"السناب باك" إلى الأرشيف.. إيران وروسيا والصين يقلبون الصفحة
رسالة إيران وروسيا والصين المشتركة إلى مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي، لم تكن مجرد رسالة دبلوماسية بل تمثّل إعلان موقف تاريخي يشكل واقعاً جديداً في السياسة الدولية.
-
"السناب باك" إلى الأرشيف.. إيران وروسيا والصين يقلبون الصفحة
في لحظة بدت وكأنها فصل جديد في تاريخ المواجهة مع الغرب،خرجت طهران ومعها موسكو وبكين بموقف مشترك حمل رسالة واضحة إلى مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي.
لم تكن الرسالة مجرد بيان دبلوماسي، بل إعلاناً هادئاً عن انتهاء مرحلة وبداية أخرى، عن نهاية زمن القيود وبداية زمن القرار المستقل. فالثلاثي وضع النقاط على الحروف معلناً أن ما يسمّى بآلية "السناب باك" للعقوبات لم تعد أكثر من حبر على ورق .
لم تكن الرسالة مجرد اعتراض دبلوماسي، بل إعلاناً رمزياً بانتهاء عصر الاتفاق النووي، ودخول المنطقة في زمن ما بعد القرار 2231.
من وجهة نظر طهران، كل ما استند إليه الغرب في فرض قيود المراقبة والتحقق أصبح بلا قيمة قانونية ولا أخلاقية. عشر سنوات من الالتزامات والتنازلات انتهت في الثامن عشر من تشرين الأول/أكتوبر 2025، ومعها انتهت مهمة الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مراقبة البرنامج النووي الإيراني وفق بنود الاتفاق. وعليه، فإن أي خطوة من الآن وصاعداً ستكون على طاولة المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني للنقاش بشأنها.
إذ لن تكون الكاميرات ولا التقارير الدورية ولا جلسات مجلس المحافظين سوى تفاصيل من زمن مضى.
في مضمونها العميق، تحمل الرسالة دلالات تتجاوز السجال النووي إلى مشهد أوسع حيث تسعى طهران ومعها موسكو وبكين إلى إعادة رسم قواعد اللعبة الدولية. الثلاثي أراد أن يقول بوضوح إن "زمن الامتثال الأحادي قد انتهى".
هذه ليست مجرد وثيقة احتجاج بل إشارة إلى ولادة عهد جديد يتحدث بلغة القانون الدولي ذاتها، لكن من موقع مختلف تماماً هو موقع الندية والتحدي.
ورغم حدة المضمون، حافظت الرسالة على نغمة دبلوماسية محسوبة، إذ شددت على ضرورة الحوار والاحترام المتبادل، وعلى رفض العقوبات الأحادية والتهديد باستخدام القوة.
يُعدّ ذلك صيغة ذكية تجمع بين التصلب القانوني والمرونة السياسية، وتمنح طهران مساحة للمناورة في مرحلة دقيقة إقليمياً ودولياً فهي تقول للغرب لن نخضع بعد اليوم، لكنها تترك الباب موارباً لأي تفاهم جديد بشروطٍ مختلفة وواقعٍ جديد.
الرسالة بهذا المعنى ليست نهاية ملف بل بداية سردية جديدة، فهي تؤشر إلى تراجع القبضة الغربية على مفاصل الملف النووي، وإلى دخول إيران مرحلة السيادة النووية الكاملة بعد عقد من الرقابة والقيود.
في المقابل، فإنها تنذر بمرحلة توتر مقبل بين طهران والوكالة الذرية، وربما بردود أفعال غربية. غير أن المشهد الأوسع يوحي بأن ميزان القوى تغير فعلاً، وأن العالم لم يعد يتحدث بلسان واحد، بل بأصوات متعددة تتقاطع وتتصادم على أرض اسمها النظام الدولي الجديد.
وأخيراً، ما أرسلته إيران وروسيا والصين إلى غروسي لم يكن مجرد رسالة دبلوماسية بل إعلان موقف تاريخي يشكل واقعاً جديداً في السياسة الدولية، إذ لم تعد طهران تنتظر موافقة أحد لتحدد حدودها النووية أو السياسية. إنها تقول بصوت ثابت وواثق، انتهى زمن الوصاية، وبدأ زمن القرار المستقل في عالم لم يعد يحتمل أحادية القوة ولا ازدواجية المعايير.