تركيا تضغط على الأميركيين.. هل ستنسحب واشنطن من سوريا؟
الرئيس إردوغان، يراهن على صداقته مع ترامب، وأنّه سيساعده على تطبيق سياسته في الشرق الأوسط، وإنهاء "قسد" و"الإدارة الذاتية"، وإعطائه الموافقة على استكمال "الحزام الأمني" في كل من سوريا والعراق.
بعد فترة فتور نسبي في العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية في الملف السوري، خلال فترة ولاية الرئيس الحالي جو بايدن؛ نتيجة تولي بريت ماكغورك مهمة المبعوث الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، وهو الرجل غير المحبوب في تركيا، لمعارضته فكرة الانسحاب الأميركي من سوريا في العام 2019، وإصراره على مواصلة اعتماد "قسد" كشريك لبلاده في محاربة "داعش" وتطبيق سياساتها في سوريا.
هذا الحال بدأ بالتغيير على الأقل بالنسبة للمسؤولين الأتراك، الذين بدأوا التهليل لفكرة عودة ترامب للحكم، وهو الذي كان صاحب قرار الانسحاب الكامل من سوريا، قبل أن يتراجع بقرار الاحتفاظ بقوات في محيط آبار النفط والغاز، والرجل الذي أعطى ضوءاً أخضر لأنقرة لتنفيذ عمليتي "غصن الزيتون" والتي سيطر بموجبها الأتراك على مدينة عفرين وريفها بريف حلب، و"نبع السلام" التي احتلت تركيا من خلالها مدينتي رأس العين في ريف الحسكة، وتل أبيض في ريف الرقة، وقسمت مناطق سيطرة "قسد" إلى قسمين، على امتداد الطريق الدولي M4.
فالقادة الأتراك وخاصّة الرئيس رجب طيب إردوغان، يراهن على صداقته مع ترامب، وأنّه سيساعده على تطبيق سياسته في الشرق الأوسط، وإنهاء "قسد" و"الإدارة الذاتية"، وإعطائه الموافقة على استكمال "الحزام الأمني" في كل من سوريا والعراق.
فأنقرة التي عانت مع إدارة بايدن في سوريا، ترى أن هذه المعاناة بدأت ملامحها بالانتهاء مع قرب استلام ترامب لمهامه؛ لذلك بدأت الإعداد لمرحلة استلامه رسمياً، واعتبار قرار انسحابه من سوريا مسألة وقت لا أكثر.
وكثف المسؤولون الأتراك من ضغوطهم السياسية والإعلامية على إدارة ترامب، من خلال تأكيد إردوغان أنه "سيناقش مع ترامب مسألة انسحاب القوات الأميركية من سوريا، وتقليص دعم واشنطن للوحدات الكردية"، معرباً عن أمله من أن "تتمكن أنقرة من استكمال الحلقات المفقودة في الحزام الأمني في سوريا خلال الفترة القادمة"، في إشارة إلى إمكانية الحصول على موافقة ترامب على عمليات عسكرية برية جديدة في الشمال السوري.
وأعقبه بتصريح آخر، قال فيه إن "تركيا مستعدة للوضع الجديد بعد الانسحاب الأميركي المحتمل من سوريا، وكذلك مستعدة للتعامل مع الواقع الحالي"، مطالباً "الحكومة السورية ببذل جهود في محاربة حزب العمال الكردستاني في سوريا"، في رسالة إلى ضرورة تنسيق الجهود السورية-التركية ضد " قسد" و"الوحدات" الكردية.
الضغوطات الإعلامية التركية، أثرت حتى على المسؤولين الأكراد، وهو ما ظهر من خلال تأكيد ممثلة "مجلس سوريا الديمقراطية" في سوريا، سينم محمد، أن "الانسحاب الأميركي قد يحصل في العام 2026، أو قبل ذلك، لكن ما سيختلف هو الظروف التي سترافقه، والأخذ بالاعتبار المخاطر التي ستواجه مناطق شمال شرق سوريا، لذلك من الضروري حينها ضمان ترتيب الانسحاب مع الأمن السياسي للمنطقة"، مشيرةً إلى أن "كل من قسد والإدارة الذاتية يريدان ضمانات أميركية بعدم حصول غزو تركي للمنطقة، بعد الانسحاب الأميركي".
