"فورين أفيرز": السودان يتفكك

الحرب تمزّق أوصال البلاد مرة جديدة، وتقسيم البلاد قد بدأ فعلياً.

  • الحرب في السودان مزّقت البلاد
    الحرب في السودان مزّقت البلاد

مجلة "فورين أفيرز" الأميركية تنشر مقالاً يناقش الوضع الراهن للحرب في السودان، ويقول إنّ الحرب مرشّحة للاستمرار بسبب تعقيدات داخلية وتدخّلات خارجية. ويتطرّق النص إلى الحالة العسكرية، وفرص السلام، ومستقبل البلاد الذي يتجه نحو التقسيم.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

بعد عامين من الصراع المدمّر، وصلت الحرب الأهلية في السودان إلى طريق مسدود. فمنذ بداية عام 2025، حقّقت القوات المسلحة السودانية والميليشيات المتحالفة معها مكاسب كبيرة ضد قوات الدعم السريع، الميليشيا القوية المتهمة بارتكاب إبادة جماعية، في ظل تنافس الفصيلين على السيطرة على البلاد. وبحلول أواخر آذار/مارس، استعادت القوات المسلحة السودانية العاصمة الخرطوم والقصر الرئاسي السوداني، وطهّرت معظم المدينة من مقاتلي قوات الدعم السريع. ومع ذلك، من المُستبعد أن تتمكّن القوات المسلحة السودانية من هزيمة قوات الدعم السريع بشكل ساحق؛ إذ لا تزال الميليشيات تفرض سيطرتها على ربع الأراضي السودانية تقريباً، معظمها في غرب البلاد. في المقابل، يبدو مستحيلاً أن تتمكّن قوات الدعم السريع من استعادة الأراضي التي فقدتها في الأجزاء الشرقية والشمالية والوسطى من البلاد، وهي تركّز جهودها حالياً على تعزيز قبضتها على منطقة دارفور الشاسعة. وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، بدأت حدّة القتال في الانحسار، لكنها تشتدّ مرة جديدة في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، المعقل الأخير المتبقّي للقوات المسلحة السودانية في غرب السودان.

وبما أنّ خطوط المواجهة في الحرب تبدو مُحدّدة بشكل واضح، فإنّ السوابق التاريخية تُشير إلى أنّ الوقت الحالي هو الأمثل لوقف إطلاق النار أو حتى إجراء مفاوضات السلام. ففي الكثير من الصراعات الأفريقية السابقة، شجّع الجمود في ساحة المعركة الجهات الفاعلة الدولية على الضغط من أجل المفاوضات، كما حدث في عام 2005، عندما أنهت المباحثات التي تدعمها الولايات المتحدة الحرب الأهلية السودانية الثانية بعد أكثر من عقدين من القتال بين المتمرّدين الجنوبيين والخرطوم. وقد يبدو التقسيم القانوني، الشبيه بانفصال جنوب السودان عام 2011، الخيار الأقل سوءاً. ولا شك في أنّ الشعب السوداني يحتاج إلى هدنة؛ فقد دمّر الصراع الأخير البلاد، مخلّفاً وراءه ما يصل إلى 150 ألف قتيل، ونحو 13 مليون نازح، وما يصل إلى 25 مليون شخص يواجهون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي أو المجاعة.

ولكن في حالة الحرب الأهلية الحالية في السودان، فإن أيّ أمل في أن تُفضي المفاوضات، إن أمكن البدء بها، إلى سلام دائم هو أمل خادع. فقد أدّى الصراع إلى تعميق الانقسامات العرقية والإقليمية القائمة؛ كما أنّ الفظائع التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، على وجه الخصوص، جعلت المفاوضات غير مستساغة بالنسبة للكثير من الجهات الداعمة للقوات المسلحة السودانية. في الوقت نفسه، هناك مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة - بما في ذلك دول أجنبية قوية – لديها مصلحة في بقاء الفصائل التي دعمتها قوية قدر الإمكان. وهذا الأمر يُصعّب عملية التوصّل إلى تسوية سلمية تُفضي إلى تشكيل حكومة واحدة.

