أسطول عالمي يواجه الحصار والصمت الدولي

أسطول "الصمود العالمي"الذي يضم نواباً وشخصيات بارزة يتّجه في رحلة استثنائية نحو قطاع غزة لكسر الحصار الإسرائيلي في رسالة واضحة عن استمرار التضامن الشعبي الدولي مع الشعب الفلسطيني.

  • نشطاء يلوحون بالأعلام الفلسطينية قبل انطلاق أسطول الحرية الهادف إلى كسر الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، في برشلونة، في 31 آب/أغسطس 2025 (أ ف ب)
    نشطاء يلوحون بالأعلام الفلسطينية قبل انطلاق الأسطول نحو قطاع غزة، في برشلونة، في 31 آب/أغسطس 2025 (أ ف ب)

في عرض البحر المتوسط، حيث يلتقي الأفق بالماء، يبحر اليوم "أسطول الصمود العالمي" من برشلونة في رحلة استثنائية تحمل أكثر من مجرد سفن ومساعدات. على متنه متطوعون من أكثر من ثلاثين دولة، بينهم أطباء ونشطاء حقوق إنسان وشخصيات عامة، يحملون رسالة صمود الفلسطينيين، ويرسلون للعالم تحذيراً صامتاً: الألم لا يُحتمل إلا إذا تحركت الإرادة الإنسانية. وبالتالي، فإن هذا الأسطول ليس مجرد رحلة بحرية، بل صرخة مدنية وإنسانية في وجه الحصار الذي يفرضه الاحتلال على غزة منذ أكثر من 17 عاماً.

كل موجة تضرب السفن، وكل نظرة نحو الأفق المفتوح، تحمل في طياتها رمزية صمود المدنيين الذين يكافحون من أجل أبسط حقوق الحياة: الأطفال الذين يحلمون بالتعليم، المرضى الذين يبحثون عن الدواء، والعائلات التي تكافح لتأمين لقمة العيش. ومع كل خطوة على متن الأسطول، يلتقي العمل الإنساني مع الوعي السياسي، لتصبح السفن منصات للضغط الدولي على صانعي القرار، لتذكير العالم بأن الحصار ليس مجرد إجراء أمني، بل عقاب جماعي يُفرض على المدنيين.

امتداد تاريخي ورمز للتضامن

يضم الأسطول "اتحاد أسطول الحرية"، و"حركة غزة العالمية"، و"قافلة الصمود"، ومنظمة "صمود نوسانتارا" الماليزية، بمشاركة نواب وشخصيات بارزة مثل رئيسة بلدية برشلونة السابقة آدا كولاو والنائبة البرتغالية ماريانا مورتاغوا.

وتأتي هذه المبادرة بعد محاولات متواصلة منذ سفينة "مافي مرمرة" عام 2010، مرورًا بمبادرات لاحقة، وصولًا إلى موجات 2025 من سفن الضمير مثل "مادلين" و"حنظلة"، لتحمل بذلك هذه الرحلة بعداً تاريخياً ورمزياً يربط الماضي بالحاضر.

وهكذا، يتحول الأسطول إلى رسالة واضحة عن استمرار التضامن الشعبي الدولي مع الشعب الفلسطيني.

غريتا تونبرغ: صوت الضمير العالمي

قبيل الإبحار، أكّدت غريتا تونبرغ، المتحدّثة الرسمية باسم الأسطول، أن الهدف هو تأسيس حركة تضامن عالمية مع الفلسطينيين، مشيرة إلى أن آلاف الأشخاص انضموا لدعم كسر الحصار.

وفي السياق نفسه، شدّدت اللجنة التوجيهية على أن أي اعتداء محتمل على الأسطول سيكون جريمة حرب وفق القانون الدولي، مؤكّدة أن الرحلة امتداد لمسيرة كسر الحصار السلمي منذ 2010، مع مساءلة المجتمع الدولي عن مسؤولياته تجاه المدنيين.

تونس: محطة رمزية وأبعاد إنسانية عميقة

تونس ليست مجرد محطة توقف على خريطة الأسطول؛ بل هي رمز للتلاحم بين الشعب الفلسطيني والشعوب الداعمة، ومنصة حية للتعبير عن التضامن الشعبي. فمنذ القصف الإسرائيلي لمركز منظمة التحرير عام 1985، مروراً بدورها في استقبال ودعم اللاجئين الفلسطينيين، حافظت تونس على مكانتها كحاضنة للحقوق الإنسانية والسياسية، لتصبح حلقة وصل بين التضامن المحلي والتحرك العالمي.

