السعوديون تسلقوا شجرة عالية

لقد أظهرت السعودية في ما مضى ضبطاً للنفس في إدارة سياستها الخارجية، وهناك شك كبير في ما إذا كانت السياسة الحالية تعود على المملكة بإنجازات حقيقية. وهذا على الرغم من وجود البعض، وإسرائيل من بينهم، الذين تروق لهم الحماسة السعودية الموجهة بشكل أساسي ضد المصالح الإيرانية في المنطقة. وجدير بالذكر هنا أنه على الرغم من الثراء الذي تتمتع به فإن المملكة غير مؤهلة بمفردها لمواجهة تهديدات جدية في بيئتها الإستراتيجية.

الملك السعودي والرئيس الأميركي خلال زيارته للرياض في مؤتمر القمة العربية الإسلامية الأميركية
السياسة السعودية أصبحت أكثر عدوانية مما كانت عليه، وحتى هناك من يقولون إنها مغامرة. فالملك سلمان وابنه، ولي العهد محمد، انتهجوا في عدد من الحالات – وفي مقدمتها الحرب في اليمن والحصار على قطر – خطاً سياسياً مثيراً للجدل، مع الإقدام على مخاطرات لم تكن تسم الشكل الذي أدارت به المملكة سياستها الخارجية في الماضي. وحتى الآن يبدو أن الثمن الذي تدفعه المملكة جراء تبني هذه السياسة فاق، في أكثر من مرة، الفائدة التي أرادت تحقيقها. وكل هذه الأمور، في ظل الضرر الذي لحق بمكانة السعودية بسبب الاتفاق النووي مع إيران والصعوبة الدائمة التي تواجهها في التأثير على موازين القوى في سوريا والعراق، كل ذلك أبقى السعودية في الخلف مع صورة اللاعب الإقليمي الموجود في حالة تراجع.

 

ومنذ الخامس من حزيران / يونيو يفرض عدد من الدول العربية – بقيادة السعودية ومصر والإمارات والبحرين – حصاراً دبلوماسياً واقتصادياً على قطر. ويشتمل هذا على عتبة عالية من الطلبات، وهناك من يقولون إنها مبالغ بها، مثل تجميد العلاقات مع إيران وإغلاق شبكة الجزيرة وإخراج القوات التركية من الإمارة، والأهم من كل ذلك بالنسبة لتلك الدول هو وقف دعم الأخوان المسلمين. ويبدو أن "الرباعية العربية" قد توقعت بأن هذه الإمارة لن تستطيع الصمود أمام الضغوط، إلا أنها تبدو، بعد أن خاب أملها، باتت مستعدة للتراجع عن بعض مطالبها. واتضح أن الشجرة التي تسلقت عليها هذه الدول كانت عالية.

 

قطر تدفع بالفعل ثمناً ليس بالقليل، وبخاصة على الصعيد الاقتصادي، بسبب الحصار. ولكن الثمن الذي تدفعه السعودية يتعاظم مع مرور الوقت. فقد تضررت صورة قوتها وذلك بسبب قدرتها المحدودة، إلى الآن، على فرض سطوتها على دولة صغيرة ("ومارقة") مثل قطر. وإلى الآن لا تزال علاقاتها مع دول إسلامية رئيسية، وفي مقدمتها باكستان، متوترة وذلك بسبب موقفها الحيادي في الأزمة. وقطر من ناحيتها زادت من الدفء في علاقاتها مع كل من إيران وتركيا اللتين تساعدانها في التغلب على الحصار.

 

ومنذ استلام ترامب لمهام منصبه بذلت كل من واشنطن والرياض جهدهما لإظهار أن "المشاكل" التي ميّزت فترة الرئيس أوباما لم تعد قائمة. ولكن، وعلى خلفية الأزمة بين دول الخليج، لم يعد من الواضح مدى التطابق في رؤية الرياض وواشنطن للمواضيع الإقليمية. فالإدارة الأمريكية معنية بإظهار جبهة موحدة ضد الدولة الإسلامية والتنظيمات الجهادية السلفية، وضد إيران أيضاً، وهي الجبهة التي تبدو بعيدة المنال الآن في ظل الأزمة في الخليج.

 

وقد أعطى الرئيس ترامب، خلال زيارته للخليج (بقصد أو بدون قصد)، أعطى "الضوء الأخضر" لهذه الدول للعمل. ومن الجهة الأخرى يمنح وزير الخارجية ريكس تيلرسون تأييداً لا يستهان به لقطر وذلك من خلال إشارته إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية راضية عن الإجراءات التي اتخذتها قطر لتنفيذ الاتفاق معها لمحاربة الإرهاب وأنه يجب رفع الحصار عنها. وعلاوة على ذلك فإن هناك الكثيرين في الولايات المتحدة الأمريكية ممن رفضوا الحصار على قطر وذلك عندما أشاروا إلى أن "سجل" السعودية في كل ما يتعلق بتمويل التنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط أخطر بكثير من سجل قطر. والآن تريد الإدارة الأمريكية، التي تحدثت في البداية عن المقاطعة بصوتين – الأمر الذي لم يساهم في إخماد ألسنة الحريق، تريد إيجاد حل دبلوماسي للأزمة.

 

وفي موازاة الأزمة القطرية هناك عنصر آخر في الضعف السعودي يكمن في الحملة العسكرية التي بادرت إليها المملكة وقادتْها في اليمن، والتي وصلت هي أيضاً إلى طريق مسدود، وهي بعيدة عن تحقيق أهدافها الرئيسية. فالحوثيون وحليفهم، الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح (والموالون له)، يسيطرون على اليمن الشمالي وعلى العاصمة صنعاء، وهم يطلقون الراجمات والصواريخ باتجاه الأراضي السعودية بشكل أصبح مألوفاً. والانتقادات الدولية ضد إدارة الحرب من قبل السعودية في ازدياد وذلك بحجة أن سياستها قد فاقمت من شدة الأزمة الإنسانية في اليمن وتسببت بضرر واسع للمدنيين. كل هذا يحدث في الوقت الذي يطبق فيه ولي العهد السعودي إجراءات مثيرة للجدل على الساحة الداخلية وذلك بهدف تعزيز قوته قُبيل استلامه لكرسي الحكم من والده. ولا يزال مطلوباً منه إثبات كل الأمور المرتبطة بتطبيق الاصلاحات الاقتصادية الضرورية.

 

لقد أظهرت السعودية في ما مضى ضبطاً للنفس في إدارة سياستها الخارجية، وهناك شك كبير في ما إذا كانت السياسة الحالية تعود على المملكة بإنجازات حقيقية. وهذا على الرغم من وجود البعض، وإسرائيل من بينهم، الذين تروق لهم الحماسة السعودية الموجهة بشكل أساسي ضد المصالح الإيرانية في المنطقة. وجدير بالذكر هنا أنه على الرغم من الثراء الذي تتمتع به فإن المملكة غير مؤهلة بمفردها لمواجهة تهديدات جدية في بيئتها الإستراتيجية. وعليه فإن الرياض ستُحسن صنعاً إذا ما عادت وتبنت بعض العناصر التي ميّزت سياستها الخارجية في السابق، وتفادت المواجهة المباشرة مع أعدائها، واستخدمت ما هو موجود في "جيوبها العميقة" بهدف تحييد المخاطر (التي تستهدفها) وتعزيز نفوذها.


ترجمة: مرعي حطيني