بعد عامين من الحرب الأوكرانية.. كيف أخطأ الغرب في رهانه على إخضاع روسيا سياسياً واقتصادياً؟
تُظهر الأرقام والتحليلات والوقائع، أنّ الغرب "أخطأ في حساباته"، وفشل في رهانه على إخضاع روسيا، وعرقلة صعودها وانتشارها في محيطها، ونمو اقتصادها، وهي تخوض الآن انتخابات رئاسية، يُتوقّع أن يكون بوتين هو الفائز بها، في غياب أي معارضة جادة له.
"الغرب حاول إضعاف روسيا، لكنّه أخطأ في حساباته".
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برسالة إلى الجمعية الفيدرالية الروسية في 29 شباط/فبراير 2024
قبل أكثر من عامين، قرّر الغرب تحويل أوكرانيا إلى ساحة حرب مع روسيا عسكرياً وسياسياً، بهدف تطويقها وخنقها وعزلها عن محيطها، وأيضاً، لكبح صعودها كدولة ذات قوة اقتصادية في العالم.
لكن بعد مرور أكثر من عامين، سعى فيها الغرب، بالعقوبات الاقتصادية الهائلة والخطابات والدعايات المُحرّضة على روسيا ورئيسها، لدعم كييف وكسر موسكو، تُظهر الأرقام والتحليلات والوقائع أنّ الغرب "أخطأ في حساباته"، وفشل في رهانه على إخضاع روسيا، وعرقلة صعودها وانتشارها في محيطها، ونمو اقتصادها، وهي تخوض الآن انتخابات رئاسية، يُتوقّع أن يكون بوتين هو الفائز بها، في غياب أي معارضة جادة له، بعد كل التحديات التي واجهتها البلاد في العامين الماضيين.
إذاّ، كيف تكشّف إخفاق الغرب في تحدّي روسيا في الشقين السياسي والاقتصادي؟
حضور دولي بارز
نجحت روسيا، طوال عامين من الحرب، في تحدّي محاولات عزلها دولياً، عبر تعزيز علاقاتها وروابطها السياسية والاقتصادية مع شركائها المقرّبين، مثل الصين وكوريا الشمالية وإيران والبرازيل. وهي دولٌ قدّمت المساعدة لموسكو بأشكال مختلفة.
كما استطاعت روسيا خلق وتطوير شبكة علاقات قوية في أجزاء من آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية، وتوسيع حضورها أيضاً في أفريقيا والهند، بحسب تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز".
وكان بوتين قد تحدّث، بدوره، عن مسألة التعاون الروسي مع دول الإقليم ورؤيته في هذا الإطار، قائلاً إنّ "التعاون بين روسيا ودول آسيان يتطوّر بشكل إيجابي"، ومؤكّداً أنّ "موسكو تتمتع بعلاقات جيدة طويلة الأمد مع الدول العربية والأفريقية".
وأشار أيضاً إلى أنّ "هناك دولاً جديدة تنضم بنشاط إلى منظمات مثل منظمة شانغهاي للتعاون وبريكس"، لافتاً إلى أنّ "موسكو ستقوم بالتعاون مع الدول الصديقة، بإنشاء ممرات لوجستية فعّالة وتطوير التفاعل على أساس المساواة".
وقد بات من الواضح اليوم، أنّ روايات الزعماء الغربيين بشأن عزلة روسيا هي روايات بعيدة عن الواقع، خاصةً وأنّ العديد من الدول أحجمت عن الانحياز إلى أي طرف في صراعات القوى العظمى، وعارضت القرارات التي تدين روسيا في المحافل الدولية، مثل جلسات الأمم المتحدة.
في هذا السياق، قال مؤرخ الحرب الباردة في الجامعة الكاثوليكية الأميركية، والذي كان أيضاً مسؤولاً في وزارة الخارجية في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، إنّ "روسيا ليست محاصرة بأي حال من الأحوال"، فهي ليست محاصرة لا سياسياً ولا اقتصادياً، بل وتنشر رسالتها بشأن الحرب".
تعافٍ اقتصادي
من الناحية الاقتصادية، استطاعت روسيا أن تواجه محاولات حصارها وفرض العقوبات على نفطها وغازها وشركاتها، بقوّتها المتمثلة في إمداداتها الهائلة من النفط والغاز الطبيعي، والتي "كانت سبباً في تعزيز قدرتها الاقتصادية، والسياسية أيضاً"، والتي مكنتها من الصمود في وجه عاصفة المقاطعة الغربية.
