"وول ستريت جورنال": ماذا يعني وقف عمل "الأونروا" بالنسبة إلى الفلسطينيين؟
التشريع الإسرائيلي سيوقف فعلياً عمل "الأونروا" التابعة للأمم المتحدة التي تقدّم الغذاء والتعليم والعلاج الطبي في الأراضي الفلسطينية.
صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية تنشر تقريراً كتبه عمر عبد الباقي تحدث فيه عمّا سيكون عليه وضع الفلسطينيين الاقتصادي والاجتماعي والصحفي والتعليمي بعد حظر "إسرائيل" عمل وكالة "الأونروا" فلسطين المحتلة.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية بتصرف:
كان سعيد حشاش، وهو أب لأربعة أطفال، متصلاً بجهاز غسيل الكلى عندما علم أنّ "إسرائيل" أقرّت قوانين من شأنها أن توقف عمليات وكالة "الأونروا" التي تدفع تكاليف علاج كليته.
وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، أو "الأونروا"، هي أكبر منظمة إغاثة تعمل في الأراضي الفلسطينية. ولم يتبق لها سوى شهر واحد قبل أن تشلها التشريعات الإسرائيلية الجديدة.
قالت زوجة سعيد، رشيدة حشاش، وهي تجلس بجانبه في منزلهما الصغير في بلاطة: "هذه مسألة حياة أو موت. نحن نعتمد بشكل كامل على الأونروا".
تأسست الوكالة قبل 75 عاماً. وهي توفر للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة شبكة أمان حاسمة من الغذاء والدواء والتعليم، وتدير ما يقرب من 100 مدرسة وعشرات المرافق الصحية في الضفة الغربية وحدها.
لكن "الأونروا" و"إسرائيل" كانتا على خلاف منذ فترة طويلة بشأن الدور الذي تلعبه الوكالة في الأراضي الفلسطينية.
صعّدت "إسرائيل" من انتقاداتها للوكالة في أعقاب هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، واتهمت ما لا يقل عن 12 عاملاً في "الأونروا" بالمشاركة في الهجوم. واتهمتها لاحقاً بتوظيف مئات الفلسطينيين المرتبطين بحركة "حماس" وجماعات مسلحة أخرى، وهو ما تقول "الأونروا" إنها لم تتلقّ أدلة عليه.
لقد طردت الوكالة العديد من الموظفين وحققت مع آخرين بسبب صلاتهم المزعومة بحماس في أعقاب الهجمات. وقالت "الأونروا" إنّها تشارك منذ فترة طويلة أسماء ووظائف جميع الموظفين سنوياً مع "إسرائيل"، بما في ذلك أسماء الأشخاص الذين وجّهت "إسرائيل" إليهم اتهامات.
في تشرين الأول/أكتوبر، أقر البرلمان الإسرائيلي قوانين من شأنها أن تمنع "الأونروا" فعلياً من العمل في الضفة الغربية أو قطاع غزة بعد نهاية كانون الثاني/يناير. ومن شأن هذه الأحكام أن تقطع الوكالة عن الوصول إلى تصاريح الدخول الإسرائيلية إلى غزّة والضفة الغربية. كما أنها ستنهي التنسيق مع "الجيش" الإسرائيلي، الذي تعتمد عليه "الأونروا" لنقل الموظفين والمساعدات حول غزة.
إنّ تأثير القوانين الإسرائيلية، إذا تم تنفيذها، يمكن أن تكون له عواقب بعيدة المدى. ففي الضفة الغربية، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تعميق الأزمة الاقتصادية ويخاطر بعدم الاستقرار السياسي. وفي غزة، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تفكيك شبكة المساعدات اللوجستية التي تقودها "الأونروا"، ما يخنق تدفق المساعدات الإنسانية إلى منطقة دمّرها الصراع والجوع.
وقال رولاند فريدريش، مدير شؤون "الأونروا" في الضفة الغربية: "إذا تم تنفيذ هذه القوانين على النحو المنشود، فإنها ستغيّر معايير عملية السلام المستقبلية".
وقال سياسيون إسرائيليون إنّ الوكالة متحيّزة ضد "إسرائيل"، وتنشئ شبكة رعاية اجتماعية تثني الفلسطينيين عن مغادرة المخيمات، وتبقي على الآمال حية بين الفلسطينيين في قدرتهم على العودة إلى المنازل التي فرّت منها عائلاتهم أو أجبرت على مغادرتها.
وقال دان إيلوز، عضو حزب الليكود الذي يتزعمه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إنّ الأونروا "تديم وضع اللاجئين الفلسطينيين".
اقرأ أيضاً: "فورين أفيرز": "إسرائيل" تستهدف حق العودة بحظرها "الأونروا"
لقد تضخم عدد النازحين وأحفادهم الذين يعيشون على قطع الأراضي الصغيرة التي تضم 19 مخيماً للأونروا في الضفة الغربية. وحلّت المباني الخرسانية المشيدة بشكل سيئ محل الخيام الأصلية التي عاش فيها اللاجئون، حيث ظل الحل السياسي للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني بعيد المنال.
أُسس مخيم بلاطة في عام 1950 لإيواء نحو 5000 لاجئ فلسطيني، اضطر كثيرون منهم إلى مغادرة يافا، وهي مركز سكاني ساحلي عربي قديم أصبح الآن جزءاً من مدينة "تل أبيب" الكبرى. ويقع المخيم بالقرب من الأماكن المقدسة التوراتية مثل قبر يوسف وبئر يعقوب في شمال الضفة الغربية. وتبلغ مساحته نحو عُشر ميل مربع، ويسكنه عدد كبير من السكان المسجلين يتجاوز 33 ألف نسمة. وشوارعه الضيقة، المحاطة بالمباني المزدحمة، مظلمة حتى في النهار.
