"طهران تايمز": على ماذا تنطوي استراتيجية "إسرائيل" لتقسيم إيران؟ ولماذا ستفشل؟

بدلاً من تفتيت المجتمع، ساهمت محاولات البلقنة في تعزيز التماسك الداخلي وقدرة إيران على المقاومة كدولة قومية.

  • "طهران تايمز": إيران ليست دولة هشّة ولا مزيجاً عرقياً على شفا الانهيار

صحيفة "طهران تايمز" الإيرانية تنشر مقالاً يتناول سياسة "إسرائيل" تجاه إيران، ولا سيما محاولاتها استغلال التنوع العرقي داخل إيران لتنفيذ مشروع "بلقنة" (تفتيت) الجمهورية الإسلامية من الداخل. ويخلص إلى أنّ هذه المحاولات محكومة بالفشل بسبب رسوخ التماسك الوطني الإيراني ومتانة الهوية الجامعة رغم التنوع العرقي.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

في غرب آسيا، لا يقتصر الأمن على الجانب الدفاعي فحسب، بل هو في جوهره تعبير عن ميزان القوى و صراع النفوذ.

"إسرائيل"، التي شكلها تاريخ من العزلة الإقليمية وهوية صيغت في ظل الاستثنائية، جعلت من الأمن عدسةً تُفسر من خلالها كل فرصة وتهديد. ولكن ماذا يحدث عندما يصبح الأمن هاجساً ومبرراً أساسياً لجميع السياسات الخارجية؟

جعلت العقيدة الإسرائيلية من التحالفات مع الأقليات العرقية والدينية أداةً استراتيجيةً للتأثير على خصومها وتفتيتهم في نهاية المطاف. تُقدم إيران، بتركيبتها العرقية المعقدة، نفسها هدفاً مغرياً لسياسة "فرّق تسد". إنّ ترويج الروايات الانفصالية أو دعم الجماعات الهامشية سراً ليسا مجرد خطوة تكتيكية، بل هما جزء من رؤية أوسع: إضعاف التماسك الداخلي لخصم إقليمي وإعادة تشكيل توازن القوى في المنطقة.

ولكن هذا النهج الذي يحركه الأمن ليس بريئاً ولا محايداً. فبتقليص المجتمعات بأكملها إلى مجرد بيادق في لعبة جيوسياسية، يُسلَب هؤلاء الفاعلون إرادتهم، ويُشرعَن التدخل تحت ستار الحماية. في هذا الإطار، يتوقف الأمن عن كونه حقاً عالمياً، ويصبح تقنية تُبرر المراقبة والتلاعب والتشرذم الاجتماعي. إنه نموذج، كما أشارت إليه أصوات ناقدة مختلفة، يُحوّل الاختلاف إلى تهديد والتنوع إلى معركة.

لكن هناك ما هو أكثر من ذلك. يحثّنا محللون مثل سحر غومخور على النظر إلى ما وراء وخلفيات ذلك: فعندما يُفرض منطق الأمن، تُصبح قصص الإقصاء والمقاومة والتفاوض داخل المجتمعات المتضررة غير مرئية. إنّ استغلال الأقليات لا يعكس اهتماماً حقيقياً بحقوقها، بل يعكس فائدتها الظرفية ضمن أجندات القوى الخارجية. وهكذا، تُركّز المطالب المشروعة بالعدالة والاعتراف على استراتيجيات لا علاقة لها بتقرير المصير.

في هذا السياق، تكشف السياسة الإسرائيلية تجاه إيران عن حدود ومخاطر رؤية أمنية متطرفة. فهي لا تُديم عدم الاستقرار الإقليمي فحسب، بل تُعزز أيضاً التراتبيات الاستعمارية، وتُعيد إنتاج منطق الاستثناء الذي يُبرر تقريباً أي إجراء يُتخذ تحت لواء الأمن.

تهدف هذه المقالة إلى شرح الرغبة السياسية الإسرائيلية في تقسيم إيران وكيف تتجاهل هذه السياسة مقاومة المجموعات العرقية المختلفة داخل الجمهورية الإسلامية ضد هذه المحاولات لإثارة الانقسامات الداخلية.

دور مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات 

من أبرز الجهات الفاعلة في استراتيجية البلقنة هذه مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD)، ومقرها واشنطن. وقد جادلت بريندا شافر، من المؤسسة، بأن التركيبة العرقية المتعددة لإيران تُشكل نقطة ضعف يمكن استغلالها. ويتماشى موقفها مع افتتاحية نُشرت مؤخراً في صحيفة "جيروزالم بوست"، والتي دعت الرئيس السابق ترامب علناً، عقب الهجمات الإسرائيلية الأولية في الحرب الأخيرة ضد إيران، إلى دعم تفكيك البلاد.

اقترحت الافتتاحية تشكيل "تحالف شرق أوسطي لتقسيم إيران" ومنح "ضمانات أمنية للمناطق السنية والكردية والبلوشية الراغبة في الانفصال". وقد دعت صحيفة "جيروزالم بوست" صراحةً إلى دعم "إسرائيل" والولايات المتحدة لانفصال ما تسميانه "جنوب أذربيجان"، في إشارة إلى المحافظات الإيرانية الشمالية الغربية ذات الأغلبية الأذربيجانية.

