الحرب على إيران - الرهان الخائب.. هل انكسرت "مطرقة منتصف الليل"؟

في حرب الـ 12 يوماً على إيران، وبعد أن بدا جلياً أنّ "إسرائيل" غير قادرة على الحسم، تدخّلت الولايات المتحدة مباشرة واعتدت على المنشآت النووية، فهل نجحت في تحقيق أهدافها؟

  • الحرب على إيران - الرهان الخائب..  هل انكسرت
    الحرب على إيران - الرهان الخائب.. هل انكسرت "مطرقة منتصف الليل"؟

ليلة الثاني والعشرين من حزيران/يونيو 2025 كانت مختلفة. فعلى الرغم من أنّ واشنطن كانت شريكة في الحرب على إيران منذ اليوم الأول؛ إلا أنها خلعت القفازات، واعتدت مباشرة ومن دون تورية على المنشآت النووية الإيرانية. فهل نجحت في تحقيق هدفها المعلن، المتمثّل في تدمير البرنامج النووي الإيراني؟

يجيب كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقاً؛ يسري أبو شادي عن السؤال بالقول: "لا، وأستطيع القول بالقطع لا، وكلّ تصريحات ترامب، بصورة خاصة، وإسرائيل، بشأن تدمير البرنامج النووي الإيراني كلام سطحي للغاية. سأفترض جدلاً أنّ المنشآت كلّها دُمّرَت، لكن إيران أنتجت أكثر من 23 ألف وحدة تخصيب في الفترة الماضية وطوّرت الصناعة بحيث أنها ليست بحاجة لهذه الأرقام الكبيرة لـ IR1 أي النوع الأول الضعيف، اليوم إيران تنتج IR6 وIR8 وهو عشرة أضعاف وأكثر ربّما من قدرة تخصيب النوع الأول. إذاً إيران ليست بحاجة لهذه لأعداد الضخمة من وحدات التخصيب أصلاً. كما أنّ العقلية الإيرانية ما زالت موجودة، واغتيال العلماء النوويين لن يوقف البرنامج، فإيران لديها مئات العلماء وآلاف المهندسين والفنيين، وعشرات المصانع".

وفي التعليق على حجم الأضرار التي لحقت بالبرنامج النووي الإيراني، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران، فؤاد يزدي: "يمكن الحصول على الإجابة بشكل دقيق فقط من المؤسسات الحكومية المعنية في إيران، والمؤسسات التي تتمتع بإمكانية الوصول إلى هذه المواقع وتستطيع تقييم الضرر، لكن يبدو أنّ المسؤولين في إيران خلصوا إلى نتيجة مفادها أنه لا ينبغي تقديم معلومات دقيقة حول هذا الأمر، والسبب أنه في حال كانت المعلومات دقيقة، فإنها ستساعد الطرف الآخر في أيّ هجمات أخرى؛ فإذا ما قالوا مثلاً إنّ المواقع النووية لم تتضرّر بشكل جدّي قد يستغلّ الأميركيون والإسرائيليون ذلك للهجوم مجدّداً، وإذا ما قالوا إنّ المواقع النووية قد دمّرت بالكامل، تكون إيران قد خسرت هذه الورقة التي لديها في المجال النووي، لأنّ هذه الورقة يستفيد منها الطرف الإيراني في المفاوضات كورقة قوة، وفي حال أعلن المسؤولون الإيرانيون أنه لم يعد لدى إيران ورقة القوة هذه، فلن يكون هناك أيّ مغزى من خوض المفاوضات مع الطرف المقابل. من هنا، يبدو أنّ المسؤولين الإيرانيين يتبنّون سياسة الغموض، وذكروا أنّ المواقع النووية قد تعرّضت لضرر بالغ. طبعاً هذه حقيقة لا يمكن إنكارها فقد جاءت الطائرات وقصفت المواقع واستُخدمت أدوات تدميرية أخرى".

في السياق نفسه، يعلّق أبو شادي على حجم الأضرار: "فوردو كانت القصة الأخيرة للأميركيين، والإعلام الأميركي يركّز عليها بشكل كبير؛ لأنها كانت موجودة تحت الأرض بمئة متر في جبل صخري شديد الصلابة. يُنتَج يورانيوم عالي التخصيب فيها، وهو ما كان يُقلق الغرب دائماً، لكن ليست فوردو المكان الوحيد الذي ينتج اليورانيوم عالي التخصيب، نطنز أيضاً تنتجه. هل ترك الإيرانيون هذه المواد تحت هذا العمق؟ أنا أشكّ في هذا.

