الفاشر تحت المجهر: أدلة أممية واستقصائية جديدة تكشف القتل الجماعي وأدواته

مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان يعلن أنه تلقى تقارير مقلقة عقب سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، تضمنت أدلة على عمليات قتل جماعي وإعدامات ميدانية ذات دوافع عرقية، موثقة بصور أقمار صناعية وتقارير أممية.

  • صورة مأخوذة من مقطع فيديو نُشر على حساب قوات الدعم السريع في مدينة الفاشر بالسودان على تليغرام في 26تشرين الأول/أكتوبر 2025
    صورة مأخوذة من مقطع فيديو نُشر على حساب قوات الدعم السريع في مدينة الفاشر بالسودان على تليغرام في 26تشرين الأول/أكتوبر 2025

أعلن مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان (OHCHR) أنه تلقى "تقارير مقلقة" عقب سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر المحاصَرة، وعلى مقر الفرقة السادسة مشاة للجيش السوداني. ووردت تقارير عديدة عن إعدام مدنيين بتهمة دعمهم للقوات المسلحة السودانية.

وقالت الأمم المتحدة إن خلاصة تقديرها أن "عشرات المدنيين" قُتلوا خلال العمليات، وإنها تلقت مقاطع فيديو مروّعة تُظهر عشرات الرجال العزّل أُطلق عليهم الرصاص، ووُجدوا جثثاً هامدة، بينما يُسمع في الخلفية عناصر من الدعم السريع يتهمونهم بالانتماء إلى الجيش.

تلقى المكتب تقارير تفيد بوقوع إعدامات ميدانية لمدنيين حاولوا الفرار من المدينة، وأدلة تشير إلى أن الجرائم "ذات دوافع عِرقية"، مع تنفيذ إعدامات ميدانية بحق مقاتلين استسلموا وألقوا سلاحهم، في انتهاكٍ للقانون الدولي الإنساني. ولم تقتصر الانتهاكات على القتل، بل استهدفت قوات الدعم السريع مقومات الحياة في المدينة المحاصَرة منذ نيسان/أبريل 2024.

ومع نقص الغذاء الحاد، وردت تقارير عن إعدام عناصر الدعم السريع خمسة رجال ميدانياً أثناء محاولتهم إدخال مواد غذائية إلى المدينة. واعتُقل مئات الأشخاص أثناء محاولتهم الفرار، كما اعتُقل الصحافي معمر إبراهيم، المعروف بتغطيته حصار المدينة.

وأعربت منظمة الصحة العالمية عن صدمتها جراء تقارير أفادت بمقتل أكثر من 460 شخصاً في مستشفى الفاشر السعودي التعليمي، يوم الأحد الماضي. وقال المدير العام للمنظمة، تيدروس غيبريسوس: "تشعر منظمة الصحة العالمية بصدمة عميقة واشمئزازٍ شديد جراء التقارير التي تفيد بمقتل أكثر من 460 مريضاً ومرافقاً في المستشفى، عقب هجماتٍ حديثةٍ واختطاف عددٍ من العاملين في القطاع الصحي".

من جهةٍ أخرى، اطّلع مجلس الأمن على مواد تُثبت استخدام ميليشيا الدعم السريع معداتٍ عسكريةٍ بريطانية في السودان. وتضمّنت الأدلة أجهزة تدريبٍ على الرماية بأسلحةٍ خفيفةٍ مصنّعةٍ في المملكة المتحدة، ومحركاتٍ بريطانية الصنع لمركباتٍ مدرّعة. وخلص تقرير نشرته جريدة "الغارديان" إلى أن الحكومة البريطانية قد تكون ساهمت في تغذية الصراع، وأن البيانات الجديدة تُظهر موافقة لندن على "تصدير معدات عسكرية إضافية من النوع ذاته إلى الإمارات"، بعد تلقّي مجلس الأمن أدلة تشير إلى أن الأخيرة ربما نقلت أسلحةً بريطانية الصنع إلى الدعم السريع.