ونحو ثلثي سكان مخيم بلاطة هم دون سن الخامسة والعشرين. وتقدر معدلات البطالة بأكثر من 60%، وفقاً لمسؤولين محليين من "الأونروا" ومنظمة التحرير الفلسطينية. ويقول بعض السكان إنّهم سيغادرون إذا استطاعوا تحمّل التكاليف، بينما يقول آخرون إنهم يبقون للحفاظ على هويتهم كلاجئين.
تقوم "الأونروا" بتعليم آلاف الأطفال في أربع مدارس في مخيم بلاطة، وتتولى رعاية عشرات الآلاف من الفلسطينيين في مركز صحي محلي، وتوظف نحو 200 شخص وتقدم مساعدات نقدية لآلاف السكان.
تعيش عائلة حشاش في حي يحمل اسمها. جاءت العائلة إلى المخيم في وقت تأسيسه. قال سعيد حشاش: "اختفاء الأونروا المحتمل هو كل ما يمكن لأي شخص أن يتحدث عنه هنا".
قال حشاش، البالغ من العمر 30 عاماً، إنّ مرض الكلى الذي يعاني منه أجبره على التخلي عن وظيفته في تخزين المنتجات في السوق في مخيم بلاطة. وقال إنّ عائلته تعتمد الآن على "الأونروا" في الحصول على الدواء والغذاء والتعليم، ولا تعرف ماذا ستفعل إذا تم وقف عمل المنظمة.
لا يوجد بديل واضح لـ"الأونروا" في الضفة الغربية، حيث تبلغ ميزانية الوكالة السنوية نحو 125 مليون دولار. ولا تلعب "إسرائيل" ولا السلطة الفلسطينية المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تحكم جزءاً من الضفة الغربية، دوراً مهماً في المخيمات بخلاف الأمن.
تخضع نابلس، المنطقة التي يقع فيها مخيم بلاطة، لحكم السلطة الفلسطينية، والتي ستتعرض لمزيد من الضغوط بسبب اضطرارها إلى دعم الأشخاص الذين يعتمدون حالياً على "الأونروا". ومن المتوقع أن تواجه السلطة الفلسطينية عجزاً في الميزانية يبلغ نحو 2 مليار دولار هذا العام، بما في ذلك ملايين الدولارات من أموال الضرائب التي تحتجزها "إسرائيل"، بزعم أنّ بعض هذه الأموال تستخدم لتوفير الرعاية الاجتماعية لأسر الفلسطينيين الذين قتلوا أو سجنوا من قبل "إسرائيل"، بمن فيهم المسلحون.
تدير السلطة الفلسطينية مدارسها العامة الخاصة في الضفة الغربية وتكافح لدفع تكاليفها لسنوات، ما أثار الشكوك حول قدرة النظام على استيعاب مدارس "الأونروا". ويقول المعلمون إنهم يتقاضون أجوراً أقل من اللازم. تم تقليص أسابيع الدراسة إلى أربعة أيام لأن المعلمين يقولون إنهم لا يستطيعون تحمّل تكاليف المواصلات، وفقاً لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية.
يقول الدكتور هيثم أبو عيطة، رئيس المركز الصحي في بلاطة التابع لوكالة "الأونروا"، وهو الأكبر الذي تديره الوكالة في الضفة الغربية: "إذا اضطرت الوكالة إلى وقف عملها، فلن يتمكن أحد من تولي خدماتنا. إنّ السلطة الفلسطينية لا تملك الموارد، كما أنّ وكالات الأمم المتحدة الأخرى لا تمتلك الخبرة أو التاريخ اللازم لإدارة العيادات الصحية بالطريقة التي نديرها بها".
تحذّر الأمم المتحدة من أنّه إذا لم تتمكّن "الأونروا" من العمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإن المسؤولية بموجب القانون الدولي عن تقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين تقع على عاتق "إسرائيل" كقوة احتلال.
في العام الماضي، قدّم إضراب استمر ثلاثة أشهر بين عمال "الأونروا" بسبب الرواتب لمحة عن شكل الحياة من دون الوكالة. حيث تتراكم القمامة غير المجمعة في الشوارع، فتجلب الفئران والأمراض. وفي بعض الأحيان، يقول السكان إنّهم اجتمعوا معاً لجمع أكوام من القمامة ودفعوا بشكل جماعي مقابل إخراجها والتخلص منها. ويقول بعض السكان إنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى الخدمات الصحية، وأنّ الأطفال الذين كان من المفترض أن يكونوا في المدرسة كانوا يتسكعون في الشوارع. ونظّم سكان الضفة الغربية خلال تلك الفترة مظاهرات تحث موظفي "الأونروا" على العودة إلى العمل.
وقال أمجد أبو عواد، وهو من سكان بلاطة ويبلغ من العمر 51 عاماً وأب لابنة صغيرة تعاني من حالة قلبية، إنّ الإضراب كان بمنزلة كابوس في ذلك الوقت، لكن الوضع الاقتصادي الحالي من شأنه أن يجعل خسارة "الأونروا" الدائمة أكثر إيلاماً. وأضاف: "لا أستطيع حقاً أن أتخيل ما سيحدث".
نقلته إلى العربية: بتول دياب