تقرير: الصراع في السودان يؤججه تغير المناخ.. والإمارات

يتناول الكاتب الحرب الدائرة في السودان بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، ويرى أنّ هذا الصراع يؤججه المناخ والإمارات، التي حافظت على تدفق الأسلحة والذخائر والأموال والوقود إلى حلفائها في"الدعم السريع".

  • تتواصل الحرب في السودان منذ منتصف نيسان/أبريل الماضي بين الجيش السوداني وقوات
    تتواصل الحرب في السودان منذ منتصف نيسان/أبريل الماضي بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"

يتحدث الكاتب، رومان ديكرت، في موقع "qantara.de" (قنطرة للحوار مع العالم الإسلامي) عن الصراع الدائر في السودان بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، منذ منتصف نيسان/أبريل الماضي، والذي أدّى إلى نزوح ما يقرب من 7 ملايين شخص. ويقول إنّ هذا الصراع يؤججه تغير المناخ والإمارات، والعسكرة التاريخية التي بدأت منذ الحقبة الاستعمارية في هذا البلد.

وفيما يلي النص منقولاً إلى العربية:

إنّ الإحصاءات المتعلقة بالأوضاع الإنسانية في السودان كارثية، لكنها لا تقدم سوى معلومات أولية عن حجم المعاناة الفعلية. ووفقاً لتقديرات الأمم المتحدة الصادرة في الشهر الجاري، بشأن اندلاع الصراع العنيف على السلطة بين القوات المسلحة السودانية وقوات "الدعم السريع"، منذ 8 أشهر، نزح ما يقرب من 7 ملايين شخص، أي أكثر من 13 في المئة من السكان.

على الرغم من كل تعقيدات الصراع، فإن هناك إجماعاً واسعاً بين الخبراء في قضايا السودان على النظرية التي طورها باحث السلام البريطاني، أليكس دي وال، الذي يقول إنّ العسكرة التاريخية لـ "المجالات السياسية" منذ الحقبة الاستعمارية هي السبب الرئيس في تصاعد العنف في السودان. وهذا أدّى بدوره إلى نظام المحسوبية والزبائنية، والذي تباع فيه الولاءات السياسية لمن يدفع سعراً أعلى، ولا يحصل على السلطة والموارد إلا أولئك الذين لديهم السلاح والجنود.

ويؤكد المحلل السوداني مجدي الجزولي سبباً جذرياً آخر للأزمة، وهو أنّ اقتصاد السودان، الذي كان منتجاً في يوم من الأيام، حولته السلطة إلى شبكة ضيقة من المستفيدين التجار، الذين استغلوا الأطراف الريفية، في سوق أعمال عسكرية، ومدمرة.

في هذا السياق، ليس أمام كثير من الشبان خيار سوى العمل لمصلحة القوات المسلحة السودانية، أو أحد الجيوش الخاصة، على غرار "المافيا النيوليبرالية"، مثل قوات "الدعم السريع"، من أجل إعالة أسرهم.

تدّعي قوات "الدعم السريع" أنها تقاتل ضد الداعمين الإسلاميين للجيش، ومن أجل المهمَّشين على الأطراف، إلا أنّ الدوافع الأيديولوجية لا تؤدي دوراً كبيراً في هذا الصراع، بقدر ما ساهمت عوامل أخرى في تفجير الأزمة، أبرزها تطور النمو السكاني وفقدان مساحات كبيرة من الأراضي الصالحة للزراعة في غربي السودان، منذ الجفاف الكبير في ثمانينيات القرن المنصرم.

مع ذلك، يحذّر الخبراء من اختزال الصراع المتصاعد باطّراد منذ ذلك الحين، في مصطلح "حرب المناخ"، لأنه قد يشير إلى تفسير أحادي السبب للصراعات، لا جدال في أنّ تغير المناخ الناجم عن العوامل العالمية والمحلية في دارفور غذّى التنافس على سبل العيش، الأمر الذي أشعل الحرب التي اجتاحت الآن البلاد بأكملها.

الذهب والمرتزقة

يتفق المحللون السودانيون بالإجماع في أنّ المحرك الرئيس الثاني للحرب، إلى جانب تغير المناخ، هو دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي الدولة التي استضافت مؤخراً مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ. وجمعت قيادات قوات "الدعم السريع" ثروات هائلة بفضل دعم أبو ظبي، وارتفاع أسعار الذهب، بعد الأزمة المالية الدولية في عام 2009، بحيث تولت قوات "الدعم السريع" السيطرة على استخراج هذا المعدن الثمين في دارفور وتهريبه إلى دبي، التي تولّت الاحتكار كمشترية له.

وفي الوقت نفسه، وسّعت قوات "الدعم السريع" أعمالها لتشمل ابتزاز الحماية والإتجار بالمخدرات والقروض الربوية وسرقة السيارات. بعد اندلاع الحرب في اليمن في عام 2014، تدفق مزيد من دولارات النفط في سبيل تجنيد الآلاف من الشبان المرتزقة لتغذية الحرب، التي تشنّها السعودية والإمارات على اليمن.