كما ظهرت المعدات البريطانية في ملفَّين استخباريين أعدّهما الجيش السوداني وقدّمهما إلى مجلس الأمن في حزيران/يونيو 2024 وآذار/مارس 2025، ويحتويان أدلةً تفصيليةً على "دعم الإمارات للدعم السريع"، وفق الجريدة. وتضمّنت الصور الواردة في الوثائق الجديدة أجهزة تدريبٍ على استخدام الأسلحة الخفيفة بريطانية الصنع (الفئة ML14) عُثر عليها في مواقع سابقة لقوات الدعم السريع في الخرطوم وأم درمان، وتحمل ملصقاتٍ تُثبت أنها من إنتاج شركة Militec الواقعة في ميد غلامورغان – ويلز، في بريطانيا.

وتُظهر سجلات التصدير أن الحكومة البريطانية أصدرت 26 ترخيصاً لتصدير أجهزة تدريب عسكرية ضمن فئة ML14 إلى الإمارات، بين كانون الثاني/يناير 2015 وأيلول/سبتمبر 2024، بالإضافة إلى "رخصة تصدير فردية مفتوحة"، تتيح تصدير كمياتٍ غير محدودة من المعدات دون تتبّع وجهتها النهائية، صدرت إلى الإمارات في 27 أيلول/سبتمبر 2024، أي بعد ثلاثة أشهر من تسلّم مجلس الأمن صوراً تُظهر وجود المعدات في السودان قيد استعمال قوات الدعم السريع، فضلاً عن تقريرٍ للأمم المتحدة صدر في كانون الثاني/يناير 2024 وصف هذا الزعم بأنه "موثوق".

كما تضمّنت الوثائق صوراً لمركباتٍ مدرّعة من طراز "نمر عجمان" من إنتاج مجموعة Edge Group الإماراتية، يُزعم أنها "عُثر عليها في مواقع للدعم السريع"، مزوّدة بمحركاتٍ بريطانية الصنع صُمّمت خصيصاً لهذا النوع من المدرّعات. وتُظهر صورة لوحة بيانات المحرك عبارة: "صُنع في بريطانيا العظمى بواسطة Cummins Inc"، وهي شركة بريطانية تابعة للفرع الأميركي من Cummins.

أما عن واقع الفاشر بعد اجتياحها، فكشف تقرير صدر يوم الاثنين الماضي عن مختبر الأبحاث الإنسانية (HRL) في كلية ييل للصحة العامة، عن أدلةٍ بالأقمار الصناعية على ارتكاب قوات الدعم السريع "مجازر" و"عمليات قتلٍ جماعي"، عقب سيطرتها على الفاشر. وقال التقرير إنه رصد ما يبدو أنه عمليات إعدام ميدانية وتصفية متعمدة للمدنيين، وإن المعطيات توضّح ما قد يُعتبر "جرائم حرب"، مطالباً بالضغط على داعمي الدعم السريع، وعلى رأسهم دولة الإمارات.

وحمل التقرير عنوان "حالة طوارئ للأمن الإنساني: سقوط الفاشر في يد قوات الدعم السريع: أدلة على عمليات قتل جماعي"، وقدّم تحليلاً مفصلاً لصور أقمار صناعية عالية الدقة التقطت يوم 27 تشرين الأول/أكتوبر، أظهرت أدلة بصرية مباشرة على جرائم ارتُكبت في أحياء سكنية ومناطق فرارٍ للمدنيين. ووصف الموقف بأنه "تطهيرٌ عرقيٌ ممنهج ومتعمد"، يستهدف مجتمعات الفور والزغاوة والبرتي غير العربية في دارفور، باستخدام "التهجير القسري والإعدام بإجراءاتٍ موجزة".

