"فورين بوليسي": ما أكبر التهديدات العالمية للولايات المتحدة؟
الإصدار الثامن للدراسات الاستشرافية السنوية عن أهم 10 مخاطر عالمية، يقدمه "مجلس الاستخبارات الوطني" الأميركي، الخبير في التكهنات. ماذا يتضمن؟
مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تنشر فحوى الإصدار الثامن للدراسات الاستشرافية السنوية، عن أهم 10 مخاطر عالمية، ماذا يتضمن؟
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
هذا هو الإصدار الثامن للدراسات الاستشرافية السنوية عن أهم 10 مخاطر عالمية، يقدمه "مجلس الاستخبارات الوطني" الأميركي، الخبير في التكهنات، ولديه ثقة متوسطة إلى عالية بالاحتمالات جميعها، التي حددها لسلسلة المخاطر، نظراً إلى مستوى المعلومات الموثوقة المتاحة بين يديه. وكما هي الحال مع تقديرات أجهزة الاستخبارات، فإنّ الحكم الذي يتمتّع بثقة عالية أو متوسّطة لا يزال يُحتمل أن يكون خاطئاً.
أميركا المارقة
الخطر الأكثر إلحاحاً والاضطراب والفوضى ترافق سعي الإدارة الأميركية الجديدة لتحقيق أهداف تتنافس في التناقضات، مثل رفع الرسوم الجمركية بدلاً من انخفاض الأسعار والمحافظة على قوّة الدولار، ومناهضة العولمة بشعار "أميركا أوّلا" في مقابل التفوّق الأميركي العالمي الكبير. وكلّ ذلك يحدث في وقت أصبح العالم أكثر فوضوية وتعقيداً وخطورة، ممّا كان عليه في ولاية ترامب الأولى.
قد يكون دونالد ترامب أوّل رئيس أميركي غير مغرم بالقيم الديمقراطية أو "الاستثنائية الأميركية". وخطابه يزدهر في عالم "هوبزي" نسبة لفلسفة توماس هوبز الإنكليزي، بحيث التعامل يقوم على مبدأ الكلّ ضدّ الكلّ. كذلك ينذر ازدراء العولمة بين أنصار ترامب "اجعلوا أميركا عظيمة مرّة أخرى"، بالتوجه نحو تدابير اقتصادية أحادية الجانب لحماية الاقتصاد الأميركي. ومع ذلك، فإنّ خوف ترامب من الحرب يعني أنّ التدخّلات العسكرية الأميركية في الخارج ستكون محدودة ومتراجعة كما كانت في ولايته الرئاسية الأولى.
المؤسّسات متعدّدة الأطراف، مثل صندوق النقد والبنك الدوليين والأمم المتّحدة وحلفاء واشنطن، شكّلت في مجموعها ركائز النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتّحدة، ويشهد الآن على تراجع في ضمانتها، إن لم يكن عداء في التزاماتها. وبالنسبة إلى سائر العالم، انعزالية الولايات المتّحدة في عهد ترامب لا بدّ من أنّ تغذّي الشكوك في صدقيتها واهتمامها بالردع الموسّع، الذي سيشجّع الدول على مزيد من السلوك الاحترازي.
والأهمّ من ذلك هو سياسات ترامب الاقتصادية، التي ستتمحور بشأن رفع الرسوم الجمركية بمستويات تتراوح بين 10% و20% على جميع أنواع الواردات، ونحو 60% أو أكثر على الواردات من الصين، و25% إلى 100% على الصادرات المكسيكية والكندية. وكل ذلك يهدّد بتباطؤ النموّ وارتفاع الأسعار والتضخّمِ وانخفاض الإنتاجية في البلاد. ومن شأن جولة مكلّفة من الانتقام مع أوروبا، زائداً التخفيضات التنافسية في قيمة العملة، أن تزيد في المخاطر على الاستقرار المالي العالمي، وقد يؤدّي إلى حرب اقتصادية شاملة مع الصين. ومن المرجّح أن يكون هناك تسارع في التفتّت الاقتصادي العالمي. وزيادة الاتّجاهات الحمائية، التي يقول عنها صندوق النقد الدولي، قد تخفّض الناتج المحلّي الإجمالي العالمي بنسبة 1.6% بحلول العام المقبل.