من المفارقات المريرة في التاريخ أنّ خفض تصعيد الحرب على اليمن، في أعقاب التقارب بين السعودية وإيران، هو الذي أجّج الصراع في السودان. ويقول مجدي الجزولي إنّ قوات "الدعم السريع" كانت في حاجة إلى وظائف جديدة للعائدين لتوسيع إمبراطوريتها التجارية. وكان خيارها الوحيد المتبقي هو الاستيلاء على الدولة السودانية بكليتها.

وفي حين تدعم السعودية ووكيلتها مصر القوات المسلحة السودانية (الجيش السوداني) كمؤسسة يُفترض أنها شرعية، فإنّ الحكام في أبو ظبي يقدّرون "الدعم السريع" كشريك مرن، يسمح لدولة بحجم الإمارات أن تراكم ثقلاً سياسياً وعسكرياً في المنطقة.

السودان يشبه ليبيا

لا أحد يجادل في أنّ الإمارات هي التي حافظت أولاً، وقبل كل شيء، على تدفق الأسلحة والذخائر والأموال والوقود إلى حلفائها في قوات "الدعم السريع". ومن الواضح أن هذه الخدمات اللوجستية الفتاكة تركزت، بصورة أساسية، على قاعدة في شمالي شرقي تشاد، كما ذكرت مؤخرا صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، نقلاً عن أجهزة الاستخبارات الأميركية. وأحصى الخبراء في استخبارات المصادر المفتوحة ما يقرب من 200 رحلة شحن من أبو ظبي إلى موقع ناءٍ في تشاد، منذ الشهر الخامس هذا العام.

مع ذلك، تواصل إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، عدّ الإمارات "شريكاً حيوياً للولايات المتحدة من أجل الاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي في الشرق الأوسط"، الأمر الذي يدلّ، مرة أخرى، على أنّ الاستراتيجيين في واشنطن يطلقون أيدي الإماراتيين.

وينطبق الشيء نفسه على ألمانيا، التي تَعُدّ الإمارات أهم شريك تجاري لها في المنطقة. في أواخر عام 2022، أعلن المستشار الألماني أولاف شولتس، ورئيس الإمارات، محمد بن زايد آل نهيّان، تنشيط الشراكة الاستراتيجية، التي تمّ الاتفاق عليها في عام 2004.

بحلول منتصف هذا الشهر، وصلت القوات المسلحة السودانية وقوات "الدعم السريع" إلى طريق عسكري مسدود، إلى حد ما، بينما سيطرت "الدعم السريع" على معظم غربي السودان، والعاصمة الخرطوم كلها تقريباً، وسيطر الجيش على سائر البلاد. ونتيجةً لذلك، بدا من المرجّح أنّ السودان يتجه نحو سيناريو مماثل لذلك الموجود في ليبيا، حيث يتنافس مركزان للقوى، بصورة دائمة، على السيطرة. في حالة السودان، هذا يعني قوات "الدعم السريع" في الخرطوم، ومجلس السيادة السوداني، بقيادة عبد الفتاح البرهان، في بورتسودان.

لكن، بعد توسع سيطرة قوات "الدعم السريع" في جنوبي شرقي الخرطوم، تعهّدت الزحف نحو بورتسودان، العاصمة الفعلية لمجلس السيادة. وعلى الرغم من أنّ جيشه استهلك حصة الأسد من ميزانية الدولة، وهيمن على أجزاءٍ كبيرةٍ من الاقتصاد لعقود، فإن رجال الميليشيات المتنقلة يتفوقون عليه في ساحة المعركة.

دور ألمانيا في عسكرة السودان

يتضح دور ألمانيا المؤسف في انهيار الدولة السودانية والتهجير القسري لملايين السودانيين بصورة قاتمة، من خلال عدد لا يحصى من مقاطع الفيديو في "تيك توك"، والتي يقف فيها مقاتلو "الدعم السريع" مع بنادق ورشاشات ألمانية هجومية.

ويبدو أنّ أغلبية هذه الأسلحة صُنعت بموجب ترخيص من ألمانيا في البرتغال، ووصلت إلى السودان من مخازن الجيش الأردني، الأمر الذي ساهم بصورة كبيرة في عسكرة البلاد.

وعلى الرغم من أنّ الحكومة الألمانية يجب أن تكون على دراية بهذه الانتهاكات الصارخة لشهادات الاستخدام النهائي لهذه الأسلحة، فإنه يبدو أنه لا توجد جهود من جانب "الدبلوماسية القائمة على المصلحة الألمانية" للتحقيق في عمليات نقل الأسلحة غير القانونية هذه. لذلك، لا ينبغي للحكومة الألمانية أن تتساءل عن أسباب الهجرة، إذا زاد عدد النازحين السودانيين، الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط، بحثاً عن ملجأ في أوروبا، بصورة كبيرة.

نقله إلى العربية بتصرف: حسين قطايا

منتصف نيسان/أبريل تندلع مواجهات عنيفة في الخرطوم وعدة مدن سودانية، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، وتفشل الوساطات في التوصل لهدنة بين الطرفين.