أعتقد أنّ الذي دُمّر والذي أفرح الأميركيين جداً هو الممرات والفتحات المؤدّية لغرف التخصيب تحت الأرض، لكن أنا أشكّ أنّ هذه الضربات الرأسية يمكن أن تمتد بشكل أفقي. لو نظر أحد إلى خريطة مصانع التخصيب في فوردو سيجد أنها منتشرة أفقياً تحت الأرض على بعد مئة متر، لا أعتقد أنّ القنابل وصلت بشكل أفقي إليها".

اقرأ أيضاً: الحرب على إيران - الرهان الخائب.. هل حدثت الحرب فجأةً؟

نصائح ضائعة.. واشنطن أصرّت على العدوان المباشر

بعد العدوان الإسرائيلي بيوم واحد، نصيحة جاءت في صفحات معهد "كارنيغي" لدونالد ترامب، ولسان حالها يقول: "لا تتورّط". يكتب جيمس أكتون مقالاً بعنوان "الولايات المتحدة يجب أن لا تتدخّل في الصراع بين إيران وإسرائيل"، يقول الكاتب في هذا المقال: "نتنياهو برّر الهجوم أنّ إيران أخذت خطوات غير مسبوقة خلال الشهور الماضية لتسليح برنامجها النووي، وهذا الزعم يتناقض مع تقارير مجتمع الاستخبارات الأميركي في شهر آذار/مارس 2025، الذي يقول إن إيران لا تبني قنبلة نووية، وإنّ توجيهات السيد خامنئي بعدم امتلاك قنبلة نووية ما زالت حاضرة، على الرغم من المطالبات داخل إيران بامتلاكها".

يبني الكاتب فرضيّته في ضرورة عدم التدخّل بناء على مجموعة من النقاط، ويقول: "حتى لو دمّرت فوردو، إيران قادرة على إعادة بناء برنامجها النووي.. المعرفة النووية منتشرة بشكل واسع في إيران. إمكانات الولايات المتحدة أكبر من إمكانات إسرائيل. هذا صحيح، ولكن لا يوجد سبب للاعتقاد أنها تستطيع منع إيران من سلاح نووي إلى أجل غير مسمّى".

في الاستنتاج الأخير ، يقول الكاتب: "تستطيع الولايات المتحدة أن تختار عدم الانزلاق إلى هذا الصراع. إسرائيل تحرّكت ويجب أن تواجه العواقب لوحدها".

نصيحة "كارنيغي" لم تصل إلى دونالد ترامب،  وكان العدوان الأميركي المباشر على المنشآت النووية الإيرانية، فماذا عن التوقيت والأسباب الكامنة وراء كلّ ذلك؟

يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران، فؤاد يزدي: "تاريخياً لطالما كانت هناك مقاربتان في الولايات المتحدة تجاه إيران. تقول المقاربة الأولى بأنّ الطريقة الوحيدة لتقييد البرنامج النووي تتمثّل بالمفاوضات والوصول إلى اتفاق. وكان هذا الرأي سائداً في البيت الأبيض في إدارة أوباما، حيث إنّ أوباما وكيري وكثرٌ مما كانوا يضطلعون بمسؤوليات حكومية كانوا يتبنّون هذه المقاربة. طبعاً لم يكن لدى هؤلاء المسؤولين الأميركيين نظرةً إيجابية تجاه إيران، لكنهم كانوا يعتقدون أنه ينبغي تقييد البرنامج النووي بدايةً، وحين تبدّد أميركا هواجسها تجاه هذا البرنامج، تبدأ بالتعامل مع إيران في مجالات أخرى.

أما المقاربة الثانية فتقول إنّ انتهاج الدبلوماسية أو الاتفاق مع إيران لن يصبّ في صالح الولايات المتحدة ولا "إسرائيل"، كانوا يعتقدون أنّ تقييد البرنامج النووي يتحقّق من خلال اغتيال العلماء النوويين، وتدمير المواقع النووية الإيرانية، وشنّ هجوم عسكري عليها؛ وإدارة ترامب تتبنّى هذه المقاربة ؛ فهي لم تكن مؤمنة كثيراً بالاتفاق مع إيران". 

ويتابع "في المرة السابقة التي تسلّم فيها ترامب السلطة انسحب من خطة العمل الشاملة المشتركة، واستمر هذا النهج في الإدارة الجديدة، وكانوا يعتقدون أنه ينبغي الاستمرار في الإجراءات التي اتخذت في رئاسة ترامب الأولى، أي مزيد من الضغوط والعقوبات، ويضاف إليها الحرب. لكن يبدو أنّ الهاجس الوحيد لدى ترامب؛ كان تقدير حجم التكلفة البشرية التي ستقع على عاتق الولايات المتحدة في حال شنّ هجوم عسكري، ويبدو أنّ نتنياهو استطاع جرّ ترامب إلى مربّعه عبر التسويق لفكرة أنّ الهجوم العسكري لن يستتبع تكاليف بشرية عالية على الولايات المتحدة، وأنه سيكون مكلفاً على إسرائيل فقط".