ومع ذلك، فإن رؤية ترامب لنفسه صانعَ صفقات قد يكون لها جانب إيجابي، إذا سعى لاستخدام أساليب المساومة القسرية لإقناع الصين بعدم زيادة إغراق الأسواق، وإبرام صفقة مع إيران تخفّف حدّة التوتّرات الإقليمية، والانخراط في تشجي مزيد من تقاسم الأعباء مع الحلفاء. كذلك، فإنّ سياسات ترامب السابقة مع كوريا الشمالية والصين وأفغانستان لا توحي بالثقة به هذه المرّة أيضاً.
أزمات متتالية في الشرق الأوسط
حرب "إسرائيل" على غزّة ولبنان ومعضلة القضية الفلسطينية تزيدان في مستويات المخاطر، وخصوصاً بعد انهيار نظام الحكم في سوريا، بحيث يتزايد إمكان اندلاع مرحلة جديدة من الصراع الأهلي في البلاد، بسبب تنافس القوى الخارجية مثل تركيا و"إسرائيل" والولايات المتّحدة وروسيا والأطراف الداخلية في تشكيل سوريا ما بعد الأسد. كذلك، فإنّ تصاعد الصراع الإسرائيلي الإيراني يدلّ على مدى التحوّلات التي يشهدها الشرق الأوسط، وقد لا تدركها الإدارة الأميركية الجديدة, وإنّ الأدوات، التي استُخدمت في ولاية ترامب الأولى، مثل التطبيع العربي الإسرائيلي والضغط الأقصى على طهران، قد تؤدّي على الأرجح إلى تأجيج الصراع أكثر من حلّه.
مع النجاحات الإسرائيلية في تسديد الضربات لحركة "حماس" وحزب الله"، لم تهدأ الحرب على غزّة بعد. وليس لدى نتنياهو خطّة واضحة لما بعد الحرب، واتّفاق وقف إطلاق النار في لبنان هشّ بوضوح، ولم تتمّ هزيمة "حزب الله".
ومع إعطاء ترامب الضوء الأخضر لـ"تلّ أبيب" للمضي قدماً في مخطّطاتها، وترشيح مايك هاكابي لمنصب سفير الولايات المتّحدة في "إسرائيل"، وهو مؤمن قوي بمزاعم "إسرائيل" بامتلاك الأرض الفلسطينية، قد تكون الخطوة التالية لحكومة نتنياهو هي الضمّ الجزئي أو الكامل للضفّة الغربية، الأمر الذي سينهي مخطط التطبيع السعودي الإسرائيلي، ويؤسّس مجموعة جديدة من الصراعات الإقليمية، التي يمكن أن تنجرّ إليها الولايات المتّحدة بكلّ سهولة.
اشتباك الولايات المتّحدة مع المكسيك
يتداول فريق ترامب ويناقش ما إذا كانوا سيقرّر غزو المكسيك، ويطرد منها أباطرة تجارة المخدّرات. وكان ترامب هدّد المكسيك فجأة بفرض تعرفات جمركية على واردات المكسيك بنسبة 25% لحثّها على ضبط حدودها وصدّ تدفّق المخدّرات منها إلى الولايات المتّحدة، وخصوصاً مادّة الفنتانيل. كذلك، تعهّدت الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم ردّاً انتقامياً ضد زيادة تعرفات ترامب الجمركية، والتي يقدّر "دويتشه بنك" أنّها سترفع التضخّم الأساسي في الولايات المتّحدة أكثر من نقطة مئوية، وستؤثّر في سوق السيّارات بعمق في أميركا الشمالية.
