الرقابة على الإعلام في "إسرائيل".. سياسة حمائية أمنية تواجه الإعلام الجديد

ارتبطت الأخبار الأمنية والعسكرية الصادرة عن الكيان الإسرائيلي منذ تأسيسه بعبارة "سمح بالنشر" التي تذكر بأن لا خبر سيخرج إلى النور ما لم يٌسمَح بنشره. هذا السلوك الذي أخرج "الجيش" الإسرائيلي في محطات كثيرة من إحراج "جواب اللحظة" بات اليوم صعب التطبيق بشكل كامل كما كان سابقاً مع ظهور الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي.

  • الرقابة على الإعلام في
    الرقابة على الإعلام في "إسرائيل".. سياسة حمائية أمنية تواجه الإعلام الجديد

ما إن بدأت الصواريخ الإيرانية تنهمر على المدن الإسرائيلية عامةً، وتل أبيب خاصةً، مساء الجمعة 13 حزيران/يونيو 2025، حتى شرعت وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بتناقل المشاهد المصوّرة لأماكن سقوط الصواريخ وآثار القصف الإيراني. الأمر الذي دفع "الرقابة العسكرية" في "إسرائيل" إلى المسارعة لوضع حدّ لانتشار تلك المشاهد ومنع تناقل أخرى جديدة.

وفي حين توجّه المتحدّث باسم "الجيش" الإسرائيلي إلى قنوات التلفزة بالقول زاجراً: "توقفوا عن بث مواقع سقوط الصواريخ"، زعم مصدر أمني للإعلام الإسرائيلي، إلى أن الإيرانيين "يضبطون دقة إطلاقاتهم من خلال التقارير ومقاطع الفيديو التي تُنشر داخل إسرائيل".

ولم تتأخر المنصات الإعلاميّة الإسرائيليّة، بمختلف أنواعها، حتى انضمت إلى الرقابة العسكرية، وسياسة التعتيم، من خلال حذفها كل تعليق وخبر يتم فيه ذكر مكان أو صورة جديدة لأماكن سقوط الصواريخ.

فما هي طبيعة الرقابة التي تفرضها حكومة الاحتلال على وسائل الإعلام في فلسطين المحتلة؟ وأي قدرة في الحفاظ على سلطتها في زمن الإعلام الفردي ووسائل التواصل الاجتماعي؟

أنماط الرقابة الإسرائيلية على الصحافة ووسائل الإعلام

تتّخذ الرقابة على الإعلام في كيان الاحتلال الإسرائيلي طابعاً مركباً، يجمع بين الرقابة العسكرية الرسمية، والرقابة الذاتية من داخل وسائل الإعلام نفسها، إلى جانب تشريعات قانونية تُستخدم لتقييد الحريات تحت ذريعة الأمن القومي.
ويُشرف "الرقيب العسكري" على محتوى الصحافة، ويمتلك صلاحيات منع أو تعديل ما يُنشر، بينما تلعب وسائل الإعلام دوراً رقابياً ذاتياً بالتنسيق مع السلطات عبر "لجنة رؤساء التحرير".

كما تُستخدم قوانين مكافحة "الإرهاب" لتجريم التغطيات التي تتناول جهات تعتبرها "إسرائيل" معادية، ما يحد من حرية التعبير ويضعف دور الإعلام كسلطة رقابية مستقلة. 

مقص الرقيب في خدمة السردية الرسمية

لا يتوقف فرض الرقابة العسكرية على الموضوعات الأمنية الحساسة، أو الغايات العسكرية وغيرها، إنما يتعداها في كثير من الأحيان إلى إخفاء الواقع ريثما تنتهي السلطات الإسرائيلية من صياغة روايتها لحادث ترغب في إعادة إنتاج تفاصيله بما يتناسب مع مصالحها وأهدافها.

ففي الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر عام 2023، ومع انطلاق عملية "طوفان الأقصى"، فرضت السلطات الإسرائيلية الرقابة العسكرية على الأحداث الجارية عموماً، واستمرت الرقابة على بعض الحوادث المحدّدة لعدة أيام فيما بعد، وإحداها كانت حادثة حفل "سوبر نوفا" في مستوطنة "رعيم".

حينها، رمى الاعلام الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن الحادث على حركة حماس، بينما خرجت التحقيقات بعد أكثر من عام ونصف لتجزم بمسؤولية "الجيش" في التسبّب بعدد كبير من القتلى إن على مستوى الفشل العملياتي، أو باتخاذه قرار تطبيق إجراء هنيبعل في ذلك اليوم.

وهذا ما شهدناه في أكثر من محطة، في الحرب المفتوحة والمستمرة على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، إذ كان المتابع يلحظ كيف يلجأ "جيش" الاحتلال إلى فرض الرقابة العسكرية على أي عملية نوعية تنفّذها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، فيمنع التصوير ونقل المعلومات، الأمر الذي جعل من وسائل الإعلام تراجع بيانات المستشفيات لمعرفة عدد الجنود القتلى والمصابين يومياً في القطاع، وهو ما دفع بـ"الجيش" لفرض قيود على تقارير إصابات الحرب الصادرة عن المستشفيات الإسرائيلية.

تحديات الرقابة في عصر الصحافة الفردية ومنصات التواصل

مع تصاعد موجات الصحافة الفردية وانتشار منصات التواصل الاجتماعي، تواجه السلطات الإسرائيلية صعوبات متزايدة في فرض قبضتها الرقابية التقليدية على المشهد الإعلامي. فالرقيب العسكري، الذي كان يهيمن لعقود على ما يُنشر في الصحف والشاشات، يجد نفسه الآن في سباق مع الزمن، إذ باتت المعلومة تنتقل بلمح البصر من كاميرا هاتف إلى ملايين المتابعين، دون المرور بأي "فلتر" مؤسسي أو موافقة أمنية.

لم تعد السلطة قادرة على تطويق تدفّق المعلومات كما في السابق، فالأفراد باتوا صحافيين محتملين، ينشرون الشهادات والمشاهد الميدانية لحظة وقوعها، وغالباً من داخل المناطق الحساسة أو المحظورة إعلامياً. كما أن القدرة على حذف أو حظر المحتوى باتت محدودة، في ظل انتشار المنصات البديلة، والقدرة على استخدام أدوات التخفي، وكسر الجدران الإلكترونية.

ورغم لجوء إسرائيل إلى الضغط على شركات التكنولوجيا لحذف محتويات أو إغلاق حسابات ترى فيها تهديداً أمنياً، فإن هذه الجهود تصطدم بجدران قانونية وأخلاقية وسياسية، خصوصا في البيئة الدولية، ما يُضعف من فاعلية الرقابة الرسمية ويكشف عجز الدولة عن مواكبة دينامية الإعلام الرقمي غير المركزي.

في هذا السياق، تصبح الرقابة الإسرائيلية أشبه بمحاولة الإمساك بالماء بين الأصابع: كلما شدّت قبضتها على الإعلام التقليدي، تسرّبت الحقيقة من نوافذ الأفراد ومنصاتهم، كأصوات لا يمكن خنقها بالكامل.

اقرأ أيضاً: "972+": "إسرائيل" تسجّل أرقاماً قياسية في الرقابة على وسائل الإعلام

"إسرائيل" تشن عدواناً على الجمهورية الإسلامية في إيران فجر الجمعة 13 حزيران/يونيو يستهدف منشآت نووية وقادة عسكريين، إيران ترد بإطلاق مئات المسيرات والصواريخ التي تستهدف مطارات الاحتلال ومنشآته العسكرية.

اخترنا لك