إنّ هذه الأفكار ليست مجرد تصريحات معزولة؛ بل إنها تعكس نهجاً استراتيجياً لتفكيك الوحدة السياسية في إيران من خلال استخدام التنوع العرقي كوسيلة لإثارة عدم الاستقرار.

من أين تأتي البلقنة؟ 

من الناحية النظرية، شهدت نهاية القرن العشرين صعود القومية العرقية في السياسة الدولية. وقد سلّط تفكك الاتحاد السوفياتي وتفكك يوغوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا الضوء على الدور المحوري للصراعات العرقية في السياسة العالمية، ما جذب انتباه الباحثين والاستراتيجيين على حد سواء.

شكّل تشتت الجماعات العرقية والدينية في مختلف الدول، وتحولها إلى خطوط فاصلة نشطة، تهديداً لسلامة أراضي الدول ذات التنوع العرقي وتماسكها الاجتماعي. ونتيجةً لذلك، لم تُعتبر المطالبات بالهوية تحديات فحسب، بل فرصاً أيضاً للسياسات الخارجية لبعض الدول.

ونتيجة لذلك، بدأ العديد من القوى بدعم مجموعات خارج حدودها من أجل اكتساب النفوذ والسلطة، واستغلال التوترات الداخلية لدى الآخرين لتعزيز مكانتها الإقليمية.

عندما بدأت "إسرائيل" تتطلع إلى البلقنة 

كل عقيدة أمنية تنبع من مزيج من العوامل التاريخية والبنيوية والذاتية. في حالة "إسرائيل"، ينبع ما يُسمى بعقيدة "المحيط" - وهي استراتيجية تشكيل تحالفات مع جهات فاعلة غير عربية أو هامشية في المنطقة لمواجهة عزلتها - من قراءة وجودية للتهديد وهوية سياسية قائمة على الاستثنائية والشك.

وقد صاغ هذه العقيدة ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لـ "إسرائيل"، بعد أزمة السويس عام 1956 كوسيلة لكسر الحصار العربي من خلال السعي للحصول على الدعم من البلدان الإقليمية غير العربية (مثل تركيا وإيران ما قبل الثورة) والأقليات العرقية على الهامش التي تواجه الضغوط العربية.

إنّ الطبيعة الاستعمارية والإقصائية للمشروع الصهيوني، إلى جانب العزلة الإقليمية، عززت عقلية أمنية تنظر إلى كل الاختلافات باعتبارها تهديداً وأي جار باعتباره عدواً محتملاً.

إلى جانب الدول، عززت "إسرائيل" علاقاتها السريّة مع الأقليات العرقية والدينية في الدول العربية والإسلامية لزعزعة استقرارها. ويُعد دعم الأقليات، من الكرد إلى الدروز، عنصراً أساسياً في تفتيت الكتلة العربية والحفاظ على التفوق الاستراتيجي.

وقد عبّر المنظّرون الإسرائيليون صراحةً عن هذه السياسة. فقد اقترح أرييه أورنشتاين تفكيك الدول العربية إلى كيانات قبلية كفرصة لـ "إسرائيل"، بينما دعا جابوتنسكي إلى مساعدة الكرد لإضعاف الدول العربية. تعكس هذه الأفكار مشروعاً متعمداً لإثارة الطائفية وتقسيم الدول المجاورة.

وبعد حرب عام 1967 والصعود العسكري لـ "إسرائيل"، تعززت هذه الاستراتيجية وأصبحت رسمية كجزء من مشروع الهيمنة الإقليمية.

الواقع الإيراني

غالباً ما تغفل "إسرائيل" ورعاتها الغربيون عن فارق أساسي: استمرارية إيران التاريخية تميزها عن العديد من الدول الأخرى في غرب آسيا. فبينما وصف بعض المؤرخين دولاً أخرى في المنطقة بأنها "مصطنعة" نظراً لحداثة نشأتها نسبياً، تفتخر إيران بتاريخ يمتد لآلاف السنين، وتدّعي أنها أقدم دولة قائمة في العالم.

على سبيل المثال، ضمّ الاتحاد السوفياتي دولاً وأقاليم متنوعة كانت خاضعة سابقاً لسيادات مختلفة. في المقابل، حافظت إيران على هوية وطنية متواصلة لآلاف السنين، حيث تميّز سكانها بالهوية الإيرانية على مرّ تاريخها. إيران بلدٌ يتميز بتنوع عرقي ولغوي ملحوظ، إلا أنّ هذا التنوع قائمٌ في إطار من التماسك السياسي والإقليمي الذي لطالما كان قائماً، والذي تحافظ عليه الجمهورية الإسلامية حالياً.

من منظور جغرافي، تنقسم إيران إلى جزء مركزي أكثر تجانساً ووحدات طرفية غير متجانسة. ومع ذلك، أظهرت هذه الأجزاء، على مر تاريخها، سلوكاً متكاملاً ومنسّقاً داخل الدولة، ما ضمن استمرارية سياسية وإقليمية ووطنية متينة.

