"نيويورك تايمز": ترامب يطرح خطة غير واقعية بشأن غزة
بعد أن تعهّد بإخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، الرئيس الأميركي يعلن خطة غير واقعيّة بشأن قطاع غزة، تتطلّب الانخراط بشكل كبير في الصراع.
صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر مقالاً تحليلياً تناولت فيه اجتماع الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو اليوم، والذي أعلن فيه ترامب خطته لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزّة.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرّف:
كان الرئيس ترامب يستمتع بإشادة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ"استعداده للتفكير خارج الصندوق". ولكن عندما يتعلّق الأمر بغزة، كان تفكير ترامب يوم الثلاثاء خارج الصندوق إلى الحدّ الذي لم يكن من الواضح معه أنه كان يعرف حتى أنّ هناك صندوقاً.
كان إعلان ترامب عن نيّته الاستيلاء على السيطرة على غزة، وتشريد السكان الفلسطينيين وتحويل الجيب الساحلي إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" استفزازياً، ومثيراً للاهتمام، وغريباً، ومثيراً للغضب وليس رئاسياً على الإطلاق.
الآن في ولايته الثانية في البيت الأبيض، يقدّم ترامب أفكاراً أكثر وقاحة حول إعادة رسم خريطة العالم وفقاً لتقليد الإمبريالية في القرن التاسع عشر. أولاً كان هناك شراء غرينلاند، ثم ضمّ كندا، واستعادة قناة بنما وإعادة تسمية خليج المكسيك. والآن يتصوّر أنه سيتولّى السيطرة على منطقة حرب مدمّرة في الشرق الأوسط، وهو ما لن يرغب أيّ رئيس أميركي آخر في تولّيه.
لا يهمّ إن كان ترامب لم يستطع تسمية أيّ سلطة قانونية تسمح للولايات المتحدة بفرض سيطرتها من جانب واحد على أراضي دولة أخرى أو أنّ الإزالة القسرية لسكان بالكامل من شأنه أن يشكّل انتهاكاً للقانون الدولي. ولا يهم أنّ إعادة توطين مليوني فلسطيني سوف يشكّل تحدّياً لوجستياً ومالياً هائلاً، ناهيك عن كونه متفجّراً سياسياً. ولا يهمّ أيضاً أنّ هذا من شأنه أن يتطلّب بالتأكيد آلافاً عديدة من القوات الأميركية وربما يؤدّي إلى اندلاع صراع أكثر عنفاً.
إنّ فكرة ترامب ستكون الالتزام الأوسع للقوة الأميركية والثروة في الشرق الأوسط منذ غزو العراق وإعادة إعماره قبل عقدين من الزمان. وستكون بمثابة انقلاب مذهل لوعود رئيس ترشّح للمرّة الأولى لمنصبه في عام 2016 بإخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط.
قال أندرو ميلر، مستشار السياسة السابق في الشرق الأوسط في عهد الرئيسين باراك أوباما وجوزيف بايدن جونيور والآن زميل بارز في مركز التقدّم الأميركي، إنّ "هذا حرفياً هو الاقتراح السياسي الأكثر غموضاً الذي سمعته من رئيس أميركي على الإطلاق".
وأصرّ ترامب على أنّه جادّ حتى عندما تساءل الكثيرون عمّا إذا كان ذلك ممكناً. وقال: "لم يكن هذا قراراً اتخذ باستخفاف". ومع ذلك، بدا الأمر خيالياً للغاية، وخالياً من التفاصيل، ومتعارضاً مع التاريخ لدرجة أنه كان من الصعب الحكم عليه بالقيمة الظاهرية.
في الواقع، بدا الأمر وكأنه فكرة تنمو كلّ ساعة مع مرور اليوم. وفي الصباح، قبل وصول نتنياهو إلى البيت الأبيض للقاء ترامب، قال مساعدو الرئيس للصحافيين إنّ إعادة بناء غزة بعد الحرب المدمّرة سوف تستغرق 15 عاماً أو أكثر، وأنّ ذلك سوف يتطلّب العمل مع الشركاء في المنطقة لإيجاد مكان للعيش مؤقتاً للفلسطينيين.
وبحلول فترة ما بعد الظهر، وبينما كان يوقّع على بعض الأوامر التنفيذية، قال ترامب للصحافيين إنّ الفلسطينيين "لن يكون لديهم بديل سوى الخروج من غزة لأنها موقع هدم". وبعد ذلك بقليل، رحّب بنتنياهو في المكتب البيضاوي وذهب إلى أبعد من ذلك، قائلاً إنه يريد منهم "جميعهم" أن يغادروا وأنّ سكان غزة يجب أن "يشعروا بسعادة" للعيش في مكان أفضل يتوقّع أن توفّره مصر والأردن.
ثم في مؤتمر صحافي رسمي مع نتنياهو في الغرفة الشرقية مساء الثلاثاء، اتخذ الخطوة الأخيرة، معلناً ليس فقط أنّ الفلسطينيين يجب أن يغادروا ولكن أيضاً أنّ "الولايات المتحدة ستتولّى قطاع غزة" وتعيد بناءه إلى وجهة اقتصادية مزدهرة.
