السودان في لاهاي.. محاولة قطع إمدادات الدعم السريع
في تصعيد قانوني ودبلوماسي، السودان يتهم الإمارات بدعم إبادة جماعية بدارفور، مرفقاً ذلك بأدلة، ويطلب تدابير عاجلة من لاهاي، وسط نفي إماراتي وتصاعد المعارك واتساع رقعة النزوح.
-
وزير العدل السوداني بالإنابة معاوية عثمان محمد خير، وسفيرة السودان لدى هولندا أميمة الشريف، ينتظران بدء جلسة استماع أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي - 10 نيسان 2025 (أ ف ب)
على وقع تقدم الجيش في السودان على حساب قوات الدعم السريع، وانتقال المعارك من الخرطوم، بعد انسحاب الأخيرة منها، إلى دارفور، يتواصل مسار آخر للصراع بين الدولة المركزية هناك والميليشيا على مستوى دبلوماسي دولي، انطلق الشهر الماضي برفع السودان دعوى أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، تستهدف حرمان الدعم السريع من غطائه الإقليمي الأكبر، أي مساندة الإمارات. وقال السودان في أولى جلسات المحكمة، الخميس الماضي، إن لديه "معلومات وبيانات تثبت تورطها" في قتل جماعي، بدعمها الميليشيا التي ارتكبته، مطالباً المحكمة أن تأمر الإمارات بشكل عاجل "بالامتناع عن أي سلوك يرقى إلى مستوى التواطؤ"، في الإبادة الجماعية ضد مجموعة المساليت العرقية.
سبق للسودان إعلان كشفه الدعم الإماراتي للميليشيا أمام مؤسسات أممية أخرى، مثل مجلس الأمن الدولي ومجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. وفي جلسة لاهاي، طلب الوفد السوداني من المحكمة اتخاذ تدابير وقائية طارئة لضمان الالتزام باتفاقية منع الإبادة الجماعية، وإلزام الإمارات باتخاذ تدابير عاجلة لمنع ارتكاب إبادة ضد جماعة المساليت، مثل القتل والتسبب في أذى جسدي أو نفسي، وأن ترفع تقريراً إلى المحكمة عن الإجراءات المتخذة لتنفيذ التدابير، خلال شهر من إصدار القرار، ثم تقارير دورية كل ستة أشهر، إلى حين إصدار المحكمة القرار النهائي، في الدعوى القضائية المطالِبة بتطبيق اتفاقية (منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها) في السودان.
وقال إنّ "الدعم اللوجستي المباشر وغيره من أشكال الدعم" الذي قدمته الإمارات لقوات الدعم السريع، والميليشيات المتحالفة معها، "كان ولم يزل دافعاً رئيسياً وراء الإبادة الجماعية"، التي شملت ارتكاب "القتل والاغتصاب والتهجير القسري والنهب وتدمير الممتلكات العامة والخاصة". كما قدم محامو السودان للمحكمة تقييماً استخبارياً حديثاً، يشمل أدلة على مواصلة الإمارات إرسال شحنات أسلحة للدعم السريع عبر تشاد.
انطلق استهداف المساليت، المنتشرة في غرب دارفور وتشاد، مع اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، في نيسان/أبريل عام 2023، وتمدد المعارك على نطاق واسع في غرب وسط السودان. وكشفت تقارير صحافية في نفس العام، تعرض المجموعة في مدينة الجنينة غرب دارفور لقتل جماعي على أساس العرق، وانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، شملت النهب والاغتصاب وهدم البيوت وتسميم الآبار، ما دفع مئات الآلاف إلى النزوح من إقليم دارفور ودخول تشاد للجوء. وتشير تقديرات إلى مقتل من عشرة إلى خمسة عشر ألف شخص من المجموعة خلال عام 2023 وحده، قُتل أغلبهم في الجنينة.
وبموازاة المواجهة القانونية في لاهاي، والإعلان رسمياً عن عودة الخرطوم مقراً للحكومة بدلاً من بورسودان، قال الصادق علي نور، الناطق باسم حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، الموالية للدولة المركزية، إن هجمات الدعم السريع على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، خلّفت نحو 450 قتيل وآلاف المصابين في ثلاثة أيام، وشملت قصف واقتحام مخيم زمزم للنازحين، ما دفع عشرات الآلاف منهم للفرار نحو الفاشر سيراً على الأقدام، مع انقطاع إنزالات الجيش للمواد الإغاثية بالطيران من دون سبب معروف. ووصف الهجمات بأنها استكمال لمسيرة التطهير العرقي، الذي شهدته مدينة الجنينة سابقاً، محذراً من سقوط الفاشر، التي يسكنها نحو مليون ونصف نسمة، في يد الميليشيا، مؤكداً أن هذا قد يلحقه سقوط مدن أخرى.
في العام الماضي، أعلنت لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة أن تورط الإمارات وتشاد في الصراع "موثوق"، وفق ما نقلت شبكة "CNN"، التي وثّقت، بتقارير مفصلة، ارتكاب الدعم السريع والميليشيات الحليفة له مذبحة في حق المساليت ومجموعات عرقية أخرى، في مدينة الجنينة غرب السودان، مع ممارسة الاستعباد، وإطلاقه حملة تجنيد قسري في ولاية الجزيرة وسط البلاد، ما دفع مشرعين أميركيين إلى إعلان النية في وقف مبيعات الأسلحة للإمارات، لدعمها الميليشيا التي "خلصت الولايات المتحدة إلى أنها ارتكبت إبادة جماعية"، وفق ما نقلت الشبكة. وباتت قضية المساليت، منذ كانون الثاني/يناير، الماضي مصنفة عند الولايات المتحدة قضية إبادة جماعية.
