بيترو يحذِّر من مخطط انقلابي في البلاد.. ويدعو الشعب الكولومبي إلى الثورة

الرئيس الكولومبي، غوستافو بيترو، يمتلك رؤيةً واضحة للتغيير في البلاد، ويدعو الشعب إلى القيام بثورةٍ للدفاع عن الديمقراطية وإعلان الحقائق.

  • بيترو يُحذِّر من خطة للانقلاب ويدعو الشعب الكولومبي إلى الثورة
    بيترو يُحذِّر من خطة للانقلاب ويدعو الشعب الكولومبي إلى الثورة

في حدث غير معتاد، ألقى الرئيس الكولومبي، غوستافو بيترو، الخميس، خطاباً مطوّلاً استمر لقرابة الساعة خلال فعّالية جماهيرية تحت عنوان "اللقاء الوطني لوسائل الإعلام البديلة والمجتمعية"، في مدينة أرمينيا بمقاطعة كوينديو، وسط حضور ما يزيد على 1500 وسيلة إعلام بديلة وعدد من أعضاء الكونغرس والعُمَد وقيادات من القوّات المسلّحة والشرطة، ذكَّر فيه بنضالات وسائل الإعلام الكولومبية البديلة ودورها في إظهار الحقائق، وحذَّر من خطة تجري الآن للانقلاب عليه خلال الشهور الثلاثة التالية، وطالب الشعب بالخروج في ثورة للدفاع عن الديمقراطية والاستحواذ على السلطة وتغيير البلاد.

الإعلام والانقلاب والثورة

أكد بيترو في خطابه ضرورة التواصل بين الناس والتنوّع في طرق التفكير والآراء، مشيراً إلى أن وسائل الإعلام الكبرى "التي تموّلها أساساً رؤوس الأموال الكبيرة في البلاد" تريد أن "تمحو هذا التنوّع"، وأن "الحكومة تقف إلى جانب الديمقراطية والتنوّع وإلى جوار الشعب، وليس رأس المال".

وتطرّق إلى دور وسائل الإعلام الكبرى في "التكتّم على الرئيس والتلاعب بتصريحاته"، ضارباً عدة أمثلة "استهدفت سلب الحكومة دعمها الشعبي"، وقال "إنهم يعرفون جيداً أنهم إذا استطاعوا سلب الدعم الشعبي للحكومة فسيكون هناك انقلاب فوري، تماماً كما حدث يوم 11 سبتمبر 1973 في تشيلي، عندما قُصِفَت محطات الراديو تمهيداً لفظائع جرت بعد ذلك وقتل فيها الرئيس سلفادور أليندي".

وأشار إلى أن كولومبيا "عاشت 75 عاماً من القتل المتبادل بشكل بربري وغير واع"، وأن هذا العنف "مرتبط بعدم وجود تواصل اجتماعي"، إذ "تحوذ حفنة صغيرة من أثرى الأثرياء السلطة الإعلامية" إلى درجة أن "الشعب لا يُعبِّر عن نفسه، وإنما عن أصحاب المال الذين يتحدثون باسمه".

وذكَّر ببعض الأحداث التي تكتّم الإعلام فيها عن الإبادة الجماعية في كولومبيا، مؤكداً أنّ "من يقول بأن القوّة تكمن في الإعلام ليس مُخطِئاً"، وأنه "لا يوجد في كولومبيا سوى صوت واحد في وسائل الإعلام الكبرى، صوت قوّة المال وقدرته على التلاعب".

وقال بيترو إنه تعرَّض إلى "الانتقاد على تويتر"، الذي لولاه "لما استطعت بناء قوّة إعلامية بصفتي قائداً سياسياً" ولا أن "أصمُدَ أمام الافتراءات والتعتيم". وأكّد أنّ نشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي مثالٌ على الإعلام البديل، قائلاً "أنا مثلكم، إعلاميّ بديل"، ولكن مع ذلك "بمقدور الأغنياء التحكُّم في وسائل التواصل الاجتماعي... وحيث أعبِّر عن نفسي، هناك شخص يميل إلى النازية بإمكانه إغلاق حسابي في أي لحظة".

ولم تَغِب فلسطين عن حديث الرئيس الكولومبي، إذ قال "الإعلام العالمي يتكتَّم على غزة"، وحتى في كولومبيا "وصفتني إحدى المجلّات بالكاذب لأني وقفت إلى جانب الأطفال الذين تُقطِّعهم القنابل"، والآن "يشهد ملايين البشر على الإبادة الجماعية، ويرون كيف تسمح القوى العظمى التي تدّعي الديمقراطية بذبح الآلاف من الأطفال الفلسطينيين".

