"فايننشال تايمز": الإيرانيون يشعرون بالقلق نتيجة تشقق الأرض تحت طهران

تُعدّ إيران من بين البلدان الأكثر تضرراً من هبوط الأرض، الأمر الذي يتهدّد المواقع التراثية ويثير اقتراحات لنقل العاصمة.

  • تشقق الأرض تحت طهران
    تشقّق الأرض تحت طهران

صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية تنشر تقريراً يتناول أزمة الهبوط الأرضي في إيران، ويُبرز أنها أصبحت تهديداً خطيراً للبنية التحتية، المواقع الأثرية، والأمان العامّ، نتيجة الجفاف وتغيّر المناخ.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرّف:

لقد اكتسب مؤخّراً التحدّي المستمر الذي تواجهه إيران منذ فترة طويلة أهمية إضافية مع هبوط الأرض تحت أقدام الناس، الأمر الذي من شأنه أن يؤدّي إلى تدمير البنية التحتية الحيوية وتعريض السلامة للخطر. 

تعاني إيران من أسوأ هبوط أرضي في العالم بسبب الجفاف وتغيّر المناخ وسوء إدارة المياه. وتُهدّد الشقوق المطار الرئيس في البلاد والمواقع المُدرجة على قائمة اليونسكو، مثل مدينة برسبوليس الأثرية، في حين تمّ إخلاء عشرات المدارس في إحدى المدن العام الماضي خشية انهيارها. والوضع خطير بشكل خاص في المناطق الحضرية ومحيطها بما في ذلك العاصمة طهران، حيث ألحقت الشقوق أضراراً بخطوط السكك الحديدية القريبة وأصبحت المنازل غير مستقرة. وقد دفع هذا الوضع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في الأشهر الأخيرة إلى مناقشة فكرة نقل العاصمة، قائلاً إنّ ظاهرة هبوط الأرض "الخطيرة"، إلى جانب ندرة المياه الحادّة، تجعل من طهران مدينة "غير صالحة للسكن". 

وبحسب الخبراء، فإنّ فكرة نقل العاصمة، المؤجّلة منذ فترة طويلة، غير عملية. لكنّ تدخّل أعلى مسؤول منتخب في البلاد أشعل النقاش مجدداً حول المخاطر التي تشكّلها ظاهرة تؤثّر بشكل مباشر على نصف الإيرانيين تقريباً. وفي معرض تعليقه على هذه المسألة، قال مهدي بيرهادي، عضو مجلس مدينة طهران: "لقد بات هبوط الأرض يشكّل تحدّياً كبيراً". وحذّر من أنّ "الهبوط الكبير للأرض سيُدمّر البنية التحتية ويهدّد الأرواح" ما لم يُعالج بشكل عاجل.

ووفقاً لمتخصصين يعملون في هذا المجال، فقد أدّى الجفاف المطوّل وعقود من سوء الإدارة البيئية إلى تفاقم ظاهرة الهبوط الأرضي. كما أشارت دراسة عالمية حديثة إلى أنّ إيران كانت من بين الدول الخمس الأولى في العالم من حيث مدى الهبوط الأرضي ومعدله. وبحسب المركز الوطني الإيراني لرسم الخرائط، فإن جنوب غرب طهران يشهد هبوطاً بمعدل يصل إلى 31 سم سنوياً، على الرغم من أنّ معدل الهبوط السنوي البالغ 5 ملم يُعدّ مثيراً للقلق وفقاً للمعايير الدولية.

وفي حي شهر راي بطهران، يقوم الناس كلّ عام بإصلاح أبوابهم ونوافذهم بسبب هبوط الأرض الذي يسحب الأساسات، بحسب الناشط البيئي محمد درويش. وقال إنّ خطوط السكك الحديدية الرئيسة بما في ذلك تلك التي تربط طهران ومشهد احتاجت إلى الإصلاح مرات كثيرة بسبب الهبوط الأرضي، الأمر الذي تسبّب أيضاً في إمالة أبراج نقل الطاقة وغرق الطريق السريع بين أصفهان وشيراز.

وتخطّط الحكومة لخفض استهلاك المياه في الزراعة والصناعة بمقدار 45 مليار متر مكعب بحلول عام 2032، كجزء من الجهود المبذولة لمعالجة أزمة المياه التي تؤدي إلى تفاقم هبوط الأرض. إلا أنّ التمويل اللازم لمعالجة هذه المشكلة يصعب توفيره نتيجة العقوبات الأميركية التي تخنق اقتصاد البلاد. 

حجم التحدّي هائلٌ

مؤخّراً، صرّحت الدكتورة شينا أنصاري، مساعدة الرئيس الإيراني ورئيسة منظمة حماية البيئة، بأنّ الهبوط الأرضي يُهدّد بشكل مباشر 11% من مساحة اليابسة في إيران؛ وهي المنطقة التي يقطنها نحو نصف سكان البلاد البالغ عددهم 90 مليون نسمة. 

بالإضافة إلى ذلك، تشكّلت شقوق أرضية حول مدينة برسبوليس، العاصمة الفارسية القديمة التي يعود تاريخها إلى 2500 عام، فضلاً عن موقع نقش رستم الأثري القريب، مثوى 4 ملوك أخمينيين حيث نُحتت نقوش صخرية ضخمة في جبل. 

وألقى بهرام نادي، أستاذ الهندسة الجيوتقنية في جامعة آزاد الإسلامية في أصفهان، باللوم على "التوسّع العمراني غير المنظّم، والتطوّر الصناعي، والزراعة المفرطة" في المناطق التي تعاني أصلاً من جفاف السدود ونضوب طبقات المياه الجوفية. ولم يقتصر الأمر على تسريع وتيرة هبوط مستوى الأرض فحسب، بل ساهم أيضاً في بروز ظاهرة التصحّر. 

وأضاف أنّ الهبوط الأرضي أدّى إلى ظهور شقوق في المسجد العتيق في أصفهان، المدرج في قائمة اليونسكو للتراث العالمي، وفي بعض المباني والمعالم الأثرية المحيطة بميدان نقش جهان. كما أنّ الأعمدة الشرقية والغربية لمسجد العباسي في الساحة كانت مائلة بمقدار 5 سم و8 سم، وكانت الشقوق في القواعد الحجرية ظاهرة.

وقد صرّح حسن فرطوسي، الأمين العام للجنة الوطنية الإيرانية لليونسكو، بأنّ الهيئة الأممية ستقدّم المساعدة لحماية المواقع التراثية من الانهيار. لكنه حذّر أيضاً من أسوأ السيناريوهات، وهو أن تنتزع اليونسكو لقب مواقع التراث العالمي "في حال عدم الالتزام بإرشاداتها وتعرّض المعالم الأثرية للضرر".

وقد تمّ تسليط الضوء على مشكلة هبوط الأرض في إيران من خلال مقطع فيديو انتشر مؤخّراً على نطاق واسع يظهر فيه مجموعة من راكبي الدراجات النارية داخل خزّان سدّ لاتيان الجاف بالقرب من طهران. ويُعدّ هذا السدّ أحد المصادر الرئيسة الأربعة التي تزوّد العاصمة والمدن التابعة لها بالمياه، وجميعها يقترب من حافة الجفاف. 

نقلته إلى العربية: زينب منعم.