين من العشائر على أحياء المدينة، فهل تنتهي دوامة العنف الطائفي في سوريا؟

  • صور لانتشار قوات عسكرية في مدينة حمص (سانا)
    صور لانتشار قوات عسكرية في مدينة حمص (سانا)

في اليوم الذي أعقب الهجوم الذي شنّه مسلحون من عشيرة بني خالد على عدد من أحياء حمص، التي يقطنها أبناء الطائفة العلوية، وسط سوريا، عاش السكان حالة من القلق الجماعي والارتباك، فيما حاولوا استيعاب ما جرى خلال ساعات الليل والفجر. 

وقد تواصل "الميادين نت" مع عدد من السكان الذين عبّروا عن مخاوفهم من المجهول المقبل، حيث نُشرت شهاداتهم بأسماء وهمية حفاظاً على سلامتهم في ظلّ المناخ الطائفي المتوتر.

وكانت المدينة شهدت تصعيداً خطيراً في العنف الطائفي والعشائري عقب مقتل رجل وزوجته من قبيلة بني خالد في بلدة زيدال على الأطراف الجنوبية لحمص، في حادثة رافقتها شعارات طائفية على جدران موقع الجريمة، ما أشعل موجة من الغضب والانتقام المسلح داخل المدينة.

وعلى منصات التواصل الاجتماعي، عبّر سوريون من مختلف المناطق عن استنكارهم الشديد لتصاعد الخطاب والتحرّكات الطائفية، داعين السلطات إلى سرعة التدخّل وحماية المدنيين وممتلكاتهم، ومطالبين بفرض سيطرة الدولة على السلاح المنتشر خارج المؤسسات الرسمية.

أما في الجانب الرسمي فقد أعلنت وزارة الداخلية على لسان المتحدّث باسمها نور الدين البابا أنه "لا يوجد حتى الآن أيّ دليل مادي يثبت أنّ الجريمة التي وقعت في بلدة زيدل بريف حمص ذات طابع طائفي"، مشيراً إلى أنّ "التحقيقات الأولية أظهرت أنّ العبارات التي رافقت الجريمة كُتبت بقصد التضليل وإثارة الفتنة الطائفية والتعمية عن المتورّط الحقيقي".

اقرأ أيضاً: سوريا: تمديد حظر التجوال في عدد من أحياء حمص عقب جريمة قتل

"لم نتوقّع أن نعيش هذا الرعب من جديد"

  • صور منتشرة عبر وسائل التواصل تظهر مسلحين من العشائر في أحياء حمص
    صور منتشرة عبر وسائل التواصل تظهر مسلحين من العشائر في أحياء حمص ذات الغالبية العلوية

تقول هالة، 42 عاماً، وهي معلمة من حيّ الزهراء: "ظننا أنّ سنوات الحرب أصبحت خلفنا. فجأة عادت أصوات الرصاص إلى الشوارع، وبدأ الناس يركضون في كلّ اتجاه. أطفالي ناموا الليلة الماضية في غرفة واحدة بعيداً عن النوافذ… لم أستطع النوم لحظة واحدة".

من جهتها، تروي ربى، طالبة جامعية: "العائلات كلّها مصدومة. الجميع يعرف أنّ الحادثة الأصلية مؤلمة، لكنّ الانتقام بهذه الطريقة يهدّد استقرار المدينة. الناس خائفون من أيّ توتر طائفي جديد. الكلّ يريد فقط عودة الهدوء".

ويقول أبو جودت، 63 عاماً: "وصلت الدوريات بعد وقت قصير، لكنّ الضرر كان قد وقع. المشكلة ليست في الهجوم نفسه، بل في أنّ السلاح بيد الجميع. أيّ جهة تستطيع تنفيذ اعتداء قبل وصول الدولة أو قدرتها على التدخّل".

ردود الفعل على الإنترنت: غضب وتضامن ومطالبة بنزع السلاح

خلال الساعات الماضية، شهدت المنصات السورية تفاعلاً مكثّفاً مع أحداث حمص. فعلى الرغم من الجدل الكبير، اتفقت معظم التعليقات على رفض العنف والدعوة لحماية المدنيين وخصوصاً من العلويين.

عبّر الكثيرون عن إدانة الهجمات الانتقامية، واصفين إياها بأنها: "سلوك يهدّد السلم الأهلي ولا يشبه السوريين".

كما دعا ناشطون إلى اعتقال المتورّطين ومحاسبتهم قضائياً لضمان عدم تكرار ما حدث. وتركّز جزء واسع من النقاش على مطلب أساسي: سحب السلاح العشائري وغير الرسمي من جميع الأطراف، وتأكيد أنّ السلاح يجب أن يكون حصراً بيد الدولة كضامن للسلم الأهلي.

وأشار بعض المعلّقين إلى أنّ بقاء السلاح المنفلت يشجّع على الجريمة والعنف، معتبرين أنّ "أيّ تساهل في معالجته يفتح الباب أمام استغلاله في ترهيب المدنيين وتهديد النسيج الاجتماعي".

ونشر ناشطون صوراً للأحياء المتضرّرة مع دعوات إلى "التعقّل وإعادة فتح قنوات الحلّ الاجتماعي قبل الأمني". فيما حذّر آخرون من أنّ استمرار الاحتقان قد ينقل التوتر إلى مدن أخرى، ما ينذر بـ"دوامة ثأر متبادل" إذا لم تتمّ معالجة الأزمة سريعاً.

خسائر مادية ونفسية… وصمت ثقيل يخيّم على الأحياء

خلّفت الاعتداءات الأخيرة دماراً في المنازل والمحال التجارية، إضافة إلى أثر نفسي بالغ على السكان، خصوصاً الأطفال والنساء الذين عاشوا لحظات من الرعب خلال الهجمات. ودعا حقوقيون محليون إلى تعويض المتضرّرين، ولا سيما أنّ معظمهم يعتمدون على أعمال يومية بسيطة لتأمين قوتهم.

شهادات السكان وردود الفعل السورية عبر الإنترنت تكشف بوضوح أنّ المجتمع السوري مرهق من سنوات الحرب، ولا يريد العودة إلى أيّ شكل من أشكال الصدام الطائفي أو العشائري.

تشكّل أحداث 23 تشرين الثاني/نوفمبر في حمص جرس إنذار حقيقياً بشأن احتمال تصاعد العنف الطائفي والعشائري في سوريا في أيّ لحظة. ويجد السكان أنفسهم اليوم أمام تحدٍ كبير لحماية حياتهم وممتلكاتهم وسط حالة من الغليان غير المسبوق، فيما يبقى تدخّل الدولة والمجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية أمراً ضرورياً لاحتواء الأزمة ومنع انزلاق البلاد نحو فوضى أوسع تهدّد السلم الأهلي الهشّ.

اقرأ أيضاً: "هيومن رايتس ووتش": حكومة سوريا الانتقالية فشلت حتى الآن في إظهار الشفافية والجدية

اخترنا لك