بالإضافة إلى ذلك، يُشير التاريخ بقوة إلى أنّ أيّ نوع من التقسيم المناطقي لن يُحقّق الاستقرار. فانفصال جنوب السودان لم يخفّف من حدّة الصراع الذي يفتك بالمنطقة، بل أدّى إلى نقل المعركة فحسب، بحيث تفكّكت الجماعة المتمرّدة التي حاربت الخرطوم وبدأت فصائلها في قتال بعضها البعض. وفي حال استمرّت الأطراف المتحاربة في رفض وقف إطلاق النار أو محادثات السلام، فقد يؤدي ذلك إلى حدوث انقسام بحكم الأمر الواقع بحيث يظل السودان اسماً على الخريطة فحسب، على غرار ما حدث في ليبيا واليمن. وستسيطر مراكز القوى المتنافسة على أجزاء مختلفة من البلاد، وسيواصل عدد من الجماعات التي تقاتل اليوم، إلى جانب الجماعات الجديدة التي قد تنشأ، القتال.

انقسامات طويلة الأمد

إنّ الحرب الأهلية السودانية الحالية أبعد ما تكون عن صراع مباشر بين طرفين. فقد بدأت كصراع بين فصيلين داخل جهاز الأمن في البلاد؛ القوات المسلحة السودانية بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف أيضاً باسم حميدتي. وكان البرهان وحميدتي قد تحالفا للإطاحة بالحكومة الانتقالية التي يقودها المدنيون والتي تشكّلت عقب الإطاحة بالديكتاتور السوداني عمر البشير في عام 2019، لكنهما انقلبا على بعضهما البعض في نيسان/أبريل 2023.

وعلى مدى العامين الماضيين، تحوّل الصراع إلى حرب أكبر شملت الكثير من الجماعات السودانية ورعاة أجانب يتمتعون بموارد كافية. وظهرت ميليشيات جديدة متحالفة مع فصيل، وانضمت جماعات مسلحة قديمة إلى القوات المسلحة السودانية أو قوات الدعم السريع. وتشمل المجموعات الأقدم الميليشيات القبلية والإقليمية الرئيسة، مثل جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة، وكلاهما متمركز في منطقة دارفور ومتحالفان مع القوات المسلحة السودانية، فضلاً عن الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال، وهي قوة متمردة قديمة تحالفت مع قوات الدعم السريع.

لا تدّعي القوات المسلحة السودانية ولا قوات الدعم السريع خوض الحرب لأسباب أيديولوجية. وعلى الرغم من أنّ قيادة القوات المسلحة السودانية وصفت معركتها بأنها معركة غير طائفية من أجل بقاء الدولة السودانية، إلا أنّ الإسلاميين سيطروا على قياداتها العليا لما يقرب من 4 عقود. وبعد أنّ سلّح نظام البشير ميليشيات الجنجويد لمواجهة تمرّد الجماعات غير العربية في دارفور، قام في عام 2013 بتنظيم هذه الميليشيات رسمياً ضمن قوات الدعم السريع. وعلى الرغم من أن الميليشيات المكوِّنة لقوات الدعم السريع متهَمة بشكل موثوق بارتكاب إبادة جماعية، فإن قوات الدعم السريع تتبنّى حالياً ادعاءات التهميش والحرمان نفسها من الحقوق التي عبّرت عنها ذات يوم الجماعات المتمردة العرقية التي كانت مكلّفة في الأصل بالقضاء عليها.

في الواقع، تُعدّ ثروات السودان المعدنية والزراعية الهائلة أحد أهم دوافع الحرب الحالية. إذ تتمتّع البلاد باحتياطيات ضخمة من الذهب، وتحتلّ المرتبة الثانية من حيث المساحة الصالحة للزراعة في أفريقيا، وتتنافس المصالح المحلية والأجنبية من أجل السيطرة على هذه الموارد. علاوة على ذلك، اصطفت فصائل أصغر حجماً وراء أحد الطرفين لخوض صراعات أكثر محلية على السلطة أو لتأمين ثروة شخصية. فعلى سبيل المثال، انحاز زعيم حركة العدل والمساواة، جبريل إبراهيم، إلى جانب القوات المسلحة السودانية، جزئياً، للحفاظ على منصبه المُدّر للأرباح كوزير للمالية في السودان.

