"الجرف الصامد" ومتلازمة الثيران الكسلى

منذ نحو جيل ونحن نستمع من قيادة الجيش الإسرائيلي بالذات إلى تساؤلات حول لماذا لا يمكن، ولماذا يجب أخذ "محكمة العدل العليا" و "بيتسيلم" و "مجلس حقوق الإنسان" بالحسبان. ولا غرابة أنه تنمو في قيادة هذه المنظمات الشخصيات التي ستصبح في المستقبل قادة حملات المهزومين المزورة في تل أبيب، وهم من يحاولون إقناعنا بالانتحار بتمويل ضخم من منظمات وحكومات أجنبية.

مهندسو إقالة نتنياهو سيوجهون نيرانهم صوب رئيس الحكومة
مهندسو إقالة نتنياهو سيوجهون فعلاً قوة نيرانهم صوب رئيس الحكومة، وذلك مع نشر تقرير مراقب الدولة حول عملية "الجرف الصامد"، إلا أن المعطيات التي يجب أن تثير القلق بشكل كبير تتعلق بقيادة الجيش الإسرائيلي. فمحاضر جلسات المجلس الوزاري المصغر، التي جرى نشرها تؤكد ما هو معروف منذ عدة سنوات والذي حصل الآن على مصادقة رسمية: لقد ظهر خلال الجيل الأخير الكثير من الجنرالات الذين حولوا الجيش الإسرائيلي إلى جيش الاحتواء والتفهم وضبط النفس والإخفاء، وحتى العجز. جنرالات غرقوا في أمزجة مخصية وخاصِيَة. وهم الذين قرروا، بشكل غير ديمقراطي، تبادل الأدوار مع ممثلي الشعب المنتخَبين والتفاخر بأنهم هم الواعون الذين يتحلون بالمسؤولية.

وتكشف محاضر المداولات التي جرت في الطاقم الوزاري المصغر كيف قام (نفتالي) بينت بتشبيه رئيس هيئة الأركان في ذلك الحين، بيني غانتس، بموشيه دايان، وقال له: "إنني أتوقع منكم أن تأتوا إلى المجلس الوزاري المصغر مع خطط عملياتية وروح هجومية، ولست أنا من يجب أن يُحضر إلى هنا خططاً لتدمير الأنفاق. عليكم أن تكونوا كالخيول التي تعدوا وليس كالثيران الكسلى". إلا أن الأحداث والمحاضر (البروتوكولات) أظهرت إلى أية درجة كانت قيادة الجيش قد أصيبت بمتلازمة الثيران.

التوجه لإخصاء الجيش الإسرائيلي يصيبنا بالشلل

لقد بدأ التوجه لإخصاء الجيش الإسرائيلي منذ الانتفاضة الأولى أواخر 1987. فالاضطرابات اندلعت بسبب فشل استخباري وعملياتي، وهي قد تمددت بسبب الخوف من التقارير في محطات التلفزة العالمية. وتم القضاء عليها فقط عندما تعافت قيادة الجيش ودمرت بالقوة العسكرية خلايا الفلسطينيين الذين قادوا الاضطرابات. إلا أن هذه الظاهرة قد عادت لتزداد قوة لتصل إلى الذروة عام 1993، مع اتفاقات أوسلو، ومنذ ذلك الحين أصابتنا بالشلل. 
وقد أصيب معظم كبار الضباط بالصدمة من الخطة التي حاكها (شمعون) بيريس وشلته، إلا أنهم قد جَبُنوا. وبالتوازي مع ذلك بدأت تظهر سلالة جديدة من الضباط، مثل رئيس الأمن الداخلي ("الشاباك") في ذلك الوقت يعقوب بيري. ضباط تبنوا بشكل أيديولوجي المنطلقات الأساسية المجنونة (لأوسلو) واستسلموا وكرسوا انفسهم بإخلاص لتحقيقها. وقد تواصل ذلك في الفرار من "غوش كاطيف"، عندما قامت طبقة كبار الضباط، في مواجهة ضابط شجاع واحد - بوغي يعالون – بالتساوق مع الخط الكارثي الذي تسبب به اريئيل شارون. كما أن روح الإيحاءات والاحتواء والفشل والنيران البعيدة (الحرب من بعيد / المترجم)، هي التي ميزت حرب لبنان الثانية، والنتائج الكارثية لذلك معروفة. 

إن هذه الروح تثار بسبب الأفكار الخاطئة ومن عمليات الترهيب التي تمارسها المنظمات اليسارية المتطرفة. والتي يقوم في إطارها ضباط كبار برهن أنفسهم للصور التي تقوم منظمة "بيتسيلم" بإرسالها إلى شبكة (CNN) وإلى مداولات الأمم المتحدة. وهي روح من يخشى القيادة والانتصار. وحتى من لا يتوانى عن تقديم المعطيات المزيفة للقيادة، على سبيل المثال، حول العداء وحب القتل الموجود لدى السلطة الفلسطينية. وكل ذلك حتى لا يتم استخلاص العبر المطلوبة.

وقد وجدت نتائج هذه الروحية تعبيراً عنها في عمليات شبيهة بعملية "الجرف الصامد". فالجيش الإسرائيلي، الذي قام بتحرير الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وسيناء خلال ستة أيام، ظل شهر ونصف على أبواب غزة، وكشف مركز البلاد أمام الصواريخ، وحقق نتائج محدودة بثمن كبير. والفضيحة لا تتوقف عند موضوع الأنفاق. فعلى سبيل المثال، كان على مراقب الدولة أن يحقق في سبب إدارة الحرب بخلاف كل مبادئ الحرب. خاصة وأن كل طالب مستجد (في الجيش) يتعلم بأننا نقوم بالحرب بشكل مفاجئ وبالحيلة ومن خلال حشد قوى فائقة أمام قوات العدو في كل نقطة اشتباك. أما الجيش الإسرائيلي فقد فعل العكس، مثل المعركة التي خاضتها قوات لواء غولاني في الشجاعية ودفعت ثمناَ فادحاً على ذلك.

ومنذ نحو جيل ونحن نستمع من قيادة الجيش الإسرائيلي بالذات إلى تساؤلات حول لماذا لا يمكن، ولماذا يجب أخذ "محكمة العدل العليا" و "بيتسيلم" و "مجلس حقوق الإنسان" بالحسبان. ولا غرابة أنه تنمو في قيادة هذه المنظمات الشخصيات التي ستصبح في المستقبل قادة حملات المهزومين المزورة في تل أبيب، وهم من يحاولون إقناعنا بالانتحار بتمويل ضخم من منظمات وحكومات أجنبية.

لذلك فإن عملية استخلاص العبر الأهم من تقرير مراقب الدولة يجب أن تجري بالذات بما يرتبط بروحية القيادة العليا في الجيش الإسرائيلي - فالمعالجة الجذرية يجب أن تتم هناك.


ترجمة: مرعي حطيني