في الجلسة، أعادت الإمارات إنكارها الاتهام، الذي وصفته باللعبة السياسية، وأكدت نائبة مساعد وزير الخارجية أنّ بلادها لم تقدم منذ بداية الحرب أسلحة أو عتاد لأي من الطرفين، وأن المحكمة ليست ذات اختصاص لنظر الدعوى، ودعت بالتالي إلى شطبها ورفض مطالب السودان. وقالت النائبة لـ"CNN" إنّ الاتهامات "حيلة علاقات عامة" يؤديها "الجيش"، واتهمت الأخير بارتكاب انتهاكات ورفض وقف إطلاق النار أو الدخول في مفاوضات جادة.
وخلال العام الماضي، نُشرت عشرات المقاطع المصورة على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر صناديق وحاويات أسلحة مكتوب عليها "صنع في الإمارات" عثرت عليها القوات الحكومية السودانية في مواقع انسحب منها الدعم السريع. وفي حزيران/يونيو، دعا السودان إلى انعقاد مجلس الأمن، واتّهم مندوبه في الجلسة الإمارات برعاية الإرهاب الممنهج على أساس عرقي في بلاده، مشيراً إلى أنّ تقرير لجنة خبراء المجلس الذي صدر في كانون الثاني/ينايرعام 2024 عن دارفور أثبت ذلك، وقال لأعضاء المجلس "حشدنا لكم كل البيانات والدلائل والصور ورفعناها إلى مجلسكم الموقر لكي تناقَش"، متهماً الإمارات بمحاولة عرقلة الاجتماع.
نص التقرير المشار إليه على ضرورة التزام الجهات والدول الأعضاء التي تسهل نقل الأسلحة والمعدات العسكرية إلى دارفور بواجباتها، بموجب إجراءات حظر الأسلحة، وأشار إلى معلومات موثوقة أفادت بأن الإمارات قدمت إمدادات عسكرية عبر مهبط طائرات في تشاد إلى قوات الدعم السريع. ونقلت وكالة "رويترز" في كانون الأول/ديسمبر العام الماضي رصدها بيانات رحلات جوية ووثائق لشركات عن 86 رحلة جوية على الأقل من الإمارات إلى مدرج للطائرات في أم جرس، شرق تشاد، منذ اندلاع الحرب في السودان، وأن ثلاثة أرباع هذه الطائرات تديرها شركات طيران تتهمها الأمم المتحدة بنقل أسلحة قادمة من الإمارات إلى ليبيا.
ونقلت "رويترز" تقدير أحد الخبراء، مفتش سابق للأسلحة في الأمم المتحدة طلب حجب اسمه، لمقطع مصور التُقط عام 2024 في أم جرس، حجبت "رويترز" تاريخه ومصدره تجنباً لحدوث أعمال انتقامية، يُظهر منصتي نقل خشبيتين على المدرج محملتين بصناديق ذات لون كاكي، وبعضها يحمل علم الإمارات. وقال الخبير إنه "من المرجح بشدة أنها ذخيرة أو أسلحة، استناداً إلى تصميم ولون الصناديق"، وإنّ طول وارتفاع الصناديق الموجودة على منصة النقل على الجانب الأيمن تشير إلى احتوائها أسلحة على الأرجح.
من جانبها، نفت الإمارات الاتهام وقتها، وأكدت أن عملها في أم جرس يقتصر على الجانب الإنساني، مثل إنشاء مستشفى ميداني عالج الهلال الأحمر الإماراتي أكثر من 18 ألف لاجئ سوداني فيه. وردّ توماسو ديلا لونجا، المتحدث باسم الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، قائلاً لـ"رويترز" إنّ الاتحاد لم يعلم أو يشارك بهذه العملية الإغاثية في أم جرس، وإنّ بعثتان لتقصي الحقائق أرسلهما الاتحاد إلى تشاد لم تتمكنا من الوصول إلى هذا المستشفى، بسبب الوضع الأمني. ما وافق تصريح وليام سبندلر، المتحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أنّ المفوضية لم ترسل أي لاجئين إلى هناك.
ونقلت وكالة "سويس إنفو"، آخر العام الماضي، عن أحد أفراد قوات الأمن التشادية أنّه شهد وصول طائرات تحمل صناديق تشبه التي تستخدمها وحدته العسكرية لنقل الأسلحة، وأنّ وحدته شاركت في حراسة الصناديق إلى الحدود مع السودان حيث تسلمها مقاتلو قوات الدعم السريع، ولم تستجب السلطات التشادية لطلب الوكالة التعليق على رحلات وعمليات الطيران في أم جرس. لكن أخبرها مصدر مطلع على اجتماعات مسؤولين إماراتيين وأميركيين بارزين في واشنطن، الخريف الماضي، أنّ مندوبي الإمارات تراجعوا عن إنكار تقديم دعم لقوات الدعم السريع، بعد أن أطلعوا في الاجتماعات على معلومات استخباراتية جمعتها واشنطن.