التعاون الهندي الأفريقي.. الشراكة الاستراتيجية الهندية المغربية نموذجاً

المصالح الحيوية الهندية في أفريقيا تجعلها حريصة على تنمية العلاقات مع القارة الأفريقية لتأمين حاجياتها من النفط والألماس والحديد، والتربة النادرة والفوسفات. وكذا السعي لاستثمار الحجم الكبير للسوق الأفريقية في تصريف منتجاتها المدنية والعسكرية.

  • التعاون الهندي الأفريقي.. الشراكة الاستراتيجية الهندية المغربية نموذجاً
    التعاون الهندي الأفريقي.. الشراكة الاستراتيجية الهندية المغربية نموذجاً

تعتبر الهند من القوى الصاعدة عالمياً، حيث تحتلّ خامس أكبر اقتصاد في العالم منذ 2019. وقد بلغ معدل نمو متوسط الناتج القومي طوال العقدين الماضيين 5.8%. وبحسب بعض التوقّعات فإنّ اقتصاد الهند سيتفوّق على اقتصاد الولايات المتحدة بحلول عام 2034. وبالرغم من تراجع الاقتصاد الهندي مع وباء كورونا (4.2% عام 2019، إلى 1.9% في عام 2020)، كانت الهند إلى جانب الصين القوى الوحيدة التي أنهت عام 2020 بمعدل نمو إيجابي. كما أنّ الهند قوة نووية منذ عام 1998 وتمتلك ثالث أكبر جيش في العالم.

حزام وطريق هندي

ولأنّ معظم واردات الهند من النفط مصدرها الدول العربية وأفريقيا، وأغلب حاجياتها من المواد الخام تأتي من أفريقيا، فإنّ الهند لا تخفي قلقها من تزايد النفوذ الصيني في أفريقيا وآسيا ومنطقة المحيط الهندي والمحيط الهادئ، ما دفعها إلى تبنّي مجموعة من المبادرات لتحسين وزنها الجيوسياسي والجيواقتصادي ومنع تطويقها وتحجيم دورها من طرف الصين الدولة المنافسة لها حاضراً ومستقبلاً. من هذه المبادرات:

1. الانضمام إلى مجموعة "الرباعية" (Quad) التي تضمّ أيضاً أستراليا واليابان والولايات المتحدة، والتي أكدت منذ تأسيسها عام 2004 التزامها برؤية استراتيجية مشتركة لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ. 

2. اعتمدت مبادرة "قلادة الماس" Necklace of Diamonds منذ عام 2011 التي تحاكي إلى حدّ ما مبادرة "خيط اللؤلؤ" String of Pearls الصينية. وتشمل قلادة الماس الهندية موانئ في الهند وقاعدة شانغي البحرية في سنغافورة وميناء سابانغ في إندونيسيا وجزيرة أسومبتيون في سيشيل وميناء الدقم في عمان وميناء تشابهار في إيران. 

3. تعزيز علاقاتها مع رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) وتوقيعها اتفاقيات تعاون ثنائية مع فيتنام واليابان ومنغوليا. 

4. تطوير ممرَّي أرض-بحريين، هما: 

- الكوريدور الذي يربط ميناء مومباي الهندي بميناء تشابهار الإيراني عند مدخل مضيق هرمز والمتميّز بمياهه العميقة والذي شُرع في تشييده بناءً على اتفاق بين الهند وإيران عام 2015. ومن تشاهبار ستُربط الهند عبر شبكة طرق وسكك حديدية في الأراضي الإيرانية بأفغانستان وبممرّ النقل الدولي بين الشمال والجنوب The International North–South Transport Corridor (INSTC) مما سيمكّن من نقل البضائع بين الهند وإيران وأذربيجان وروسيا وآسيا الوسطى وأوروبا. 

- الكوريدور الهندي الإماراتي السعودي الإسرائيلي وسيربط الموانئ الهندية بميناء دبي ومنه عبر شبكة طرق إلى السعودية فميناء "إيلات" (أم الرشراش) الإسرائيلي ليُربَطُ بقناة بن غريون نحو عسقلان. هذا الممرّ الأرض بحري الذي قدّمه نتنياهو كثمرة من ثمار التطبيع قد يمتدّ إلى غرب المتوسط ومن المحتمل أن يصبح ميناء طنجة المتوسطي جزءاً من هذا الكوريدور.