اقرأ أيضاً: الحرب على إيران والرهان الخائب.. رهان اللحظة الخاطفة

العدوان انتهك القانون الدولي

خبراء في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قالوا "إنّ هذا العدوان يناقض القانون الدولي، وقواعد النظام الدولي المقرّة منذ عام 1945 والقائمة على منع استخدام القوة العسكرية العدوانية واحترام سيادة الدول وعدم التدخّل فيها. إن القادة العسكريين والسياسيين الأميركيين أمام مساءلة بشأن جرائم دولية واعتداء.

لا حاجة للكثير من الجدل القانوني لتصنيف طبيعة العدوان؛ ولكن علاقات القوة تحكم النظام الدولي أكثر من بنود ميثاق الأمم المتحدة؛ وليس أدل على ذلك من عدم تعرّض الولايات المتحدة للمساءلة القانونية الصارمة وعدم تحرّك الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن الخطر الذي أحدثه العدوان.

في هذا السياق، يقول أبو شادي: "أنا سأستخدم كلمة قوية بعض الشيء وقد تكون جارحة، موقف الوكالة ومجلس الأمن والعالم كلّه بشأن العدوان على المنشآت النووية الإيرانية هو مهزلة كبرى؛ كما المهزلة التي تحصل في غزة والإبادة والتجويع، مهزلة لا يوجد أكبر منها مهزلة على مستوى الإنسانية كلّها. 

إيران وقّعت على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، والتي هي تحت حماية نظام الضمانات للوكالة التي تبحث عنها وتحميها".

ما الذي قاله الردّ الإيراني على قاعدة العديد؟

قاعدة العديد هي مركز العمليات الجوية المدمجة (CAOC) للقيادة الوسطى للقوات الأميركية Centcom، التي تغطي 21 دولة من شمال أفريقيا إلى غرب ووسط وجنوب آسيا.

تؤمّن القاعدة:

- مهمات السرب الجوي 379 القتالي والاستطلاعي والصيانة. 
- مهمات السرب 340 للتزوّد بالوقود.
- أنظمة رادارية متقدّمة.
تقول صحيفة "نيويورك تايمز" إنّ 8000 جندي كانوا في القاعدة أثناء فترة الحرب.

عام 2020، عندما ردّت إيران على قصف قاعدة عين الأسد، كانت المرة الأولى التي تُقصف فيها قاعدة عسكرية أميركية منذ الحرب العالمية الثانية. حدّثت إيران السجل مجدداً، بإضافة قاعدة العديد إلى القائمة.

جدل الردّ لا يختلف كثيراً عن جدل العدوان نفسه، ومجدّداً يطرح السؤال: ما هو حجم الضرر الحقيقي؟ وما هو معيار نجاح الردّ؟

يقول الكاتب والضابط السابق في سلاح البحرية الأميركي، سكوت ريتر: "أعتقد أنّ الأدلة واضحة. على الأقل صاروخ إيراني واحد، وعلى الأرجح أكثر من ذلك، تمكّن من اختراق الخطوط الدفاعية، وضرب صاروخ واحد على الأقل راداراً أميركياً باهظ الثمن. الأدلّة التصويرية مقنعة إلى حد كبير وتدلّل على ذلك، ولم نرَ جهداً من الولايات المتّحدة الأميركية لدحض هذه السردية وتقول مثلاً إنّ هذه الصور مضللة وكاذبة. وهذا يُظهر أيضاً أن الإيرانيين قادرون على الاستهداف بشكل دقيق".