وأكّد أنّ "الإعلام الوطني التقليدي غير قادر على كشف الإبادة الجماعية لأن السلطة الاقتصادية هنا تقف إلى جانب إسرائيل"، فاليوم "رأس المال لا يريد إيقاف الإبادة بل يشجّعها"، وذلك يحدث لأنّ "هؤلاء الرأسماليين يريدون بيع المزيد من النفط والفحم وكسب المزيد من الأرباح".

وفي معرض الحديث عن المؤامرات التي تتعرّض إليها حكومته، أشار بيترو إلى أن الانقلابات التي تجري الآن "لا تنتج عن جنرالات في الجيش والشرطة يريدون الاستلاء على القصر وعزل الرئيس"، وأن "أوليغارشية هذا البلد ليست بهذه الدرجة من الحماقة، إنه انقلاب على الطريقة الكولومبية".

وأكّد أنّ "هناك بالفعل انقلاباً على الدولة، لأن الرئيس كانت لديه حصانة شاملة تمنع أي هيئة إدارية من محاكمته، واليوم تُحاكمني هيئة إدارية غير شرعية لأن ثلاثة قضاة تطرّقوا إلى ما هو خارج اختصاصهم وسلبوا الرئيس حصانته الدستورية"، ولم يكن ذلك "خطأً، ولا وراءه فعل بريء، وإنما هذا مخطط مسبق".

وأشار إلى أن رُعاة الانقلاب "يريدون أن يغرسوا في أذهان الكولومبيين أن الرئيس انتهك القانون من أجل إطلاق عملية سياسية لإقالته في لجنة الاتهامات بمجلس النواب"، وأن "أموالاً كثيرة تُنفق في هذا الصدد"، وأنهم يريدون "ألّا نكشف ذلك لأنهم يخطّطون لعزل الرئيس في اللحظة الأخيرة كما فعلوا في بوليفيا والبرازيل وبيرو"، وذلك حتى "يبقى الشعب غير مبالٍ ويترك الرئيس ويصبح السيد أفراين سيبيدا، رئيس مجلس الشيوخ، رئيس الجمهورية المقبل".

وقال إنه انتصر في الانتخابات الرئاسية "بفضل مليون شاب وشابة، من عمر 18 إلى 22 عاماً، استبدلوا البارود بالاقتراع ومنحوني النصر"، وأكد أن "الأوامر قد صدرت" وأن الانقلابيين يسعون "إما إلى إطاحة الرئيس أو قتله في قصر كاسا دي نارينو".

ودعا بيترو الشعب الكولومبي إلى القيام بثورة للدفاع عن الديمقراطية وإعلان الحقائق، قائلاً "يجب الردّ على الجهلة الذين لا يدركون أنهم يطلقون انقلاباً بالثورة. أريد أن أكون واضحاً، لا توجد طريقة أخرى لوقف انقلاب سيقود إلى عنف على مدى أجيال إلا بثورة شعبية".

وفي السياق، أعلن عن نيّته تقديم قانون يسمح بتخصيص ما يزيد عن 30% من ميزانية الدولة للإعلام إلى وسائل الإعلام البديلة والمجتمعية، مُذكِّراً بأحداث قتل فيها صحافيون كولومبيون "لأنهم يكشفون كيف أننا نُحكَم من قبل مافيات تهريب المخدرات التي تشتري أصوات المواطنين"، مؤكداً أنه سيدعو إلى "جمعية وطنية شعبية" سيعلن في مؤتمرها "منح المنظمات الاجتماعية والشعبية في كولومبيا قناةً تلفزيونية".

وأكد ضرورة "استعادة الجمهورية من الطغاة الذين سلّموها إلى المافيا التي تحكم الآن وتدفع لقتل الرئيس الكولومبي بأسرع ما يمكن"، لذا "دعونا نخرج إلى الشوارع ولا نصمُت إذا دمّروا الانتصار الذي حقّقه الشعب في عام 2022"، حيث فاز بالانتخابات الرئاسية. ووجَّه أمر "عدم توجيه الأسلحة ضد الشعب" للجنرالات بين الحضور، مشدداً على أنّ "أيّ جندي يرفع سلاحه ضد مواطن سيُحاسب لأنه يسيء إلى الزيّ العسكري... هذه أوامر القائد الأعلى للقوات المسلحة".