لم يكن هذا استيلاءً مؤقتاً، بل خطوة لـ "ملكيّة طويل الأجل" وأوضح أنّه ليست لديه نيّة لإعادة غزة إلى الفلسطينيين ولكنه سيجعلها مكاناً "ليس لمجموعة محدّدة من الناس ولكن للجميع".
لم يذكر ماذا يعني ذلك بالضبط. كما لم يذكر كيف سيتمّ تحقيق ذلك. حتى أنه بدا وكأنه يدرك مدى جنون الأمر برمّته. فقد قال في إحدى المرات: "لا أقصد أن أكون لطيفاً، ولا أقصد أن أكون رجلاً حكيماً. ولكن ريفييرا الشرق الأوسط!".
ولم يرَ آخرون أيّ شيء لطيف أو حكيم في ما يعادل "التطهير العرقي باسم آخر"، كما قال السيناتور كريس فان هولين، الديمقراطي من ماريلاند.
وقال هالي سويفر، الرئيس التنفيذي للمجلس الديمقراطي اليهودي في أميركا، إنّ "فكرة أن الولايات المتحدة ستستولي على غزة، بما في ذلك نشر القوات الأميركية، ليست متطرفة فحسب، بل إنها منفصلة تماماً عن الواقع. في أي عالم يحدث هذا؟".
قال خالد الجندي، الباحث الزائر في مركز الدراسات العربية المعاصرة بجامعة جورج تاون، إنّ تعليقات ترامب كانت "غريبة وغير متماسكة حقاً"، مما أثار المزيد من الأسئلة أكثر من الإجابات. وسأل الجندي: "هل يتحدّث ترامب من منظور جيوسياسي، أم أنه يرى غزة ببساطة كمشروع تنمية شاطئي ضخم؟ ولصالح من؟ بالتأكيد ليس الفلسطينيين، الذين سيتمّ نقلهم بشكل جماعي. هل ستكون الولايات المتحدة المحتل الجديد في غزة، لتحلّ محلّ الإسرائيليين؟ ما هي المصلحة الأميركية التي قد يخدمها هذا؟"
لم يكن ترامب مخطئاً عندما قال إنّ غزة "جحيم" بعد أكثر من عام من الحرب، فالقنابل والصواريخ الإسرائيلية سوّت معظم مبانيها بالأرض ودمّرت الكثير من البنية التحتية اللازمة لدعم عدد كبير من السكان. لم يأتِ أحد آخر بأيّ أفكار ملموسة ومتطوّرة حول كيفيّة إعادة بناء غزة أو عرض التزامات مالية ملموسة للقيام بذلك.
في رواية ترامب، بدت فكرة إبعاد مجموعة سكانية والاستيلاء على أراضٍ أجنبية أشبه بصفقة عقارية من النوع الذي سعى إليه طوال حياته كرجل أعمال.
وبدا أنّ ترامب يلتقط فكرة طرحها العام الماضي صهره جاريد كوشنر، الذي أشار في مقابلة إلى أنّ "ممتلكات غزة المطلة على الواجهة البحرية يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة" واقترح على "إسرائيل" "إخراج الناس ثمّ تنظيفها".
إنّ فكرة الاستيلاء على غزة من شأنها أن تدخل الولايات المتحدة في وسط الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بطريقة حاول الرؤساء منذ عهد هاري إس ترومان تجنّبها.
لطالما زوّدت الولايات المتحدة "إسرائيل" بالأسلحة ودعمتها دبلوماسياً وحاولت التوسّط في صفقات السلام. لقد خدم عدة مئات من القوات الأميركية كقوات حفظ سلام في سيناء لأكثر من أربعة عقود، وأمر بايدن القوات الجوية والبحرية الأميركية مرتين بالدفاع عن "إسرائيل" العام الماضي ضدّ الهجمات الصاروخية الإيرانية.
لكنّ الرؤساء الأميركيين تجنّبوا نشر قوة كبيرة من القوات البرية الأميركية في "إسرائيل" أو الأراضي الفلسطينية والتي من المفترض أن تكون مطلوبة للسيطرة على غزة. حتى في العام الماضي عندما أقام الجيش الأميركي رصيفاً عائماً مؤقتاً لتوصيل الإمدادات الإنسانية إلى غزة، حرصت إدارة بايدن على عدم نزول القوات الأميركية إلى الشاطئ.
وقال آرون ديفيد ميلر، المفاوض السابق في عملية السلام في الشرق الأوسط والذي يعمل الآن في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أنه "من الآمن أن نقول إنّ هذا لا يمكن أن يحدث، على الأقل كما وصف ترامب خطته"؟
وأضاف ميلر أنّ إعلان خطة ترامب بشأن غزة كان بمثابة تشتيت للانتباه عن بقية الاجتماع بين ترامب ونتنياهو، والذي لم يتعرّض لضغوط عامّة حقيقية لتمديد اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ الشهر الماضي، مما ترك له الكثير من الحرية حول كيفيّة المضي قدماً.
نقلته إلى العربية: بتول دياب.