بالتوازي، كشفت وكالة "بلومبرغ" الأميركية أن "أنقرة قدمت مقترحاً أبدت فيه استعدادها لتولي الحرب ضد داعش في سوريا، مقابل سحب القوات الأميركية والتوقف عن دعم المسلحين الكرد".
وأضافت الوكالة أن "تركيا أبدت استعدادها لتحمل مسؤولية الآلاف من عناصر داعش وعائلاتهم في شمال شرق سوريا"، مشيرة إلى أن "واشنطن لم ترد حتى الآن على مقترح أنقرة".
ومن الواضح أن تركيا تسعى لاستخدام أعلى درجات الضغط على ترامب، قبل استلامه لمهامه رسمياً، مع اقتراح الحلول لكل العراقيل التي من الممكن أن يضعها العسكريون الأميركيون في ملف الانسحاب من سوريا، في محاولة لتكرار سيناريو انسحاب العام 2019 مع ضمان أن يكون انسحاباً شاملاً.
ولعل أنقرة تريد خلافة واشنطن في سوريا، من خلال السماح لها بالسيطرة على كامل الشريط الحدودي الشمالي، مع إمكانية توسيع ذلك عبر الوصول إلى الهول والحسكة والرقة والتي يتواجد فيهم عناصر وعوائل تنظيم "داعش".
فالأتراك لا يملكون حلاً في إدارة ملف "داعش" في سوريا، إلا بالسيطرة على المدن والبلدات المذكورة بالإضافة لمدن وبلدات الشريط الحدودي، أو نقل الأميركيين لعناصر وعوائل "داعش" في اتجاه المدن الحدودية مع تركيا، قبل انسحابهم، لتمكينها من إدارة هذا الملف.
أمّا في الواقع، فإن الأميركيين يتخذون إجراءات عسكرية غير مسبوقة تشير إلى بقائهم على الأقل إلى نهاية العام 2026، وفق الإعلان المشترك مع بغداد، قبل عدة أشهر. فالقوافل الأميركية تجاوزت هذا العام 2300 قافلة مع هبوط نحو 150 طائرة شحن تحمل معدات وأسلحة مختلفة، بالتزامن مع تنفيذ تدريبات شبه يومية بالذخيرة الحية في مختلف القواعد، من بينها تدريبات على صواريخ أم 142 المعروفة بـ "هيمارس" لأول مرة، بالإضافة إلى تكثيف اعتداءاتها الجوية المعلنة والتي وصلت مؤخراً إلى 4 استهدافات خلال أسبوعين.
كما أن "قسد" لن تتخلى بسهولة عن ملفي إدارة سجون ومخيمات عناصر "داعش" والذي تتولاه قبل أكثر من 7 أعوام، وهو ما سيجعل من مهمة تركيا في استلام الملف غير سهلة، لأنها تحتاج مثلاً إلى نحو 85 كم للوصول إلى سجني "غويران" و"الثانوية الصناعية" في مدينة الحسكة، ونحو 55 كم للوصول إلى سجن "الرقة المركزي"، والتي تعد المعتقلات الأساسية لعناصر "داعش"، وإلى نحو 150 كم للوصول إلى مخيم الهول.
وبالتالي فإن محاولات الأتراك استعجال الانسحاب الأميركي، لا تبدو مجدية، إلا إذا قرر ترامب ترك "الجمل بما حمل" وسحب قواته دون مراعاة مصير سجون ومخيمات "داعش" التي لاتزال "قسد" ترى أنها ورقتها الرابحة في التعامل مع الأميركيين، وحتى محاولات التقارب مع دمشق وموسكو في مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي في العام 2026 إن حصل فعلاً.