الشراكة الهندية الأفريقية 

إذا كان للصين سياسة أفريقية بأفق استراتيجي ودأبت منذ عام 2000 على تنظيم منتدى التعاون الصيني الأفريقي (Focac) كلّ 3 سنوات مرة في الصين ومرة في أفريقيا (نظّم حتى الآن 9 منتديات). فإنّ للهند استراتيجيتها تجاه أفريقيا اعتمدت مسارين متكاملين:

المسار الأول عبر منتدى الهند – أفريقيا 

إنّ المصالح الحيوية الهندية في أفريقيا تجعلها حريصة على تنمية العلاقات مع القارة الأفريقية لتأمين حاجياتها من النفط الذي تستورد كميات معتبرة منه من جنوب السودان ونيجيريا، والألماس والحديد، والتربة النادرة والفوسفات. وكذا السعي لاستثمار الحجم الكبير للسوق الأفريقية في تصريف منتجاتها المدنية والعسكرية.

الإدراك المتزايد للهند بأهمية الاستثمار في أفريقيا، دفعها للدخول إلى القارة السمراء عبر المساعدات والقروض، والتجارة، والاستثمار في القطاعات الاستراتيجية للاقتصاديات الأفريقية. ولتفعيل سياستها الأفريقية لجأت الهند إلى تنظيم ثلاث قمم هندية أفريقية؛ الأولى في نيوديلهي عام 2008 والثانية في أديس أبابا 2011 وآخرها كان في تشرين الأول/أكتوبر 2015 بالعاصمة الهندية نيودلهي، بمشاركة 54 دولة أفريقية، بالإضافة إلى الهند، تحت شعار: "شركاء في التنمية: من أجل أجندة تنمية فعّالة ومهيكلة". خلال هذه القمة صدرت "وثيقة منتدى نيودلهي"، التي رسمت خارطة طريق لما يجب أن تكون عليه طبيعة ثمّ أشكال التعاون بين الهند وأفريقيا على الأمدين المتوسط والبعيد في مجالات حيوية: الزراعة والأمن الغذائي ومعالجة آثار الجفاف والتصحّر وتطوير برامج التنمية البشرية خاصة في المجال التعليمي والأكاديمي، ودعم مشروعات البنية التحتية خاصة شبكة الطرق والمواصلات وتحسين الاتصالات عبر الإنترنت والتعاون في المجال العسكري والأمني حيث تشارك الهند في قوات حفظ السلام في العديد من الدول الأفريقية وتعمل على تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة. 

 وقد شرعت الهند في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا في موريشيوس ستستخدم لطائرات الاستطلاع وفي الحرب المضادة للغوّاصات، وتوفّر نقطة مراقبة استراتيجية لطرق الشحن حول الجنوب الأفريقي، وتدعم الدوريات البحرية في قناة موزمبيق. في السنوات الأخيرة.

نفّذت البحرية الهندية التدريبات الثنائية ومتعدّدة الأطراف مع الدول الأفريقية وأجرت أوّل مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في تشرين الأول/أكتوبر 2022.

وتجدر الإشارة أنّ الهند لا تقتصر في شراكتها وتعاونها مع أفريقيا على إمكانيات الدولة المركزية فقط بل يساهم أيضاً القطاع الخاص الهندي في قطاعات الاتصالات والسيارات وصناعات الأدوية.

لكن منذ عقد من الزمن لم ينعقد أيّ منتدى هندي - أفريقي، وهذا راجع بالأساس لتأثير الأزمات الاقتصادية التي عرفها العالم منذ 2008 واستفحلت مع جائحة كوفيد-19 على الهند وللصراعات بين الدول الأفريقية وغياب استراتيجية أفريقية موحّدة لمنظّمة الاتحاد الأفريقي. إذ يبدو أنّ لكلّ بلد أفريقي حسابه الخاص، وهو ما دفع الهند إلى إعطاء أهمية أكبر لاتفاقيات الشراكة والتعاون الثنائية.

المسار الثاني عبر اتفاقات ثنائية: اتفاقية الشراكة الاستراتيجية المغربية – الهندية نموذجاً

شهدت العلاقات بين الهند والمغرب تطوّراً ملموساً منذ شباط/فبراير 2000، بعدما سحبت الهند اعترافها بـ"الجمهورية الصحراوية" عقب زيارة رئيس الوزراء المغربي، عبد الرحمن اليوسفي، للهند. كما كان للزيارتين اللتين قام بهما الملك محمد السادس للهند في شباط/فبراير 2001 وتشرين الأول/أكتوبر 2015 أثر ملموس في تطوّر هذه العلاقة حيث اتفق مع رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، على إقامة شراكة استراتيجية متعدّدة الأبعاد بين البلدين.