وبخصوص التصريحات الأميركية عن حجم الأضرار، يقول فؤاد يزدي: "لدينا تجربة مماثلة في السابق بعد الهجوم الذي شنّته إيران على قاعدة عين الأسد في العراق بعد استشهاد الجنرال سليماني. كان ترامب رئيساً للولايات المتحدة في ذلك الوقت، وقد أدلى بتصريح صحفي بعد ساعة من الهجوم،قائلاً فيه إنّ الهجوم لم يكن جدياً ومؤثّراً، وإنّ بعض الجنود الأميركيين قد أصيبوا فقط بآلام في الرأس. ولكن، بعد عدة أشهر نال 112 جندياً ممن كانوا موجودين في قاعدة عين الأسد وسام "القلب الأرجواني"، وهو وسام معتمد في الجيش الأميركي، ويعدّ أهمّ وسام عسكري، ويمنح للجندي الذي يقتل في ساحة المعركة،أو الذي يتعرّض لإصابات بالغة. إذاً هناك محدّدات يمنح هذا الوسام لأيّ جندي على أساسها، وبحال تعرّضه للقتل يمنح الوسام لعائلته، أما بحال تعرّضه للإصابة، فيقلّد الوسامَ بعد تماثله للشفاء. بحسب التقارير الإعلامية الأميركية، مُنح 112 جندياً هذا الوسامَ بعد الهجوم الإيراني على قاعدة عين الأسد، وذلك يبيّن أنّ الأميركيين يقلّلون من شأن الضربات".

اقرأ أيضاً: الحرب على إيران – الرهان الخائب.. نسخة جديدة من الحرب

"السلام بالقوة" 

"السلام بالقوة" هو إجمالاً عنوان قديم؛ يربطه عدد من الباحثين السياسيين بـ"السلام الروماني" (باكس رومانا)، الذي استمر منذ عهد الإمبراطور أغسطس إلى الإمبراطور كارلوس أوريليوس.

المبدأ واضح ويقول إنه عندما يمتلك طرف ما قوة لا يمكن مواجهتها أو ردّها، يصبح الخيار الأنسب للطرف الآخر هو الانصياع الكامل، فيعمّ "السلام والهدوء". إذاً نحن لا نتحدّث هنا عن سلام، بقدر ما نتحدّث عن صيغة إخضاع.

الرؤساء الأميركيون استخدموا هذا التعبير في أكثر من مناسبة؛ رونالد ريغان في الثمانينيات مثلاً، اعتبر أنّ حرب النجوم والتصعيد الكبير ضدّ الاتحاد السوفياتي هو الذي سينهي الحرب الباردة.

وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، اكتسب الشعار زخماً في عدد من الأوساط، بأنّ هذا النظام العالمي الجديد فيه قطب واحد، يفعل ما يريد ويقرّر ما يريد، وبالتالي سوف يتحقّق السلام العالمي؛ لأنه لا يوجد طرف في العالم سيخوض مواجهة، وهذا ما لم يحدث.

ترامب ليس استثناء عن هذا المسار والشعار وآلية التفكير، ولكن إيران هي استثناء في استعادة الهدوء بالقوة، بمنطق مختلف يقوم على فكرة أنّ جنون الحرب لُجم ونيرانه حُدّت، فقط بسبب القدرة الإيرانية على الردّ. 

إذا كان ترامب قد فشل في نحت المصطلح بطريقته الخاصة، فقد فشل أيضاً في أن يقنع العالم أنّ العدوان الأميركي على إيران هو الذي أوقف الحرب.

في هذا السياق، يقول فؤاد يزدي: "هذا كلام ترامب، بما أنه كان يرغب أن يحظى بجائزة نوبل للسلام. ذكر عدة مرات في الأسابيع التي أعقبت الهجوم، أنه وضع حداً لـ 6 حروب، وتحدّث عن الصراع بين الهند وباكستان، والصراعات في أفريقيا ومناطق أخرى.

فيما يتعلّق بإيران، يقول إنّ الهجوم على المواقع النووية قد أوقف الحرب في نهاية المطاف. أي أنّ أميركا عندما دخلت على خط الحرب وضربت المواقع النووية، لم يعد هناك سبب لاستمرار الحرب.

الإسرائيليون هم الذين طلبوا وقف إطلاق النار، ونشير هنا إلى كلام نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، حيث قال بعد ساعات من وقف إطلاق النار إنه اتصل بأمير قطر، وذكر له أنّ الجانب الإسرائيلي يرغب بوقف إطلاق النار، فاتصل أمير قطر بدوره بالمسؤولين الإيرانيين الذين قبلوا العرض. 

عليه فإنّ "إسرائيل" هي التي طلبت وقف إطلاق النار، وترامب يدّعي أنّ وقف إطلاق النار جاء نتيجةً لهجومه على المواقع النووية، كما ذكر مرّة أنّ ما حصل في إيران يشبه ما حصل في هيروشيما وناغازاكي في اليابان".

"إسرائيل" تشن عدواناً على الجمهورية الإسلامية في إيران فجر الجمعة 13 حزيران/يونيو يستهدف منشآت نووية وقادة عسكريين، إيران ترد بإطلاق مئات المسيرات والصواريخ التي تستهدف مطارات الاحتلال ومنشآته العسكرية.

اخترنا لك