وإذا كان ترامب يريد ترحيل 11 مليون مهاجر أو حتّى مليون، ممن يعيشون على نحو غير قانوني في الولايات المتّحدة، فهو في حاجة إلى مساعدة المكسيك من الناحية العملية. ومع أنّ المكسيك تقول إنّ لديها خطة لاستقبال المواطنين المرحّلين، لكنّ الرئيسة شينباوم تريد إقناع ترامب بالإبقاء على كثيرين منهم. وكان من المقرّر إجراء مراجعة مشتركة لاتّفاقية الولايات المتّحدة والمكسيك وكندا "يو أس أم سي آي" فِي العام المقبل. لكنّ ترامب يريد حظر الواردات المكسيكية المنتجة بمساعدة الصين مثل السيّارات الكهربائية قبل ذلك. ومن شأن ذلك أن يؤدّي إلى تدهور الاقتصاد المكسيكي بطيء النمو بالفعل.
وبسبب اتّفاقات التجارة الحرة طويلة الأمد مع الولايات المتّحدة، كان اقتصاد المكسيك تاريخياً أقرب إلى جارتها الشمالية من معظم دول أميركا اللاتينية. والآن قد تؤدي سياسات ترامب إلى صدامات عسكرية محتملة وحرب تجارية مكلّفة، ومع عمليّات الترحيل الجماعي يمكن لأجندة ترامب المعلنة أن تُغرق العلاقات الثنائية بين البلدين في أزمة واسعة النطاق، لكن ازدهار التجارة والاستثمار بين المكسيك والصين يمكن أن يرجّح كفّة الميزان لمصلحة البلدين في ساحة التنافس مع الولايات المتّحدة.
صفقة سيئة في أوكرانيا
يعتزم ترامب إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا وإلقاء اللوم على الرئيس جو بايدن لأنّه لم يمنع وقوعها. ويريد ترامب أيضاً أن تقلّل أوروبا اعتمادها على الولايات المتّحدة في أمنها. ووقف الحرب في أوكرانيا خطوة أولى في هذا الاتّجاه، بينما تتزايد معارضة الجمهوريين ضدّ تقديم مزيد من المساعدات إلى أوكرانيا، الأمر الذي يساعد على دفع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نحو طاولة المفاوضات. ومع تزايد الخسائر الأوكرانية، تبدو كييف، من دون أن تعترف بذلك صراحة، يائسة من تحقيق وقف إطلاق النار، لأنّ توجه ترامب قد يسمح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بترجيح كفّة الميزان لمصلحته.
سيواجه ترامب معارضة محلّية وأخرى من الحلفاء إذا ضغط على أوكرانيا بشدّة للحصول على تنازلات موجعة، وأعدم مطلب زيلينسكي بشأن الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وتعويض أوكرانيا بضمانات أمنية ثنائية، والتي لن يعارضها بوتين بشرط أن تكون أوكرانيا محايدة. وفي مسألة وقف لإطلاق النار قد يشترط الزعيم الروسي إجراء محادثات أوسع نطاقاً بشأن الترتيبات الأمنية الأوروبّية، وقد يرغب في تخفيف بعض العقوبات الغربية عن بلاده، واستعادة إمكان الوصول إلى الأسواق المالية الغربية لتحسين التوقّعات الاقتصادية القاتمة لروسيا.
كذلك، تنتهي صلاحية معاهدة "ستارت" الجديدة في العام المقبل، وكلا الجانبين الأميركي والروسي لديه مصلحة في تجنّب سباق التسلح، على الرغم من أنّ روسيا علّقت التزامها في المعاهدة في عام 2023. وقد يكون قرار الولايات المتّحدة الأخير نشر صواريخ في ألمانيا مصدر قلق، وقد ترغب موسكو في إحياء معاهدة القوّات النووية متوسّطة المدى. وتوفّر المفاوضات مع ترامب لبوتين أفضل فرصة لوضع حدود لتدخل الولايات المتّحدة في الأمن الأوروبي. ويتمثّل الخطران المزدوجان بأن يضغط ترامب على أوكرانيا لإبرام صفقة على شكل اتّفاق مع بوتين، أو أن ينسحب عندما لا يتوصّل إلى اتّفاق مبكّر، ويعلن أنّها مشكلة أوروبية. وقد يؤدّي هذا إلى تحقيق مزيد من المكاسب الروسية، وإلى تأكُّل قدرة أوكرانيا على العمل كدولة ذات سيادة.