ظاهرياً، قد تجعل حقيقة أن الحرب الأهلية في السودان مدفوعة بمصالح مادية وليست أيديولوجية احتمال التوصّل إلى تسوية تفاوضية أكثر قابلية للتطبيق، حتى لو كان التوصّل إليها معقّداً. وفي حال حصل كلّ فصيل هام على دليل ملموس يريده، تقول إحدى النظريات - إذا وُزِّعت امتيازات الموارد الطبيعية أو المناصب الوزارية بشكل مُرضٍ بين المتقاتلين - قد يتوقّف القتال. ومن الناحية النظرية، قد تؤدي حالة الجمود العسكري أيضاً إلى دفع المقاتلين للجلوس إلى طاولة المفاوضات. تمتلك القوات المسلحة السودانية جيشاً أكبر وقوّة جوية أعظم، لكنّ قوات الدعم السريع تتمتع بخبرة قتالية عالية ومهارة في تكتيكات التمرّد، ما يمنحها ميزة في حرب المدن، كما يتضح من قدرتها على السيطرة على الخرطوم والمدن الكبرى الأخرى لمدة عامين. وقد جرت محاولات كثيرة لعقد جولات محادثات، بما في ذلك مفاوضات رسمية بقيادة المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، ومحادثات سرية بتسهيل من مصر والإمارات العربية المتحدة. لكن جميع المحاولات باءت بالفشل.

التدخّل الأجنبي

لقد أساءت الجهود المبذولة لحلّ الصراع السوداني فهم ديناميكيّاته. وعلى الرغم من أنّ أياً من الطرفين لا يستطيع القضاء على الآخر، فقد تمكّنت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع من تحقيق مكاسب ميدانية، تغطي أجزاء من البلاد تعتبرانها دوائرهما الانتخابية المحلية والدولية الأكثر أهمية، والاحتفاظ بها. ورغم أنّ القتال بدأ بالانحسار، فإن الكثير من الجهات الفاعلة الرئيسة في الحرب غير راغبة في الدخول في تسوية من شأنها أن تضع حداً لتدفّق الأرباح التي تولّدها آلات الحرب الخاصة بها. 

وفي وقت سابق، سعى كلا الجانبين إلى الحصول على دعم خارجي لتمويل جهودهما الحربية. وقد حافظت الإمارات العربية المتحدة على العلاقة التي بنتها مع قوات الدعم السريع من عام 2015 وحتى عام 2019، عندما استأجرت هذه القوات للعمل كمرتزقة في اليمن. ومن أجل تأمين ممر تصدير للبضائع السودانية، أرسلت أبو ظبي طائرات شحن محمّلة بأسلحة متطوّرة وطائرات مُسيّرة ومركبات مدرّعة إلى قوات الدعم السريع عبر دولة تشاد، حليفتها (وجارة السودان الغربية). في المقابل، تسعى مصر إلى إيجاد حليف متعاطف في الخرطوم، بهدف تأمين نفوذها على نهر النيل في مواجهة مساعي إثيوبيا الرامية إلى ممارسة سلطتها على هذا الممر المائي الحيوي. ولتحقيق هذه الغاية، أرسلت القاهرة مساعدات عسكرية إلى القوات المسلحة السودانية، وقيل إنها شنّت غارات جوية ضد قوات الدعم السريع. كما تعتمد مصر على الموارد السودانية، المُهرّبة غالباً، لدعم اقتصادها المتعثّر.

وعلى الرغم من أنّ المملكة العربية السعودية نصّبت نفسها علناً كدولة صانعة للسلام، إلا أنها انحازت ضمناً إلى القوات المسلحة السودانية خلال الجولات الماضية من المفاوضات، ويرجع ذلك جزئياً إلى منافستها الإقليمية مع الإمارات العربية المتحدة. كما تسعى القوات المسلحة السودانية إلى التودّد إلى روسيا، التي تريد إنشاء قاعدة عسكرية في البحر الأحمر، وحصلت مؤخّراً على طائرات مُسيّرة من إيران وتركيا، وهما دولتان ترغبان أيضاً في الحصول على نفوذ أكبر على ممرات الشحن القريبة.

