"واشنطن بوست": صراع بين الأمل والخوف لدى المسيحيين في سوريا
رغم أنّ أعضاء المجتمع المسيحي قالوا إنهم سعداء برؤية نظام الأسد يرحل، إلا أنّ كثيرين منهم يشعرون بالحذر من قادتهم الإسلاميّين الجدد.
صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية تنشر تقريراً، للكاتبين محمد الشمعة وسلوان جورج، تحدّثا فيه عن حال المسيحيين في سوريا، والتظاهرات التي يقومون بها للمطالبة بتأمين حمايتهم خوفاً من العنف.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية بتصرّف:
في صباح عيد الميلاد في العاصمة السورية، ارتدى المسيحيون أجمل ملابسهم، وذهبوا إلى الكنيسة وشاركوا في العرض السنوي عبر الجزء القديم من المدينة. ومع ذلك، كان هناك شعور ثقيل بالقلق تحت أجواء العيد.
على مدى السنوات الثلاث عشرة الماضية، فرّ العديد من المسيحيين من البلاد، تاركين أولئك الذين بقوا هناك يشعرون بالضعف بشكل خاص مع تولّي جماعة إسلامية السلطة. قبل بدء الحرب في عام 2011، كانت سوريا موطناً لأكثر من 1.5 مليون مسيحي. واليوم، يقدّر البطريرك إغناطيوس أفرام الثاني من الكنيسة السريانية الأرثوذكسية أنّ هذا العدد انخفض إلى نحو 400 ألف.
عندما علم أفرام بسقوط نظام بشار الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر، قطع رحلة إلى الهند وعاد إلى دمشق، خوفاً على مستقبل كنيسته.
وعند وصوله، وجد أتباعه قد زيّنوا منازلهم جزئياً فقط للاحتفال بعيد الميلاد. وقال: "أول شيء قلته لهم هو أنه يجب أن تستمرّوا في التزيين. التزيين هو تعبير عن الفرح والاحتفال".
وبحلول عشية عيد الميلاد، كانت شوارع العاصمة مزيّنة بالأكاليل والأضواء والحلي إلى جانب العلم الجديد. وتوقّف المارة، وكثير منهم من المسلمين، لالتقاط الصور. وفي ساحات المطاعم القديمة، أشرقت أشجار عيد الميلاد بشكل ساطع بينما كان الناس يتشاركون الوجبات والمحادثات.
لقد كانت البلاد منذ فترة طويلة نسيجاً متنوّعاً من الديانات. يشكّل المسلمون السنّة نحو 74% من السكّان، في حين يشكّل العلويون الطائفة الأقلية التي ينتمي إليها الأسد، إلى جانب الإسماعيليين والمسلمين الشيعة مجتمعين نحو 13%. يشكّل الدروز نحو 3% من السكّان، ويمثّل المسيحيون نحو 2.5%، انخفاضاً من 10% قبل الحرب، وفقاً لوزارة الخارجية الأميركية. من الصعب التحقّق من هذه الأرقام، حيث أدّت الحرب إلى نزوح أكثر من نصف سكان سوريا.
على الرغم من أنّ أعضاء المجتمع المسيحي في سوريا قالوا إنهم سعداء برؤية النظام القديم يرحل، إلا أنّ كثيرين منهم يشعرون بالقلق من حكّامهم الإسلاميين الجدد، بقيادة هيئة تحرير الشام، وهي جماعة كانت تابعة لتنظيم القاعدة في السابق.
لقد قطعت هيئة تحرير الشام علاقاتها بالمنظّمة الإرهابية منذ سنوات وسعت إلى طمأنة جميع الجماعات الدينية بشأن مكانها في سوريا. ومع ذلك، تفتقر الحكومة الانتقالية الجديدة إلى التمثيل المسيحي، وقد أثارت الهجمات المعزولة مخاوف من أن تصبح مثل هذه الحوادث هي القاعدة.
وذكرت وكالة "أسوشيتد برس" أنّ مسلحين قتلوا عشرة علويين في بلدة بحرة في محافظة حماة في 9 كانون الأول/ديسمبر. وفي 18 كانون الأول/ديسمبر، أطلق مسلح مجهول النار على كنيسة في حماة. هذه، إلى جانب تقارير أخرى غير مؤكدة عن العنف، تزيد من القلق.
يوم الاثنين، أحرقت شجرة عيد الميلاد في حماة. وفي مقطع فيديو، تعهّد مسؤول محلي في هيئة تحرير الشام يقف إلى جانب رجال الدين بمعاقبة الجناة، الذين قال إنهم ليسوا سوريين، وأنّ الشجرة سيتمّ استبدالها.
ولكن هذا لم يفعل الكثير لتهدئة الغضب في دمشق، حيث نزل مئات المتظاهرين حاملين صلباناً خشبية كبيرة إلى الشوارع للتعبير عن غضبهم، مردّدين هتافات "نحن لسنا أقلية، نحن الشعب الأصلي" ودعوا قادة الكنيسة إلى "الاستيقاظ".
واختتمت المسيرة، التي استمرت لساعات، بعد أن وافق قادة الكنيسة على لقاء المحتجّين داخل الكاتدرائية المريمية الأرثوذكسية اليونانية التاريخية. وهناك، دارت مناقشة ساخنة مع المطران رومانوس الحناط، حيث شارك أبناء الرعية الأخبار المحزنة التي سمعوها من أجزاء مختلفة من سوريا. وصاح الكثيرون بأنهم سيغادرون البلاد إذا لم تضمن الحكومة سلامتهم.
وقال البطريرك السرياني أفرام إنّ لجنة من الكنائس التقت بالحكومة الانتقالية وحصلت على ضمانات. لكنه قال إنّ هناك حاجة إلى مزيد من العمل لضمان عدم حدوث المزيد من الانتهاكات، وإنّ حقوق المجتمع "يجب أن تكون مكرّسة في الدستور الجديد".
وفي عشية عيد الميلاد، ومع وجود مكثّف للشرطة، جرت احتجاجات مماثلة، حيث ذهب المتظاهرون من كنيسة إلى كنيسة مطالبين بقرع الأجراس وردّدوا المزيد من الهتافات التحريضية، وقال أحدهم "حلّان، صليبنا والبندقية".
وقال منظّم المسيرتين، دانيال، الذي تحدّث بشرط استخدام اسمه الأول فقط لأسباب أمنية، إنّ المحتجين يطالبون بحماية جميع السوريين. وقال: "لقد تعبنا. لقد مرّ ما يقرب من 15 عاماً. سنحتجّ كلّ يوم حتى يمنحونا الحماية".
نقلته إلى العربية: بتول دياب.