فقد تحدّى الاقتصاد الروسي التوقعات المتشائمة بشكل متكرر خلال العامين الماضيين، منذ بداية الحرب في أوكرانيا، إذ إنّ "الانهيار المالي، الذي كان متوقعاً على نطاق واسع في ربيع عام 2022، لم يحدث قط"، بحسب صحيفة "ذي إيكونوميست".
ووفقاً لـ صحيفة "فايننشال تايمز"، فإنّ "موسكو نجت من الجهود المبذولة لعزل اقتصادها من خلال تطوير علاقات تجارية جديدة مع الجنوب العالمي وزيادة الاستثمار في الإنتاج المحلي".
فثروة روسيا من الموارد الطبيعية جعلت منها شريكاً تجارياً جذاباً للغاية بالنسبة إلى الدول التي تعتمد على صادراتها من الطاقة والمعادن والغذاء، بحيث لا يمكنها التخلي عنها.
وبحسب الأرقام، فقد ارتفعت التجارة مع الصين بنسبة 32% على أساس سنوي في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2023 إلى 155 مليار دولار، في حين تضاعفت التجارة مع الهند 3 مرات في النصف الأول من العام نفسه إلى 33 مليار دولار، وفقاً لوكالة أنباء ريا نوفوستي الحكومية.
كما أنّ هناك القليل من الأدلة التي تشير إلى ضائقة الشركات، فالواقع أنّ معدل إغلاق الشركات بلغ مؤخراً أدنى مستوى له منذ 8 سنوات، في وقتٍ وتأمل بورصة موسكو أن تشهد أكثر من 20 طرحاً عاماً أولياً هذا العام، ارتفاعاً من تسعة في العام الماضي، وفق وكالة "بلومبرغ".
ويبدو أيضاً أنّ روسيا لا تزال تتجه نحو "الهبوط الناعم"، حيث يتباطأ التضخم، وأصبح أداء الاقتصاد "يتماشى مع اتجاه ما قبل الحرب"، إذ نما الناتج المحلي الإجمالي بالقيمة الحقيقية بأكثر من 3% العام الماضي، ولا تزال البطالة عند مستوى قياسي منخفض.
وتبعاً لهذه الوقائع، تتزايد الثقة بين النخبة في موسكو بأنّ "روسيا خرجت سالمة نسبياً، على الرغم من المخاوف من أن تؤدي العقوبات إلى انهيار الاقتصاد في وقت مبكر من الحرب".
وكان صندوق النقد الدولي قد صرّح بأنّ الاقتصاد الروسي سينمو بنسبة 2.6% في عام 2024، أي أكثر من ضعف النمو البالغ 1.1% في الناتج المحلي الإجمالي الذي حقّقه في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
إذاً، بعد سنتين على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، يسير الاقتصاد الروسي على الطريق الصحيح لتجاوز النمو الأميركي، وفق مجلة "نيوز ويك" الأميركية.
هذه المرونة الواضحة التي تتمتع بها روسيا، على الرغم من عزلتها عن الأسواق العالمية ومحاولات قطع سلاسل التوريد، كانت بمثابة نقطة فخر لبوتين، الذي قال الأسبوع الماضي إنّ "مرحلة التعافي بالنسبة إلى الاقتصاد الروسي قد انتهت" بعد التخلص من ضغوط خارجية غير مسبوقة".
آمال غربية خائبة
في الخلاصة، لم تتحقق آمال الغرب، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، في عزل روسيا، وهم إلى الآن، لم يتقبّلوا خيبتهم بأنّ تدابيرهم التقييدية باءت بالفشل إلى حد كبير، ولم "يأخذوا في الاعتبار هذه الواقع بشكل كامل"، بحسب بعض الخبراء الروس.
إنّ تجربة روسيا هذه في مواجهة أشرس أنواع محاولات العزل السياسي والاقتصادي، إن دلّت على شيء، فهي تدلّ على فشل سلاح العقوبات للضغط على الدول وإجبارها على الانسياق تبعاً لما تريده الولايات المتحدة وحلفائها، وقد أظهرت نموذجاً جديداً للعالم في سبل الالتفاف على مثل هذه العقوبات، ومحاربة سياسات الغرب الإلغائية، يضاف إلى النموذج الإيراني والصيني، ويبشّر بالتأسيس لقوّة عالمية خارجة عن سلطان الاقتصاد الغربي وتأثيرات عقوباته المتمادية.