الصين تردّ الضربة
يلُوح في الأفق توتّر بين "صقور الصين" والمستشارين الذين يركّزون على الأعمال التجارية في حكومة الرئيس المنتخب، الذي يستهويه عقد الصفقات، مع أنّه كانت هناك استمرارية من ترامب إلى بايدن في تعريف الصين كمنافس استراتيجي يهدف إلى إزاحة النفوذ الأميركي العالمي. لكن، يزعم مهندسو سياسات بايدن، ويشيرون إلى الإطار الذي أنشأه لإدارة التعايش التنافسي وموازنة تقييد بكين مع وضع حواجز وقائية لتجنّب الصراع. وبهذا حافظ بايدن على التعرفات الجمركية ووسعها، وشدّد القيود على التكنولوجيا والاستثمار، وفرض العقوبات وعزّز الردع الأميركي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، لكنّه عزّز أيضا آليّات الحدّ من المخاطر عبر المحادثات الدائمة بين العسكريين في كلا البلدين.
ترامب والعديد من مستشاريه، فضلاً عن الجمهوريين في الكونغرس، ينتقدون بايدن لمحاولته إدارة المنافسة، وهم ينظرون إلى "الحزب الشيوعي الصيني"، كونه تهديداً وجوديّاً، ويحدّدون نهاية اللعبة ليس بالتعايش بين القوّتين، بل بالحسم الأميركي حيث يستبدل الحزب المذكور عبر الضغط الذي تسعى مشاريع القوانين المعلّقة في الكونغرس لفرض عقوبات كوسيلة لإضعاف الصين في المجالات جميعها، وتعزيز الموقف العسكري الأميركي في آسيا، والردّ بشكل أكثر عدوانية على الضغط الصيني على جزيرة تايوان وبحر الصين الجنوبي. وهذا من شأنه أن يعمّق دوّامة الفعل وردّ الفعل. وسوف يقع التحوّل الوشيك من الحدّ من المخاطر إلى الانفصال وفكّ الارتباط تماما بين الولايات المتحدة واقتصاد الصين.
كذلك، فإن التشريعات المعلقة في مجلسي النوّاب والشيوخ تسعى لإزالة الوضع التجاري الطبيعي مع الصين. وهذا من شأنه أن يؤثّر في أسعار الواردات، ويمتدّ عبر سلاسل التوريد العالمية باستخدام المكونات الصينية.
لكن بكين، التي أصبحت أقلّ اعتماداً على السوق الأميركية مقارنة بفترة ترمب الأولى، استعدّت للانتقام. وقد يشمل هذا فرض رسوم جمركية مضادّة، وخفض قيمة العملة، وحظر صادرات المعادن النادرة التي تعتمد عليها المعدّات الدفاعية الأميركية، والمركبات الكهربائية، وأشباه الموصلات. وهذا ما فعله الرئيس الصيني شي جين بينغ مؤخّراً في استجابة قوية غير متوقّعة لحظر بايدن الأخير على الرقائق الإلكترونية.
بالإضافة إلى أنّ ترمب قد يفرض رسوماً جمركية إضافية على دول مثل المكسيك وفيتنام والهند، التي ارتفعت صادراتها الأميركية بشكل كبير مع نقل المستثمرين الأميركيين لعمليات الإنتاج إلى هناك باستخدام مكوّنات صينية. وقد تسفر النكسة المتوقّعة لكلا الاقتصادين عن حرب اقتصادية شاملة، إلى التوصّل إلى اتّفاق في نهاية المطاف.