واختتم الرئيس خطابه بضرورة أن "ينزل الشعب إلى الشوارع" لأن "هناك طعنة غادرة تُحاك في الخفاء"، مشدداً على أن الانقلابيين "لن يمرّوا حتى آخر لحظة من حياتي"، وقال "كولومبيا هي الشعب والإعلام، والإعلام هو الذي سيسرد أيام التاريخ المقبلة. لأنه في هذه الأيام، قرّر شعبٌ ألّا يركع، وألّا يضعف، وألّا يخاف... لقد حانت ساعة الشعب الكولومبي".

كولومبيا في مفترق طرق

يرجع تحذير الرئيس بيترو من مخطط الانقلاب عليه، ودعوته الشعب الكولومبي إلى الخروج في ثورة، إلى تعاظم خلافه مع قوى اليمين التي تسيطر على وسائل الإعلام وتعارض إصلاحاته الطموحة في الكونغرس. هذه هي المرة الثالثة التي يحذِّر الرئيس بيترو فيها من خطة للانقلاب عليه، وكانت آخر مرة قبلها في شهر أيار/مايو الماضي، ويذكر أن أخاه تعرَّض إلى محاولة اغتيال منذ أقل من شهرين عبر إطلاق النار على سيارة تابعة للرئاسة كان يستقلّها.

عندما فاز بيترو بالانتخابات الرئاسية في عام 2022 على منافسه، رودولفو هيرنانديز في الجولة الثانية، أصبح أول رئيس يساري لبلد تحكمه تقليدياً النخب المحافظة، التي تمثّل الطبقة الحاكمة لبلد عاش ما يزيد عن نصف قرن من الصراع المسلح والاستقطاب السياسي العميق والأزمات الاجتماعية والفقر.

أحاط بيترو نفسه باليساريين وزملاء سابقين من فترة ولايته كرئيس لبلدية بوغوتا بين عامَي 2012 و2015، وبعد جهود في تعزيز عملية السلام المجتمعي والنجاح في دفع الإصلاح الضريبي وتحسين الإصلاح الزراعي في وقت قياسي، ازدادت المشاحنات السياسية بين المعارضة والرئيس، وراحت قوى اليمين تقيم تظاهرات تصاحبها أعمال شغب في أوقات مختلفة بعد مرور أقل من عام على فوز بيترو بالانتخابات، واليوم يحوك اليمين مخططاً للانقلاب عليه وإعادة كولومبيا إلى ما كانت عليه.

إن لدى بيترو رؤية واضحة لتغيير كولومبيا. فقد خطط لسنوات لإصلاحات تهدف إلى إعادة تشكيل ركائز الدولة الرئيسية، وإصلاح قطاع الصحة، وتعزيز إصلاحات العمل والمعاشات التقاعدية وإعادة توزيع الأراضي. كما يسعى إلى تفكيك جيش التحرير الوطني ELN، وهو آخر تنظيم حرب عصابات نشط في القارة اللاتينية، من أجل تحقيق السلام الدائم في جميع أنحاء البلد.

وبالإضافة إلى ذلك، يطمح بيترو إلى إعادة تعريف الحرب العالمية على المخدرات، ويقدِّم حلولاً لأزمة فنزويلا ويطالب برفع الحصار الاقتصادي عنها، ويقود حملة تضامن قوية مع فلسطين تخطت الشهر الماضي حيِّز المشادات الدبلوماسية وصولاً إلى الوقف الفعليّ لتصدير الفحم إلى "إسرائيل".

كولومبيا التي كانت بمثابة "إسرائيل" للولايات المتحدة الأميركية وحلفها الإمبريالي في القارة اللاتينية، باتت اليوم في مفترق طرق، بعد مرور عامين من فترة رئاسة بيترو، المناضل اليساري، ومحارب العصابات سابقاً. للمرة الأولى في التاريخ الحديث لكولومبيا، رئيس الجمهورية هو الذي يحرِّض على الثورة.

في مقابلة تلفزيونية بعد 9 أشهر من فوزه بالانتخابات، أشار الرئيس بيترو إلى أنه بحاجة إلى التعبئة الشعبية والمشاركة العامة من أجل التغلُّب على بطء وتيرة الإصلاح والعقبات التي تواجهه. واليوم تبدو عملية التغيير أكثر صعوبة مما كان يتوقّع، ما يعني أنّ أيّ تقدّم في كولومبيا مرهون في نهاية المطاف بإرادة الشعب الكولومبي.

اقرأ أيضاً: بيترو: كولومبيا ستقطع العلاقات الدبلوماسية مع "إسرائيل" بسبب جرائمها في غزة