وبالنسبة لهؤلاء الشركاء الدوليين، لا تختلف حالة الجمود غير الرسمي كثيراً عن السلام المتفاوض عليه. وما دامت منطقة سيطرة كلّ تحالف محدّدة بشكل واضح، فقد تستمر الأنشطة الاقتصادية المهمة لهذه الجهات الراعية من دون عناء التفاوض على حلّ سياسي صعب. وبإمكان الداعمين الأجانب الحفاظ على خطوط الإمداد المربحة من دون تكبّد الأعباء المرتبطة بالتعامل التجاري مع دولة شرعية (مثل القيود التنظيمية والرسوم الجمركية) أو الاحتجاجات الشعبية ضد استخراج الموارد التي تستفيد منها نخبة صغيرة.

روابط ضعيفة

لعلّ أكبر العوائق التي تقف أمام تحقيق سلام تفاوضي في السودان هي عوائق داخلية. فكلّ تحالف واسع متقلّب بصورة تنذر بالخطر، وعرضة للصراعات الداخلية والانقسامات. وبما أنّ القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع لا تمتلكان هوية عرقية أو طائفية ثابتة، أو مهمة أيديولوجية معلنة على الملأ، فإنّ القليل يحظى بولاء الميليشيات الحليفة الأصغر حجماً باستثناء الموارد التي تتلقّاها في الوقت الحاضر. وقد سبق أن شهدت الحرب انشقاق شخصيات رفيعة المستوى، أمثال أبو عاقلة كيكل وقوات درع السودان التابعة له. انضم كيكل في البداية إلى القوات المسلحة السودانية، ثم انشقّ عنها وانضمّ إلى قوات الدعم السريع في منتصف عام 2023، وكان له دور محوري في سيطرة الميليشيا على ولاية الجزيرة السودانية، مركز البلاد الخصيب. ولكن عندما استعادت القوات المسلحة السودانية المنطقة أواخر عام 2024، غيّر ولاءه مجدّداً.

لقد تجاوز هذا الصراع الروابط العرقية، متحدّياً الروايات المُبسّطة التي تصوّر حروب السودان على أنها نزاعات بين العرب والأفارقة، ما يجعل كلّ تحالف أقل قوة. فعلى سبيل المثال، في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، عندما استعادت القوات المسلحة السودانية ولاية الجزيرة، هاجمت بعض قواتها والميليشيات المرتبطة بها مجموعات عرقية غير عربية. ورداً على ذلك، ولحماية جماعات غير عربية أخرى، اشتبكت قوات جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة في الجزيرة مع ميليشيات عربية متحالفة مع القوات المسلحة السودانية، على الرغم من أنّ هاتين المجموعتين متحالفتان رسمياً مع القوات المسلحة السودانية.

وبقدر ما تستمر سيطرة الفصائل على الأراضي بالتحوّل على الهامش، قد يؤدّي ذلك إلى مزيد من الانشقاقات. ويشير الانسحاب الأخير لقوات الدعم السريع من وسط السودان إلى أنّ الميليشيا قد تكون على استعداد للتنازل عن تلك المنطقة للتركيز على تعزيز قبضتها على دارفور. وسيؤدّي ذلك إلى حرمان المجموعتين الدارفوريتين الرئيسيتين المتحالفتين مع القوات المسلحة السودانية - جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة - من أيّ أراضٍ خاضعة لسيطرتهما، ما يجعل الانشقاق مغرياً. وبالتالي، تؤدّي هذه الديناميكيات المُعقّدة إلى إفشال محادثات السلام، لأنه في كثير من الأحيان يكون من غير الواضح ما الذي يستطيع كلّ جانب تقديمه حقاً.

وحتى لو تسنّى التوصّل إلى هدنة قصيرة الأجل،فإنّ التشكيلة الكبيرة من الجماعات العرقية والمعسكرات الأيديولوجية التي تحالفت مع كلّ جانب تعني أن استعادة التماسك الاجتماعي ستكون أكثر صعوبة. فحتى قبل الحرب الأهلية، كان تنوّع المصالح المتداخلة في السودان معقّداً. وبعد عامين من الحرب، تفاقمت الانقسامات، وأصبحت أكثر عاطفية.