وفي هذا السياق، ستستقبل تونس الأسطول في الرابع من أيلول/سبتمبر بمشاركة المئات من الشباب والمتطوعين، كما ستنظم فعاليات مدنية تضامنية في العاصمة، تعكس وعي المجتمع بالقضية الفلسطينية وحجم التلاحم الشعبي. وبفضل حضور الشباب وتجهيز اللوجستيات ومشاركة المنظمات المدنية، تصبح التجربة نموذجاً حياً يربط التضامن المحلي بالتحرك الدولي، ويؤكد أن تونس تبقى نقطة التقاء بين إرادة الإنسانية وصرخة الحرية.

البحر رمز المقاومة

يبحر الأسطول في مواجهة القيود والحدود، حيث يتحوّل البحر من مساحة تقييد إلى منصة تضامن عالمي. ويؤكد المتطوعون أن حرية الملاحة وحق المدنيين في الحياة الكريمة لا يمكن أن تُسلب، وأن الإرادة الإنسانية قادرة على مواجهة قوة الاحتلال بالوعي والصمود.

علاوة على ذلك، شارك آلاف المتطوعين في تجهيز السفن وتدريب الفرق على الظروف الصعبة، لتضمن كل خطوة أماناً وفعالية، وتعكس التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني.

البعد الإنساني: وجوه تحكي قصص الألم والأمل

لا يمكن فهم قيمة هذه المبادرة دون النظر إلى البعد الإنساني العميق. المئات من الوجوه على متن الأسطول، سواء فلسطينيين أو متطوعين، يروون قصصاً تتجاوز الأرقام والإحصاءات: الأطفال الذين يبحثون عن دواء أو طعام، النساء اللواتي يحاولن الحفاظ على كرامة أسرهن، ورجال يناضلون من أجل حياة كريمة.

وفي هذا الإطار، تشير د. هنادي دويكات، عميدة الإعلام الحديث، إلى أن أنسنة التغطيات الصحفية تحول الأحداث من أرقام جامدة إلى قصص حية تحمل الألم والأمل معاً، وتضع ضمير المجتمع الدولي أمام مسؤولياته الإنسانية والسياسية. وبذلك، يصبح كل تصوير أو مقابلة جسراً يصل المتلقي بحقيقة المعاناة، ويحوّل التضامن إلى فعل ملموس.

التضامن الشعبي: القوة الحقيقية للتغيير

مسيرات التضامن في مدن عربية وأوروبية، إضافة إلى حملات التوعية، تعكس قدرة الضغط الشعبي على تحريك الوعي الدولي. والأسطول ليس مجرد سفن؛ بل إنه رمز لقدرة المواطن على تحريك الضمير العالمي وخلق تأثير ملموس رغم تعقيدات السياسة الدولية.

وبينما يشكل الشباب والناشطون المدنيون شبكة دعم عالمية تربط الأحداث المحلية بالمعاناة الإنسانية، يؤكدون أن حقوق الإنسان لا يمكن التفاوض عليها أو تجاهلها. ويمكن القول إن المبادرة تثبت أن التضامن الشعبي يمكن أن يكون أداة ضغط أخلاقي وعملي، تتجاوز القيود السياسية والدبلوماسية التقليدية، وتعيد تعريف العلاقة بين المواطن والقضية الإنسانية الكبرى.

الإنسانية فوق كل الحدود

"أسطول الصمود" أكثر من رحلة بحرية؛ إنه تجربة إنسانية وصحفية وسياسية متكاملة تجمع بين العمل المدني والتضامن الشعبي والوعي الدولي، لتؤكد أن حقوق الإنسان لا يمكن حصرها بالحدود الجغرافية أو القيود السياسية. البحر منصة للكرامة، والأسطول يحمل رسالة واضحة: لا أحد يستطيع كتم صوت الإنسانية حين تتحد.

وبكل خطوة على متن السفن، وبكل مشاركة من متطوع، وبكل تضامن شعبي حول العالم، تكتب قصة مقاومة سلمية مستمرة، وتؤكد أن الإرادة الإنسانية قادرة على تحويل المعاناة إلى أمل، والحصار إلى صوت لا يُنسى في وعي المجتمع الدولي.

اقرأ أيضاً: أسطول الصمود العالمي ينطلق من إسبانيا نحو غزة متحدياً الحصار الإسرائيلي

اخترنا لك