العدوان الكوري الشمالي
حين أرسلت إيطاليا وألمانيا النازية في ثلاثينيات القرن الماضي مساعدات عسكرية وقوات لمساعدة الفاشيين في الحرب الأهلية الإسبانية، عُدّ الأمر نذيراً بحرب عالمية مقبلة. وهذا ما تكرره اليوم كوريا الشمالية بإرسال 10000 جندي لمساعدة روسيا في أوكرانيا، في خطوة خلّفت صدى مقلقاً في الأوساط الغربية.
وكان الوفاق الأوراسي الناشئ أحد التحوّلات الاستراتيجية العديدة، التي تكشّفت منذ فشل قمّة ترامب والرئيس كيم جونغ أون في هانوي في عام 2019، الأمر الذي أدّى إلى مأزق أكثر خطورة من أيّ وقت مضى منذ العام 1950. وقوّض الزعيم الكوري الدبلوماسية النووية بين الولايات المتّحدة وكوريا الجنوبية على مدى الأعوام الـ 30 الماضية، برفض الهدفين المزدوجين المتمثلين بنزع السلاح النووي والمصالحة بين الشمال والجنوب. وتخلّى كيم جونغ أون أيضاً عن أولوية تطبيع العلاقات بالولايات المتحدة بعد فشل القمّة المذكورة مع ترامب في هانوي. ثمّ شرع في بناء مشروع صواريخ فرط صوتةي تحمل رؤوساً نووية، بما في ذلك الصواريخ الباليستية العابرة للقارّات التي تعمل بالوقود الصلب، والصواريخ ذات الرؤوس الحربية المتعددة، والأسلحة النووية التكتيكية.
وإلى جانب تصريحات الزعيم الكوري الحاسمة بأنّ بيونغ يانغ لن تتخلّى عن أسلحتها النووية وهي راسخة في دستورها وعقيدتها النووية "الاستباقية"، كذلك، تؤدي الاتّفاقية الدفاعية بين روسيا وكوريا الشمالية، إلى تغيير التوازن الاستراتيجي في شبه الجزيرة الكورية. وبالإضافة إلى ذلك، تخلّى زعيم كوريا الشمالية في السنة الفائتة عن سياسة إعادة التوحيد التي استمرّت عقوداً، وأعلن كوريا الجنوبية "دولة معادية"، وغيّر دستور البلاد رسميّاً.
وإذا تصاعدت الحرب في أوكرانيا، أو إذا هاجمت الصين تايوان، وتدخّلت القوّات الأميركية في أيّ من الصراعين، فقد يرى كيم تحويل التركيز والموارد الأميركية فرصةً لمهاجمة كوريا الجنوبية، الأمر الذي يعرّضُها لخطر حرب على جبهتين مع القوى النووية. ويتمثّل الخطر المباشر بتصعيد المواجهة العسكرية بين شمالي كوريا وجنوبيها بشأن حدودهما البحرية المتنازع عليها.
تحوّل المناخ
يقترب العالم من نقطة تحوّل في المناخ، بحيث قد يصبح التغيير لا رجعة فيه. والحدّ من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وأقلّ من درجتين مئويتين، هو هدف اتّفاقية باريس. ومع ذلك، كان عام 2024 هو العام الأشدّ حرارة على الإطلاق، وشهد طقساً أكثر تطرّفاً من السابق بكثير.
ولتحقيق أهداف باريس للمناخ، يجب خفض الانبعاثات العالمية بنسبة 43% بحلول عام 2030 للوصول إلى صافي صفر بحلول عام 2050، وهو ما يتطلّب تحوّلاً في أنظمة الطاقة العالمية. حاليّاً، وصلت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية إلى مستويات قياسية، بحيث من المتوّقع أن يصل إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في عام 2024 إلى 41.6 مليار طنّ متري. وتتوقّع وكالة الطاقة الدولية أن ترتفع إلى 20% بحلول عام 2030. ويمثّل الوقود الأحفوري بنحو 82% من استهلاك الطاقة وهو ثابت، ولم ينخفض بصورة ظاهرة.