استهدف المغرب من خلال هذه الشراكة تدعيم التعاون جنوب - جنوب والتخفيف من هيمنة الاقتصاد الغربي على الاقتصاد المغربي، وتعزيز مكانـته كفاعل رئيس في المنطقة الأفريقية والمتوسطية، وتحقيق الأمن الغذائي من خلال استيراد القمح الهندي كبديل للأوكراني، والتعاون في مجالات الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر، مع الاستفادة من التقنيات والاستثمارات الهندية في هذا الصدد، والاستفادة من الثورة التكنولوجية والصناعية الهندية في مجالات الذكاء الاصطناعي والمعلومات والصناعات الفضائية، ومحاربة آثار التحوّلات المناخية، واكتساب التكنولوجيا النووية السلمية لإنتاج الطاقة وتحلية ماء البحر. كما يأمل المغرب بأن تؤدّي الهند دوراً داعماً لانضمامه إلى مجموعة البريكس في حالة إقدامه على طلب ذلك، وأن تؤدّي دوراً إيجابياً في تعزيز التقارب بين المغرب ودول البريكس.

أما الهند، فترى أنّ الشراكة مع المغرب ستكون مفيدة لها بفضل موقع المغرب الاستراتيجي كبوابة نحو أوروبا وأفريقيا والعالم العربي والإسلامي. وقد شجّع الاستقرار السياسي النسبي في المغرب والتقدّم الذي أحرزه لتحسين مناخ الأعمال، المستثمرين الهنود، على الاستثمار في المغرب.

في هذا الإطار، شهدت الفترة بين 2013 و2019 ضخّ استثمارات هندية بقيمة 988 مليون دولار في مشروعات اقتصادية شملت صناعة السيارات وصناعة البلاستيك والمواد الكيميائية والبرمجيات.

يومي 19 و20 نيسان/أبريل 2017 انعقد في الدار البيضاء منتدى الأعمال المغربي - الهندي بمشاركة ممثّلي 50 شركة مقاولات هندية كبرى وعدد من الشركات المغربية، حيث نظّمت زيارات لمواقع صناعية مغربية لفائدة الفاعلين الاقتصاديين الهنود. 

كما انعقدت اللجنة المشتركة المغربية - الهندية يومي 25 و26 أيار/مايو 2017، تمّ خلالها بحث سبل تعزيز المبادلات التجارية وتوسيعها لتشمل قطاعات جديدة، علاوة على القطاعات التقليدية للتعاون الثنائي. ومن أبرز القطاعات التي تشهد نمواً في العلاقات التجارية بين البلدين قطاع الفوسفات ومشتقاته إذ تُعدّ الهند من أكبر مستوردي الأسمدة الفوسفاتية. 

بالمقابل، يستورد المغرب من الهند مجموعة من المنتجات كالمعدّات الطبية والأدوية، حيث تعتبر الهند أحد أكبر مورّدي الأدوية للمغرب. ووفقاً لإحصائيات عام 2023، بلغت صادرات المغرب إلى الهند نحو 2.1 مليار دولار، فيما استورد المغرب من الهند ما قيمته 1.4 مليار دولار.

الشراكة والتعاون الأمني والعسكري بين الهند والمغرب

شهدت العلاقات الدفاعية بين الهند والمغرب تطوّراً ملموساً، ينسجم ومساعي المغرب في تنويع مصادر تسليحه وتعزيز قدراته الدفاعية من خلال الاستفادة من الخبرات والتكنولوجيا الهندية في مجالات الأنظمة الجوية والدفاعات الصاروخية وتكنولوجيا الحرب الرقمية والأنظمة الذاتية، وسيفتح ذلك أمامه فرصاً لإنتاج أسلحة متطوّرة مثل الطائرات من دون طيار والروبوتات العسكرية، وبالنتيجة سيوسّع قدراته في تصدير العتاد العسكري إلى دول أفريقية وعربية، ويعزّز دوره في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، ويفتح له فرصة ليصبح مركزاً إقليمياً في مجال التصنيع العسكري. 

سيسمح التعاون العسكري بين الهند والمغرب بزيادة مكاسب الشركات الهندية المصنّعة للأسلحة والمعدات العسكرية، وسيمكّن الهند من الانطلاق من السوق المغربية إلى الأسواق الأفريقية، وتعوّل الهند على ذلك تعويلاً كبيراً.