ومن الأمثلة على هذه الاستمرارية غزو العراق لمنطقة خوزستان عام 1980 خلال الحرب العراقية الإيرانية. وقد رافق الهجوم العراقي شعار الوحدة الوطنية العربية، ودعاية تفرقة قائمة على الاختلافات العرقية. ورغم أنّ الجزء الغربي من خوزستان يغلب عليه الطابع العربي، إلا أنّ الغزو واجه مقاومة محلية وإقليمية واسعة.

إيران ليست دولة هشّة ولا مزيجاً عرقياً على شفا الانهيار. إنّها أمة يبلغ عدد سكانها نحو 90 مليون نسمة، ذات هوية تاريخية وثقافية راسخة تتجاوز مكوناتها المتنوعة. غالباً ما يُركز دعاة البلقنة بشكل مهووس على التعددية العرقية - الآذريون والكرد والبلوش والعرب - مُقللين باستمرار من شأن القوة التكاملية التي تتمتع بها الجمهورية الإسلامية.

المثال الأوضح على هذه المغالطة هو سكان إيران الأذربيجانيون، ثاني أكبر عدد بعد الفرس. يسكن الأذربيجانيون بشكل رئيسي شمال غرب البلاد، في محافظات مثل أذربيجان الغربية والشرقية، وأردبيل، وزنجان، وقزوين، ويمتدون أيضاً إلى همدان وجيلان الغربية. علاوة على ذلك، يندمج مجتمع أذربيجاني كبير بشكل كامل في المراكز الحضرية الرئيسية مثل طهران، وقم، وأراك. من المهم الإشارة إلى أنّ الأذربيجانيين يشغلون مناصب اجتماعية وسياسية بارزة في إيران، حيث تلعب النخب الفكرية والدينية والعلمية والثقافية أدواراً مهمة على الصعيدين المحلي والوطني.

وفي هذا الصدد، تنتمي شخصيات رئيسية داخل النظام الإيراني، مثل الرئيس الحالي مسعود بزشكيان، وزعيم الثورة الإسلامية آية الله السيد علي خامنئي، إلى هذه الأقلية.

وعلاوة على ذلك، تظهر دراسات مثل تلك التي أجراها راسموس إيلينغ وكيفان هاريس، استناداً إلى مسح اجتماعي واسع النطاق أجري في عام 2016، أنّ العديد من الإيرانيين لا ينتمون حصرياً إلى مجموعة عرقية واحدة، بل يعترفون بالانتماء إلى هويات متعددة.

لذلك، ثبت خطأ الفرضية التي تبنتها "إسرائيل" ومراكز أبحاث مثل مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD) القائلة بأنه تحت ضغط خارجي، كما في التصعيد الأخير بين إيران و"إسرائيل"، ستثور الأقليات ضد الحكومة المركزية. بل إنّ التأثير الملحوظ بعد الهجوم الإسرائيلي كان عكس ذلك تماماً: تعزيز الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي داخل إيران.

الحقيقة هي أنّ التماسك الوطني الإيراني يفوق بكثير أي محاولة خارجية للتفتيت أو زعزعة الاستقرار. ففي ظل القيادة الحازمة والسيادية للجمهورية الإسلامية، رسّخت إيران هوية قوية تدمج مجتمعاتها المتنوعة في مشروع مشترك للمقاومة وتقرير المصير. هذه الوحدة لا تعكس فقط قوة البلاد التاريخية والثقافية، بل تعكس أيضاً قدرتها على مواجهة وتحييد التهديدات التي تهدف إلى تقويض سلامتها الإقليمية والسياسية.

في أعقاب الحرب الإيرانية الإسرائيلية الأخيرة، شهدت إيران في السنوات الأخيرة بعضاً من أشد مظاهر الحداد والوطنية. واتسمت تجمعات الحداد الحاشدة بمرثياتٍ وأبيات شعرية حافلة بالإشارات إلى إيران، مستمدة من الأدب الفارسي الكلاسيكي، إضافة إلى الأغاني الشعبية المعاصرة، والشعر القومي، والأناشيد الوطنية. تعكس هذه الأعمال الثقافية والاجتماعية شعوراً عميقاً بالهوية الجماعية، يبرز بقوة رداً على أي عدوان خارجي، ما يُظهر صلابة المشروع الوطني الإيراني وصموده. وهكذا، بدلاً من تفتيت المجتمع، أسهمت محاولات البلقنة في تعزيز التماسك الداخلي وقدرة إيران على المقاومة كدولة قومية.

نقلته إلى العربية: بتول دياب.

"إسرائيل" تشن عدواناً على الجمهورية الإسلامية في إيران فجر الجمعة 13 حزيران/يونيو يستهدف منشآت نووية وقادة عسكريين، إيران ترد بإطلاق مئات المسيرات والصواريخ التي تستهدف مطارات الاحتلال ومنشآته العسكرية.