تتجسّد هذه المفارقة في استمرار استخدام الوقود الأحفوري وسط ارتفاع الاستثمار في الطاقة المتجدّدة إلى نحو 3 تريليونات دولار من الاستثمارات العالمية في العام الماضي. وفي الصين التي تمثّل 40% من الطاقة المتجدّدة المنتشرة في العالم، و60% من مبيعات السيارات الكهربائية، احتاجت إلى 1000 غيغاوات أنتجتها من طاقة الفحم منذ عام 2000.
كلّ هذا يساعد على تفسير سبب فشل الجهود المبذولة في اجتماع الأمم المتّحدة الأخير بشأن المناخ في أذربيجان، للاتّفاق على جدول زمني للتخلّص التدريجي من الوقود الأحفوري. وتتحمّل الصين والولايات المتّحدة والهند والاتحاد الأوروبي وروسيا والبرازيل معاً ما يقرب من ثلثي الانبعاثات السنوية الحالية، ولتحديد كيفية تقسيم المسؤوليات الحالية والتاريخية تبقى مشكلة دبلوماسية شائكة.
وتشير الاتّجاهات إلى تعميق هذه المخاطر، وخصوصاً أنّ ترامب سوف يروّج الوقود الأحفوري ويتراجع عن التزامات الولايات المتّحِدة المتعلّقة بالمناخ والبيئة.
عقد ضائع لأفقر سكّان العالم
يعيش نحو 3.3 مليارات شخص في دول تنفق على فوائد الديون أكثر ممّا تنفقه على الصحّة والتعليم. والعجز المتزايد والديون مشكلة عالمية كبيرة، كان حذّر منها صندوق النقد الدولي في العام الماضي، وأوضح أنّ الدين العامّ العالمي من المرجّح أن يتجاوز 100 تريليون دولار، أو نحو 93 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي العالمي، بحلول نهاية عام 2024، وهو ما يزيد بمقدار 10 نقاط مئوية على مستوى عام 2019.
وأدّى انتشار جائحة كورونا إلى تفاقم الوضع أكثر، بحيث تجاوزت نِسَب الدين باستمرار 50% بعد عام 2020. وفي عام 2023، كانت نِسَب الدين إلى الناتج المحلّي الإجمالي في عدد من البلدان الأقل نموّاً أعلى من مثيلاتها في البلدان النامية الأخرى للمرّة الأولى، على الرغم من انخفاض قدرة الأولى على السداد. وهناك مخاوف من أنّ ارتفاع أسعار الفائدة الغربية أو الكوارث المدمّرة المرتبطة بتغير المناخ قد يؤدّي إلى تفاقم التوقّعات.
وهناك مفارقة مأسَوية في أن البلدان الفقيرة الأكثر عرضة لتغير المناخ "تنفق بالفعل أكثر من ضعف ما تنتجه لسداد ديونها لمكافحة أزمة المناخ"، وفقاً لإفادة "المعهد الدولي للبيئة والتنمية". كما أنّ المساعدات الإنمائية الرسمية من الدول الغنية آخذة في الانخفاض، ولن تفعل اتّفاقية "كوب 29" شيئا لتعزيز المساعدات للدول الفقيرة.
ومع تدهور التوقّعاتِ بالنسبة إلى الدول ضعيفة النموّ، وصل عدد النزاعات المسلّحة النشطة إلى أعلى مستوى سُجّل إطلاقاً، مع ارتفاع عنف العصابات أيضاً إلى مستويات تاريخية. وتخدع الدول الغنية نفسها بالاعتقاد أنّ هذه النزاعات لن تنتشر وتؤثّر في مستقبلها.
