"فورين بوليسي": تصرفات "إسرائيل" تضرب أسس القانون الدولي

إنّ العمل الجماعي للدول فقط هو القادر على إنهاء إفلات "إسرائيل" من العقاب.

0:00
  • أب فلسطيني يحمل جثمان طفلته التي استشهدت في إثر غارة إسرائيلية في قطاع غزة

مقال كتبه رئيس جنوب أفريقيا، ورئيس وزراء ماليزيا، ورئيس كولومبيا، والمنسّقة العامّة للمنظّمة التقدّميّة الدولية والرئيسة المؤقتة لمجموعة لاهاي، ونشرته مجلة "فورين بوليسي" يتناول الانتهاكات الإسرائيلية بحقّ الفلسطينيين. 

وتحدّث كاتبو المقال عن "مجموعة لاهاي"، التي تأسست مؤخّراً بهدف الدفاع عن القانون الدولي، الذي تنتهكه "إسرائيل".

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

ما الذي تبقّى من النظام الدولي؟ لأكثر من 500 يوم، انتهكت "إسرائيل" بشكل منهجي القانون الدولي في غزة، بفضل الدول القوية التي وفّرت لها الغطاء الدبلوماسي والمعدّات العسكرية والدعم السياسي. وقد وجّه هذا التواطؤ ضربة مدمّرة لسلامة ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه الأساسية بشأن حقوق الإنسان والمساواة وحظر الإبادة الجماعية. إنّ النظام الذي يسمح بقتل ما يقدّر بنحو 61 ألف شخص قد فشل بالفعل.

إنّ الأدلة التي تمّ بثّها مباشرة على هواتفنا والتي تمّ تقييمها من قبل المحاكم العليا في العالم لا لبس فيها. من الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن احتلال "إسرائيل" غير القانوني للأراضي الفلسطينية، إلى أوامر الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحقّ كبار قادة "إسرائيل"، إلى التدابير الأولية الصادرة في قضية اتفاقية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا، تشكّل تصرّفات "إسرائيل" انتهاكات واضحة للقانون الدولي.

ولكن على الرغم من هذه الأحكام، فإنّ الانتهاكات مستمرة، بفضل الدول التي تتحدّى بوقاحة المحاكم العليا في العالم، بفرض عقوبات على المسؤولين والموظفين وعملاء المحكمة الجنائية الدولية والتحدّي الصريح لأوامر المحكمة. إنّ الاقتراح الأخير الذي قدّمه الرئيس الأميركي دونالد ترمب "بالسيطرة" على غزة، أي ضمّها ثمّ التطهير العرقي للسكان الفلسطينيين وترحيلهم إلى مصر والأردن، يضرب أسس القانون الدولي بحدّ ذاتها، التي يتعيّن على المجتمع الدولي الدفاع عنها. ومثل هذه الإجراءات، إذا ما تمّ تنفيذها، تشكّل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي والمبادئ الأساسية المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة.

إنّ الهجوم على الشعب الفلسطيني يذكّرنا بفصول مظلمة في تاريخ بلداننا، جنوب أفريقيا في ظلّ نظام الفصل العنصري، وكولومبيا أثناء مكافحة التمرّد، وماليزيا تحت الحكم الاستعماري. وتذكّرنا هذه النضالات بأنّ الظلم في أيّ مكان يشكّل تهديداً للعدالة في كلّ مكان. قد ننتمي إلى قارات مختلفة، لكننا نشترك في الاعتقاد بأنّ السكوت هو تواطؤ في مثل هذه الجرائم. والدفاع عن الحقّ غير القابل للتصرّف للشعب الفلسطيني في تقرير المصير يعدّ مسؤولية جماعية.

في أيلول/سبتمبر 2024، اعتمدت الجمعية العامّة للأمم المتحدة قراراً تاريخياً يحدّد الالتزامات القانونية للدول بضمان إنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني، بأغلبية ساحقة من 124 دولة صوّتت لصالح القرار، مؤكّدة ضرورة "ضمان المساءلة عن جميع انتهاكات القانون الدولي من أجل إنهاء الإفلات من العقاب، وضمان العدالة، وردع الانتهاكات المستقبلية، وحماية المدنيين وتعزيز السلام". ولهذا السبب، أطلقنا، إلى جانب بوليفيا وكولومبيا وهندوراس وناميبيا، مجموعة لاهاي، وهو تحالف ملتزم باتخاذ إجراءات حاسمة ومنسّقة سعياً إلى محاسبة "إسرائيل" على جرائمها.

إنّ الالتزامات الثلاثة الافتتاحية لمجموعة لاهاي مدفوعة بضرورتين أساسيتين: إنهاء الإفلات من العقاب والدفاع عن الإنسانية.

ستلتزم حكوماتنا بمذكّرات الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضدّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن السابق يوآف غالانت، مع التشديد على التحقيقات والملاحقات القضائية المناسبة والعادلة والمستقلة على المستوى الوطني أو الدولي؛ وسنمنع السفن التي تحمل الإمدادات العسكرية إلى "إسرائيل" من استخدام موانئنا؛ وسنمنع جميع عمليات نقل الأسلحة التي قد تؤدي إلى تمكين المزيد من الانتهاكات للقانون الإنساني.

لا يمكن بناء الأسلحة المتقدّمة من دون المعادن والمكوّنات والتكنولوجيا وشبكات اللوجستيات التي تمتدّ عبر القارات. ومن خلال تنسيق سياساتنا، نهدف إلى بناء حصن للدفاع عن القانون الدولي.

إنّ الهدف من هذه الجهود ليس تقويض التعدّدية؛ بل إنقاذها. وكما اتّحد المجتمع الدولي ذات يوم لتفكيك نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، من خلال ضغوط قانونية واقتصادية ودبلوماسية منسّقة على نحو مماثل، يتعيّن علينا الآن أن نتحد لفرض القانون الدولي وحماية الحقّ غير القابل للتصرّف للشعب الفلسطيني في تقرير المصير. والبديل هو الاستسلام لعالم حيث القوة وحدها هي التي تحدّد القوانين المهمة والقوانين الأخرى التي يمكن انتهاكها متى شاءت. إنّ وقف الأعمال العدائية مؤخّراً، وتبادل الأسرى، وعودة الأسر الفلسطينية النازحة تشكّل خطوات مرحّباً بها نحو التوصّل إلى حلّ سلميّ لهذه الكارثة التي لا تطاق. ومع ذلك، فقد ثبت بالفعل أنّ وقف إطلاق النار هشّ، وأصبحت مسؤوليتنا الجماعية في ضمان السلام الدائم ملحّة للغاية الآن.

إنّ النظام الدولي لا يمكن أن يصمد إذا تعرّض للتقويض من قِبَل أولئك الذين يستخدمون حقّ النقض والعقوبات لحماية الحلفاء أو يستخدمون المساعدات والتجارة كأدوات للإكراه. والهدف من التهديد بالعقاب هو إجبار البلدان على استخدام لغة الترجّي. ولا يمكننا أن نبقى مكتوفي الأيدي ونضطر إلى إطلاق المطالب والدعوات بينما يتمّ تدمير مبادئ العدالة التي تدعم نظامنا الدولي.

نقلته إلى العربية: بتول دياب.