كان بوسع مبادرة سياسية الحيلولة دون حدوث أزمة الحرم

بعد أن هدأت عاصفة جبل الهيكل (الحرم القدسي) الأخيرة، بكلفتها الباهظة لجهة حياة البشر والجراح والأضرار طويلة المدى التي لحقت بالثقة المتبادلة، تقوم الأطراف بحساب ميزان الربح والخسارة لكل منها.

إسرائيل، المصابة بوهم إدارة الصراع المستند إلى عدم الكفاءة السياسية منذ ثماني سنوات، تبدو كمن خرجت خاسرة: في الردع والصدقية والتقدير السليم والمكانة.

 

إننا لا نتجاهل، ولو للحظة واحدة، التحريض الديني – القومي المكثف الممارس ضد اليهود وضد إسرائيل، ولا العنف المنفلت والمنظم ضدها، فهذه أمور تجب محاربتها دون هوادة. إلا أنه يجب أن تكون هناك مبادرة سياسية من قِبَلِها، إلى جانب هذه الحرب ضد مثيري العنف والإرهاب والتحريض.

 

وبما أن إسرائيل تصر على إدارة النزاع، بدون محاولة لتحقيق انطلاقة باتجاه الحل، فإنه من الواضح أن اندلاع الأزمة المقبلة سيحدث خلال وقت ليس بالبعيد، سواء كان ذلك بسبب جبل الهيكل (الحرم القدسي) أو لأي سبب آخر.

 

لو كانت إسرائيل تؤيد خطة سياسية تقترح طريقاً معقولاً لحل كل المشاكل الأساسية للنزاع، بما في ذلك جبل الهيكل (الحرم القدسي)، لما كان يُنظر إلى أي تصرف أمني في أعقاب أية عملية خطيرة على أنه ذو تداعيات بعيدة المدى. ولو أنه كانت تجري مفاوضات مهما كانت أهدافها متواضعة، وكانت مطروحة على طاولة المفاوضات صيغة ما للوضع النهائي لجبل الهيكل (الحرم القدسي) بوصفه مكان عبادة للمؤمنين بكل الأديان، لكان الوضع مختلفاً تماماً. ولكانت قضية السيادة السياسية للمسلمين ولليهود في المكان المقدس قد جرى بحثها كموضوع ثانوي للقضية الدينية، وليست كبؤرة صراع مستقل. ومن المرجح أنه كان سيُنظر إلى عملية وضع بوابات الكشف عن المعادن على أنها مجرد خطوة أمنية – وهي خطوة يمكن الدخول في نقاش حول فوائدها وأضرارها من ناحية مهنية أمنية – إلا انها لا تشكل ذريعة لاندلاع العنف في كل أرجاء السلطة الفلسطينية وخارجها. إن الوضوح حول وضع جبل الهيكل (الحرم القدسي) سيفسح المجال أمام كل الأطراف ذات العلاقة، وبخاصة الأردن، لإدارة النشاطات فيه بواسطة بوابات الكشف عن المعادن التي سيتم تحديدها من أجل الحل الدائم.

 

لذلك فإن السبيل لتفادي الأزمة القادمة يتمثل في وضع خطة للتسوية النهائية على الطاولة في القنوات الإقليمية والثنائية والمستقلة. بذلك يمكن الدخول في حوار حول القضايا الرئيسية، بما في ذلك جبل الهيكل (الحرم القدسي)، وكذلك يتحقق انتقال متدرج إلى واقع دولتين لشعبين، وقلب توجه الانزلاق باتجاه الدولة ثنائية القومية، والوقوف على عتبة حرب دينية دامية. كذلك يتخلص النقاش أيضاً من صيغة "لعبة نتيجتها الصفر" ما يؤدي إلى وضع يكون فيه الطرفان رابحين. إسرائيل ستربح الاعتراف الدولي بحدودها وبالقدس كعاصمة لها، والسلام والعلاقات التجارية مع كل العالم العربي، علاوة على الاعتراف بشرعية عملياتها الأمنية – كل هذا حتى دون أن نتطرق إلى تحقيق نبوءة مؤسسيها بإقامة الدولة الديمقراطية للشعب اليهودي. ويربح الفلسطينيون حق تقرير المصير في إطار دولة مستقلة، وحرية تحديد مصيرهم.

 

وطالما بقيت صيغة "لعبة نتيجتها الصفر" – التي يكون فيها ربح أي طرف هو بالضرورة خسارة للطرف الآخر – هي التي تحكم خطوات الطرفين فإننا نتوقع الاستمرار الانتقال من أزمة إلى أزمة، بحيث يمكن لكل حادث أن يؤدي إلى اندلاع أحداث عنف أشد من سابقاتها. ومما يؤسف له أنه لا توجد على رأس الدولة زعامة تدرك أنه يمكن – من أجل مصلحة إسرائيل وأمنها القومي – خلق واقع يستفيد منه الجانبان.


ترجمة: مرعي حطيني

عامي أيالون، غلعاد شير، أورني بتروشكه (الكتاب الثلاثة هم زعماء حركة "مستقبل أزرق – أبيض")