هل باكستان ونيجيريا أكبر من أن تفشلا؟
تعاني القوى المتوسطة المحورية، مثل نيجيريا وباكستان، محنة الدول النامية الأكثر فقراً وأكثر الدول تضرّراً من الأزمة المالية العالمية. فإذا استقرّتا فإنّهما تضعان الأمر كمرتكز رئيس، وإذا فشلتا فسوف تكونان بمنزلة مركز لعدم الاستقرار العالمي. ووصف الرئيس النيجيري السابق، أولوسيغون أوباسانغو، مؤخّراً بلاده بأنّها "دولة فاشلة"، مستشهداً بفشل القيادة ومشاكل أساسية مثل الإحباط بين الشباب، والخلافات والانقسامات، والفساد، والصراع. وإلى الشمال، تغرق منطقة الساحل الأفريقية في صراعات متعدّدة تساهم الجماعات الإرهابية التي تتخذ من نيجيريا مقرّاً لها في تأجيجها.
وتقف باكستان المسلّحة نوويّاً، كخامس أكبر دولة في العالم، على شفا أن تصبح أوّل قوّة نووية فاشلة في العالم. فقد تلقّت 23 عملية إنقاذ من صندوق النقد الدولي خلال 75 عاماً، أي طوال فترة وجودها كدولة تقريباً. وارتفعت ديونها منذ عام 2007، الأمر الذي عزّز "اقتصاداً يركّز على الاستهلاك وإدمان الاستيراد"، وفقاً لمركز "تبادل"، وهو مركز أبحاث مقرّه إسلام آباد. ولا يمكن للنمو الفاتر في باكستان أن يخلق فرص عمل كافية للشبان الذين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً، والذين يشكّلون أكثر من نصف سكان البلاد. كما أنّ أغلبية النساء في سن العمل لسنَ منخرطات في أيّ من قطاعاته، الأمر الذي يقلّل إمكانات باكستان الاقتصادية. كما أنّ باكستان تواجه أزمة سياسية بسبب سجن رئيس الوزراء السابق عمران خان، القضية التي أثارت أعمال شغب في إسلام آباد، إلى جانب موجة من هجمات المتشدّدين في إقليمي خيبر بختونخوا وبلوشستان.
عجز حوكمة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي
يتزايد الخوف من هيمنة الذكاء الاصطناعي على البشر، وليس العكس. تعمل النماذج اللغوية الكبيرة للذكاء الاصطناعي التوليدي على تحسين قدراتها بسرعة، ويتوقّع البعض حدوث اختراقات في الذكاء الاصطناعي بقدرات تنافس التفكير البشري بحلول عام 2030. وقد يكون الاندفاع المدعوم من إيلون ماسك في مجال الذكاء الاصطناعي خطيراً.
ومع ذلك، يشعر المحلّلون الماليون بالقلق من أنّ الاستثمارات المتوقّعة في مجال الذكاء الاصطناعي، والتي تبلغ قيمتها تريليون دولار في الأعوام المقبلة، ستفتقر إلى التطبيقات التجارية. لكن، كيف سيؤثّر ماسك، الذي أنفق 200 مليون دولار للمساهمة في انتخاب ترامب، وإلى جانبه لوبي التكنولوجيا على المعايير واللوائح التي لا تزال غير الواضحة للذكاء الاصطناعي وغيرها من التقنيات الناشئة، بحيث لا توجد معايير وطنية أو عالمية، على الرغم من وجود أكثر من 120 مشروع قانون معلّقاً في الكونغرس، كما أنّ هناك 45 ولاية لديها تشريعات معلّقة أيضاً بخصوص الشأن ذاته.
وللتعويض من الخلل التشريعي، سعت إدارة بايدن لوضع معايير وإطار تنظيمي "لأنظمة ذكاء اصطناعي آمنة ومأمونة وجديرة بالثقة" في عام 2023، تلتها مذكّرة لمواءمة الذكاء الاصطناعي مع أهداف الأمن القومي.
تعهّد ترامب، فعلاً، إلغاء الأمر التنفيذي لبايدن، والخاصّ بالذكاء الاصطناعي. ومن غير المرجّح أن يوائم المعايير واللوائح مع الشركاء أو المنافسين العالميين. قد يكون المستقبل سباقاً نحو القاع، أو قد تكون هناك احتمالات لم يتخيّلها أحد بعدُ.
نقله إلى العربية: حسين قطايا