تنافس المصالح

لقد بدأ فعلياً تقسيم البلاد بحكم الأمر الواقع. وتشير خريطة السيطرة الإقليمية في السودان اليوم إلى بلد منقسم، حيث يقع الغرب - باستثناء الفاشر، عاصمة شمال دارفور - بغالبيته تحت سيطرة قوات الدعم السريع، بينما يقع شرق البلاد وشمالها ووسطها تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية. وفي شباط/فبراير، وقّعت قوات الدعم السريع وشركاؤها في نيروبي اتفاقاً دستورياً انتقالياً يمهّد الطريق لإعلان حكومة موازية على مساحات شاسعة من الأراضي التي تسيطر عليها.

قد يبدو الانقسام نتيجةً جذّابةً ظاهرياً، لكنّ من المستبعد جداً أن يُفضي إلى سلامٍ دائم. فتحالفات القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع هشّة؛ والتحالف الرسمي الجديد لقوات الدعم السريع يضمّ حلفاء غريبين من الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال العلمانية المتشددة ومجموعة متنوعة من الفصائل المنشقة عن الجماعات الدينية الصوفية التي تعتبر العلمانية بمثابة خط سياسي ثالث. في المقابل، يضم تحالف القوات المسلحة السودانية جماعات مسلحة علمانية وميليشيات إسلامية متحالفة مع جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن أهم رعاته الدوليين - مصر والسعودية - يعارضون الإخوان بشدة. علاوة على ذلك، لن يكون لأيّ حكومات جديدة حدود عرقية متاخمة. فمشروع حكم المناطق غير المتجانسة سيكون معقّداً للغاية بسبب ضعف مؤسسات الدولة السودانية أو غيابها، ولا سيّما في المناطق المهمّشة تاريخياً التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع. وإذا انقسمت البلاد أكثر، فإنّ نظاميها السياسيين الناشئين - أحدهما غير ساحلي - سيكونان أقل جدوى اقتصادية بكثير مما لو بقيا متّحدين. بالإضافة إلى ذلك، تتجنّب القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع المعارك البرية ويسعى كلّ منهما بدلاً من ذلك إلى زعزعة استقرار أراضي منافسيهما من خلال الضربات الجوية أو الضربات بالطائرات المُسيّرة، ما يجعل البلاد ككلّ غير قابلة للحكم بصورة مُطردة. 

ومن المُفارقات أنّ الدرجة العالية من التشرذم التي تجعل من الصعب للغاية تشكيل حكومة موحّدة في السودان هي نفسها التي تجعل أيّ حلّ يقسّم البلاد ويؤسّس لحكومات متعدّدة غير مستقر. وفي الوقت الراهن، سيواجه كلا التحالفين الواسعين صعوبة في تحديد منطقة متجاورة من الأراضي يرضيان بالحفاظ عليها، ومناطق أخرى يرغبان في التنازل عنها. ونظراً لكثرة الاتهامات الموجّهة لكلا الجانبين بارتكاب جرائم حرب، لا يمكن لأيٍّ منهما التباهي بتفويض قوي للحكم داخل الأراضي التي يسيطر عليها.

وبما أنّ النزاع مدفوع في الأغلب الأعمّ بالصراع على السلطة والموارد الإقليمية، وليس بأيّ رؤية سياسية أوسع للبلاد، فيُرجّح أن تستمر التحالفات في التحوّل، والميليشيات في الانشقاق، والمجموعات المنشقّة في التشكّل. وللأسف، بدلاً من إرساء السلام أو إجراء التقسيم، يُرجّح أن يكون مستقبل السودان مزيداً من الحروب والاقتتال. 

نقله إلى العربية: زينب منعم.

منتصف نيسان/أبريل 2023 تندلع مواجهات عنيفة في الخرطوم وعدة مدن سودانية، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، وتفشل الوساطات في التوصل لهدنة بين الطرفين.