"إزفستيا": كيف ستؤثر العقوبات الجديدة على الاقتصادي الروسي؟
تعمل روسيا باستمرار على تطوير طرق وآليات جديدة لمواجهة العقوبات الغربية، بينما لا يزال لديها ديون صغيرة نسبياً وكميات كبيرة من الاحتياطيات.
يتحدث الخبير الاقتصادي، رئيس قسم الاقتصاد العالمي والعلاقات الاقتصادية الدولية في الجامعة الحكومية للإدارة في روسيا، يفغيني سميرنوف، في صحيفة "إزفستيا" المسكوفية، عن تأثير الحزمة العاشرة من العقوبات التي أقرها الاتحاد الأوروبي على الاقتصاد الروسي، وكيفية تفلت روسيا من التقييدات الاقتصادية في المدى المنظور.
وفيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:
في الآونة الأخيرة، دخلت حزمة جديدة من العقوبات الاقتصادية التي فرضها الاتحاد الأوروبي ضد روسيا حيز التنفيذ، وهي الحزمة العاشرة من نوعها، ما يعني فرض قيود صارمة على الصادرات ضد بلدنا، فضلاً عن تدابير ضد بعض الأفراد والكيانات القانونية. في الوقت نفسه، أصبحت القيود الآن، على عكس القيود السابقة، أكثر إيلاماً، وكان اتخاذها صعباً.
اليوم، ظهرت بوضوح المواقف القطبية بشأن القيود المعادية لروسيا بين دول مثل بولندا أو إيطاليا أو المجر. ركز المبادرون على اتخاذ هذه العقوبات، عند مناقشة الحزمة الجديدة، على تلك التقييدات التي يمكن أن تقاوم الالتفاف، من قبل الاتحاد الروسي، على التدابير التي سبق أن اتخذت. هناك عدة نقاط مثيرة للاهتمام هنا. أولاً، تُظهر الحزمة الجديدة جزئياً اعتراف بروكسل بضعف فعالية العقوبات السابقة وأن العقوبات لا تنجح دائماً.
في الواقع، يُصدّر النفط الروسي، على سبيل المثال، إلى كل مكان تقريباً بأسعار أعلى من السقف المحدد، وذلك عبر استخدام أسطول ناقلات "الظل"، وتُستورد الإلكترونيات والسيارات بكميات كبيرة من خلال طرق الاستيراد الموازية. كما تتمكن روسيا من الوصول إلى العديد من الواردات الغربية، حتى تلك الواقعة في المنطقة المؤلمة من العقوبات، مثل قطاع التكنولوجيا الفائقة، ولم تشعر حتى اليوم بالتأثير الخطير للعقوبات.
الحقيقة تكمن في أن روسيا أنشأت جزئياً مخزونات من الإلكترونيات بشكل عام، وتلك المتعلقة بالمجمع الصناعي العسكري بشكل خاص. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تحديث التكنولوجيا بإمدادات من بلدان ثالثة. وهذا ما يفسر، على وجه الخصوص، أن روسيا استمرت في عام 2022 في زيادة وارداتها من الدوائر المتكاملة والموصلات الإلكترونية.
ثانياً، لا تأخذ قيود العقوبات الجديدة في الاعتبار أن الاقتصاد الروسي قد تعلم التكيف مع القيود التي فُرضت سابقاً. فكلما فُرض المزيد من القيود، تعيد روسيا بشكل أسرع وأسرع توجيه علاقاتها الاقتصادية الخارجية نحو الأسواق البديلة. وهكذا، يتم تشكيل بنية جديدة للتجارة الدولية، التي لم تعد حرة، أي تجارة بدون قيود. لقد باتت الحمائية التجارية اتجاهاً جديداً في تنمية الاقتصاد العالمي لمدة طويلة مقبلة.
ثالثاً، تخلق محاولات تعقيد تعاون الاتحاد الروسي مع دول ثالثة (على سبيل المثال، الصين أو تركيا) خطراً يتمثل في أن العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مع هذه الدول قد تتدهور بشكل ملحوظ، ما يؤدي إلى ظهور اتجاه العزلة الاقتصادية لما يسمى بالدول المتقدمة عن بقية العالم. والضرر الأكبر من ذلك يقع على الغرب.
أخيراً، تجدر الإشارة إلى أنه في عام 2022، انخفض التعاون التجاري والاستثماري المتبادل لروسيا مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي بشكل حاد، ولم يكن لدى الغرب تقريباً أي احتياطيات متبقية لفرض عقوبات في المستقبل.
إن الضرر الاقتصادي لحق بالفعل بتلك الدول المبادرة إلى فرض العقوبات، ويكتمل هذا الضرر بالعبء الناجم عن المساعدات واسعة النطاق لأوكرانيا، ما لا يزال يمثل تحدياً خطيراً للنمو الاقتصادي لهذه الدول. لسوء الحظ، لا تزال الطموحات السياسية لبروكسل تهيمن على الفوائد والأولويات الاقتصادية.
غدت العقوبات اليوم أكثر تسييساً، ومن غير المرجح أن يكون لها تأثير كبير على الاقتصاد الروسي، لكنها تهدف فقط إلى إظهار استمرار اتجاه السياسة الخارجية العدوانية لدى الدول الغربية تجاه الاتحاد الروسي. فعند فرض العقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي، يبدو أن ممثلي دول الاتحاد، في البداية، لم يقيّموا التوقعات الواقعية من هذه العقوبات. بالإضافة إلى ذلك، ومن المفارقات، أن التدابير المتخذة ضد الاتحاد الروسي، في الواقع، لم يكن لها أهداف محددة ومصاغة بوضوح، ما يجعل، على ما يبدو، من الصعب الحصول على نتائج ملموسة من سياسة العقوبات.
لم ينهار الاقتصاد الروسي، بل على العكس من ذلك، يتوقع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي انتعاشه بشكل أسرع مما كان متوقعاً قبل عام. أظهر ميزان مدفوعات الاتحاد الروسي فائضاً مستمراً خلال العام الماضي. لم يكن للعقوبات تأثير سلبي على ديناميات العملة الوطنية الروسية - الروبل.
في المدة 2023-2024، ستجلب العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، بالتأكيد، تحديات اقتصادية جديدة، لكن من المرجح أن يظل عجز الميزانية الروسية وفائض ميزان المدفوعات تحت السيطرة.
في الوضع الحالي، تعمل روسيا باستمرار على تطوير طرق وآليات جديدة لمواجهة العقوبات، بينما لا يزال لديها ديون صغيرة نسبياً وكميات كبيرة من الاحتياطيات. ومع ذلك، يجب ألا ننسى أنه ينبغي توقع التأثير السلبي الرئيس للعقوبات على المديين المتوسط والبعيد. وإزاء هذه الخلفية، فإن درجة تأثيرها على الاقتصاد المحلي ستعتمد على نجاح تكيّف الاتحاد الروسي مع العقوبات.
نقله إلى العربية: عماد الدين رائف