في أيلول/سبتمبر عام 2018، وقّعت وزارة الدفاع المغربية مذكّرة تفاهم مع وزارة الدفاع الهندية، رفعت العلاقة بين الهند والمغرب إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، وشملت مجالات التعاون في مكافحة الإرهاب، والأمن السيبراني.

وفي عام 2020، تمّ التوقيع على مذكّرة تفاهم لنقل الخبرات العسكرية، وتطوير العلاقات في مجال الدفاع بين الرباط ونيودلهي. وفي إطار هذه الشراكة حصل المغرب في تموز/يوليو 2022 على شاحنات نقل تكتيكية من طراز "TATA LPTA 2038" من الهند.

لتعزيز التعاون العسكري بين البلدين في مجال الصناعات الدفاعية، عقدت في الرباط يوم 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، الدورة الخامسة للمشاورات السياسية المغربية-الهندية وقد أثمر هذا التعاون عن توقيع اتفاقية بين المغرب وشركة تاتا للأنظمة المتقدّمة المحدودة (TASL) الهندية لإنتاج عربات قتالية برية متطوّرة WhAP 8×8 في المغرب. كما أجرى البلدان مناورات بين القوات البحرية المغربية والهندية في تموز/يوليو 2022، قبالة سواحل الدار البيضاء، وذلك في إطار التعاون والتنسيق العسكري المشترك بين الدولتين.

وخلال كانون الثاني/يناير 2023، اتفق المغرب مع الشركة الهندية "تاتا أدفانسد سيستيمز"، على صفقة أسلحة يحصل من خلالها على 92 من شاحنات النقل العسكري التكتيكي من طراز "LPTA–715". وجاء ذلك في إثر اتفاق المغرب مع شركة "بهارال" للإلكترونيات المحدودة "BEL" الهندية لتقديم تقنيات وتركيب رادارات للمراقبة والتحكّم عالية الأداء في جميع المطارات المغربية.

كما تمّ إرساء أسس التعاون بين المنظّمة الهندية للبحث الفضائي والمركز الملكي للاستشعار البعدي الفضائي والمركز الملكي للدراسات والأبحاث الفضائية التابع لإدارة الدفاع الوطني المغربي.

خلاصة

بالرغم ممّا يثيره التقارب الهندي - الإسرائيلي من توجّس وشكوك لدى بعض الدول العربية والإسلامية، فإنّ التجربة الهندية جديرة بالاهتمام والفهم. فالهند التي تتسابق عليها الدول الأفريقية اليوم طمعاً في مساعداتها ولجلب استثماراتها ورؤوس أموالها قد تركها الاستعمار البريطاني خراباً. 

لدى الهند أكثر من مليار وأربعمئة مليون نسمة، 800 مليون منهم مستواهم الاجتماعي يتأرجح بين الفقر والهشاشة وتستشري فيها الطبقية وفيها العشرات من الأديان والمذاهب والمئات من القوميات، كلّ بلغته وتقاليده. ومع ذلك تسير بخطى ثابتة نحو التقدّم والازدهار.

إن السرّ في نجاح التجربة الهندية كلمة دالة للمهاتما غاندي: "نحن لا نأكل إلا ما نزرع ولا نلبس إلا ما نحيك". وبالتأكيد هناك فرق بين إعداد شعب من المتسوّلين وإعداد شعب مبدع منتج. وهناك فرق بين حكومات تمتلك مشاريع مجتمعية نهضوية، وحكومات تفتقد هكذا مشاريع وتعتمد الالتقاطية والتجريبية والاتكال على ما سيجود به الآخر من مساعدات أو سيمنحه من ديون بشروط مجحفة.

في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي حينما كان البنك الدولي يفرض سياسات التقويم الهيكلي على الدول الغارقة في المديونية، طلبت الهند من البنك الدولي قرضاً بقيمة 50 مليار دولار، لكنه اشترط عليها وضع احتياطها من الذهب كضمانة عند شركة لويدز للتأمين في لندن. رفضت الهند هذا الشرط المهين واقترضت فقط 5 مليارات دولار خصصتها لتطوير مؤسساتها التعليمية وتطوير البحث العلمي فيها (علوم الكمبيوتر بالأخص) كما أعادت هيكلة القطاع الزراعي واستثمرت في تطوير البحث العلمي في هذا المجال.

بعد خمس سنوات حقّقت الهند الاكتفاء الذاتي في الحبوب بل أصبحت من الدول المصدّرة لها، كما فاق عدد المهندسين في علوم الكمبيوتر أقرانهم في أميركا.