مجلة "Responsible Statecraft": هل تصبح السعودية دولة نووية؟
مفاجأة: إنّ محاولة فريق ترامب الأخيرة لتطبيع العلاقات بين السعودية و"إسرائيل" تذهب إلى أبعد من الحد، حيث تدرس الولايات المتحدة منح السعودية طاقة نووية في صفقة كبرى.
-
الأمير السعودي محمد بن سلمان والرئيس الأميركي دونالد ترامب في لقاء سابق
مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر مقالاً يتناول ما ورد في تقارير بأنّ تدرس الولايات المتحدة منح السعودية طاقة نووية في صفقة كبرى. ويحذّر كاتب المقال من الدخول في صفقة نووية وأمنية مع السعودية ضمن مسعى لتطبيع سعودي-إسرائيلي، ويرى أنّ الكلفة والمخاطر على الولايات المتحدة تفوق بكثير المكاسب المتوقعة.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:
أفادت التقارير أنّ إدارة ترامب تسعى إلى إبرام صفقة مع المملكة العربية السعودية تُمهد الطريق لتطوير صناعة طاقة نووية تجارية في المملكة، وربما تُؤدي حتى إلى تخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية.
ينبغي إلغاء مساعي الولايات المتحدة وراء هذه الصفقة، إذ ستتحمل الولايات المتحدة جميع الالتزامات والتكاليف والمخاطر المتزايدة مقابل القليل جدًا من المقابل.
في اتفاقيات التطبيع لعام 2020 وأوائل عام 2021، توسطت إدارة ترامب الأولى في اتفاقيات ثنائية بين "إسرائيل" ودول الشرق الأوسط، البحرين والإمارات العربية المتحدة والمغرب والسودان، لتطبيع العلاقات الدبلوماسية. كما حاولت الإدارة إقناع المملكة العربية السعودية بالاعتراف بـ "إسرائيل" كدولة ذات سيادة وإقامة علاقات مماثلة، من دون جدوى.
حملت إدارة بايدن زمام المبادرة في هذا الصدد، لكن أصبح من الصعب إقناع الرياض بالمشاركة بعد 7 أوكتوبر عام 2023 والحرب التي تلتها في غزة. أدى ارتفاع عدد القتلى المدنيين والأزمة الإنسانية إلى تصاعد القضية الفلسطينية، وولّد عداءً على مستوى المنطقة تجاه "إسرائيل". طالب السعوديون آنذاك "إسرائيل" باتخاذ خطواتٍ جادة نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة قبل أي تطبيع.
واستمر هذا الوضع خلال هذا العام، حيث نفت الحكومة السعودية تأكيد الرئيس دونالد ترامب أنها تخلت عن مطلبها بدولة فلسطينية مقابل تطبيع العلاقات مع "إسرائيل".
رغم فشل الجهود الرامية إلى إنهاء الحرب في غزة، يبدو أنّ إدارة ترامب الثانية تُعيد إحياء جهودها الرامية إلى التوسط في تقارب إسرائيلي سعودي، وإن كان ذلك يبدأ باتفاقية أميركية سعودية جديدة أولًا، كما ألمح وزير الطاقة الأميركي كريس رايت.
تكمن المشكلة في أنّ جميع الدول ستستفيد من هذه الصفقة الكبرى باستثناء الولايات المتحدة، التي ستتحمل جميع التكاليف. ستكون "إسرائيل" والسعودية الرابح الأكبر. لطالما رغب السعوديون بشدة في إبرام صفقة نووية. في غضون ذلك، إذا تم التطبيع في نهاية المطاف، فستُحيّد "إسرائيل" ما أصبح الآن خصماً عربياً قوياً، ومن المرجح أن تكسب حليفاً جديداً في مسعاها لمواجهة إيران (لكن من الأفضل لها الإسراع في ذلك، حيث تقترب الرياض وطهران من مستوى معين من الانفراج منذ فترة).
سعت المملكة العربية السعودية أيضاً إلى الحصول على ضمانات أمنية رسمية، والتي كانت مطروحة على الطاولة خلال إدارة بايدن، حسبما ورد. سيحل هذا محل الاتفاقية غير الرسمية طويلة الأمد بين الرئيس فرانكلين روزفلت والملك السعودي عبد العزيز بن سعود، والتي وفرت الأمن للمملكة الصحراوية مقابل حصول الولايات المتحدة على إمدادات نفطية رخيصة.
ومع ذلك، ومع دين وطني يبلغ 37 تريليون دولار، لماذا قد تتولى الولايات المتحدة رعاية دولة أخرى لا تدفع نصيبها العادل من تكاليف الأمن (وهي شكوى شائعة لترامب بشأن حلفاء الولايات المتحدة الآخرين)؟ مع التكسير الهيدروليكي، لم تعد الولايات المتحدة تعاني من نقص النفط، كما افترض روزفلت، وأصبحت من جديد أكبر منتج للنفط في العالم. إنّ إبرام اتفاقية دفاع رسمية مع المملكة العربية السعودية من شأنه أن يفرض المزيد من التكاليف، ويعزز نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، ويعرض قواتنا للخطر إذا كان من المتوقع أن تدافع واشنطن عن الرياض وتنقذها في أي نزاع عسكري مع جيرانها.
بالإضافة إلى ذلك، ما الذي قد يحدث إذا مُنحت المملكة العربية السعودية برنامجاً نووياً؟ تعثرت سابقاً محادثات اتفاق إسرائيلي سعودي عندما عارض السعوديون القيود التي كانت ستمنعهم من استخدام برنامج نووي تجاري لبناء أسلحة نووية (لمواجهة أي قدرة نووية إيرانية)، أو مساعدة دول أخرى في الحصول عليها.
الحقيقة هي أنّ السعوديين سعوا، لبعض الوقت، إلى تخصيب اليورانيوم - ربما إلى مستويات صالحة لصنع القنابل - على أراضيهم بدلاً من استيراد اليورانيوم المخصب بالفعل إلى مستوى قادر فقط على توليد الطاقة التجارية.
يصر البعض في الولايات المتحدة على أنّ السعوديين يمكنهم الحصول على التكنولوجيا النووية من دول أخرى مثل روسيا أو الصين، ولكن إذا قاوموا الضمانات التي تمنعهم من الحصول على سلاح، فلن يهم من زودهم بالتكنولوجيا التي ستسمح لهم بذلك.
لذا، ينبغي على إدارة ترامب الامتناع عن التوصل إلى أي اتفاق من هذا القبيل مع السعوديين في سعيها (الراهن) العقيم لتحقيق تقارب شامل بين "إسرائيل" والسعودية. تطبيع العلاقات بين البلدين طموحٌ عظيمٌ للمنطقة (إن لم يكن مجرد لعزل إيران وتهديدها)، لكن تلبية الولايات المتحدة للمطالب السعودية الباهظة لتحقيق ذلك ستكون باهظة الثمن.
نقلته إلى العربية: بتول دياب.