استخدم الباحثون، بقيادة المدير التنفيذي للمختبر ناثانيال ريموند وكيتلين هاوارث، ما يُعرف بـ "دمج البيانات"، أي تحليل صور الأقمار الصناعية بمقارنتها مع بيانات المصادر المفتوحة، مثل مقاطع الفيديو التي ينشرها شهود عيان على وسائل التواصل الاجتماعي، والتقارير الإخبارية من مؤسسات إعلامية محلية ذات مصداقية.

تركزت الأدلة في حي "درجة أولى" السكني، وأظهرت صور الأقمار الصناعية انتشاراً لمركباتٍ تابعة للدعم السريع في تشكيلاتٍ تتسق مع عمليات تمشيطٍ من منزلٍ إلى آخر. ورصد التقرير "أجساماً يتسق حجمها مع الأجسام البشرية" – المصطلح التقني للأجسام المرئية من الفضاء التي يتراوح طولها بين 1.3 و2.0 متر، أي المطابقة أبعادها لجسم الإنسان البالغ، على مقربةٍ من 5 مواقع رُصدت بها حالات لـ"تغير لون الأرض إلى الأحمر" (reddish earth discoloration)، أي بقع دماء كبيرة ناجمة عن عمليات قتلٍ جماعيٍ قرب تجمعاتٍ لمركبات الدعم السريع. وعلى بعد نحو 250 متراً من "مسجد الصافية"، الذي كان نفسه هدفاً لهجوم بطائرة مسيّرة تابعة لقوات الدعم السريع في 19 أيلول/سبتمبر 2025، ما أسفر عن مقتل 78 مصلياً آنذاك.

ورصد المحللون تجمعاتٍ لأجسامٍ تتطابق مع الجثث البشرية، ملقاةً بالقرب من السواتر الترابية الدفاعية المحيطة بمدينة الفاشر، بما يتسق مع تقارير مصادر مفتوحة عن عمليات إعدامٍ وقعت بالقرب من الساتر الترابي وقتلٍ لأشخاص حاولوا الفرار من المدينة عبره. وأكد التقرير أن هذه الأجسام "لم تكن موجودة في الصور السابقة" (مثل صور 26 أكتوبر)، ما يعني أنها ظهرت بالتزامن مع سيطرة الدعم السريع على المدينة، وتقارير شهود العيان عن عمليات القتل.

ووفق بيانات مفوضية حقوق الإنسان والموقع الرسمي للأمم المتحدة، خلّف الحصار الذي فرضته قوات الدعم السريع على الفاشر لمدة 18 شهراً سوء تغذيةٍ ونزوحاً جماعياً وأوبئة، وهُجّر 600 ألف شخصٍ من المدينة منذ بدايته. وخُطف مواطنون أثناء محاولتهم الفرار منها واحتُجزوا مقابل فدية، بالتوازي مع انتشار وباء الكوليرا وتسجيل نحو 5000 حالة إصابة و98 وفاة في إقليم دارفور وحده.

كما نفدت الإمدادات الطبية والغذائية، وتعرّضت 35 منشأة طبية لهجماتٍ مباشرة، فضلاً عن المجزرة التي شهدها مستشفى الفاشر السعودي التعليمي. وتشير البيانات إلى أنه منذ نيسان/أبريل 2024 وُثق أكثر من 1100 انتهاكٍ جسيم في المدينة، شملت "مقتلَ وإصابةَ أكثر من ألف طفل"، كثيرٌ منهم في منازلهم أو في الأسواق أو مخيمات النزوح. ومع تفاقم سوء التغذية، تلقّى أكثر من عشرة آلاف طفلٍ العلاج، أي ضعف العدد في العام الماضي، قبل أن ينقطع الإمداد الطبي بالكامل بفعل الحصار، الذي ترك 6000 طفلٍ من دون علاج. كما تعرّض ما لا يقل عن 23 طفلاً للاعتداء الجنسي أو الاغتصاب، واختُطف آخرون أو جُنّدوا للقتال.

اخترنا لك