"ذا ناشونال إنترست": هوليوود عاجزة عن فهم مستقبل الذكاء الاصطناعي
لطالما عجزت هوليوود عن فهم مستقبل التكنولوجيا الأميركية. والرواية الحقيقية للذكاء الاصطناعي سيكتبها المبدعون، وليس كتّاب السيناريو.
-
"ذا ناشونال إنترست": هوليوود عاجزة عن فهم مستقبل الذكاء الاصطناعي
مجلة "ذا ناشونال إنترست" الأميركية تنشر مقالاً يتناول العلاقة بين هوليوود والذكاء الاصطناعي، منتقداً تأثير السينما على تصوّر الأميركيين للمستقبل التكنولوجي، ومؤكداً أنّ من يصنع الواقع هم العلماء والمهندسون وليس صُنّاع الأفلام.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
إليكم بعض الأخبار السارة: هوليوود بجحافلها العاملة في مجال الترفيه من كتّاب وممثلين ومخرجين، لن يكون لها أي دور يُذكر في تحديد رؤية مستقبل الذكاء الاصطناعي الأميركي، ناهيك عن مكوّناته الأساسية. وكلما أسرعنا في إدراك هذا، كان ذلك أفضل.
تؤدّي هوليوود دوراً محورياً في هذا الموضوع يتمثّل في إنتاج عروض ترفيهية ممتعة أو مفيدة أحياناً. أما أبرز الجهات الفاعلة في دراما الذكاء الاصطناعي الواقعية وعالية المخاطر في الولايات المتحدة، فهم العلماء والمهندسون الأخلاقيون الذين يطمحون إلى بناء عالم أفضل ويعملون على تحقيق ذلك.
كيف ساهم فيلم "2001: A Space Odyssey" في تشكيل نظرتنا للذكاء الاصطناعي؟
ربما لا يوجد فيلم يُجسّد تأثير هوليوود على التفكير السائد في العلوم والتكنولوجيا، وحتى الذكاء الاصطناعي اليوم، أكثر من فيلم "2001: A Space Odyssey". صدر هذا الفيلم شبه الديستوبي عام 1968، أي قبل أكثر من عام من الهبوط على سطح القمر، ويصوّر السفر إلى الفضاء على أنه أكثر شيوعاً وتطوّراً مع مطلع الألفية. وللعلم، كانت هذه الرؤية بعيدة كلّ البعد عن الواقع عام 2001، ولا تزال كذلك.
معظم شخصيات الفيلم، إن لم يكن جميعها، عبارة عن أشخاص آليين لديهم شخصية أقلّ من الحاسوب العملاق، وهو اختصار للحاسوب الخوارزمي المبرمج تجريبياً، أي "هال" (Hal). وأصحاب السلطة متلاعبون وغير صادقين بشأن اكتشافٍ ما على سطح القمر. و"هال" يُحدث فوضى عارمة في مَهمةٍ مُهمة.
شاهدتُ الفيلم مرة جديدة مؤخّراً، لأنّ والدي، وهو مهندس كيميائي خريج إحدى جامعات رابطة اللبلاب، رأى أنه مهم وكان منبهراً به. واللافت هو غياب البهجة والحماس لدى أيّ من شخصيات الفيلم، على الرغم من التقنيات الرائعة التي يمتلكونها وانتمائهم إلى النخبة العلمية، تلك الطبقة المتميّزة. وإلى جانب النبرة المتشائمة للفيلم، ثمّة مفاهيم خاطئة شائعة حول "هال".
نعم، كان حاسوباً خارقاً استولى على السلطة وارتكب أفعالاً شريرة، فقتل جميع أفراد طاقم الفضاء باستثناء فرد واحد، مما اضطره لإلغاء مهمة باهظة الثمن ومبتكرة إلى كوكب المشتري. لكنّ رائد الفضاء ديف تغلّب على "هال"، فعطّله ثم فصله عن الكهرباء وقضى عليه.
من الواضح أيضاً أنّ غياب التحكّم البشري وأنظمة الدعم الأخرى مكّنا "هال" من القيام بأفعاله. وهذا تحذيرٌ بضرورة وجود عنصر بشري دائماً في الذكاء الاصطناعي وإدارة التكنولوجيا المرتبطة به. وإذا كان هذا هو الدرس الأساسي المقصود من الفيلم، فقد أُنجزت المهمة.
تنبيه حرق الأحداث: نجا ديف بعد التغلّب على "هال" وتمكّن من ركوب مركبة فضائية من نوع قارب النجاة في رحلة طويلة ومغامرة، حيث ولد من جديد بطريقة غامضة في النهاية.
عندما فشلت توقّعات هوليوود
لحسن الحظ، تجاهل الأميركيون التوقّعات المشؤومة التي ظهرت في فيلم "2001: A Space Odyssey" فوحّدوا صفوفهم واحتفلوا بحماس بهبوط الإنسان على سطح القمر في 20 تموز/يوليو عام 1969، وغيره من البعثات الفضائية الكثيرة. لم نتخذ وقفة استراتيجية بشأن الاكتشاف العلمي حينها بسبب الفيلم المؤثّر. ولا ينبغي لهوليوود أن تؤثّر على أبحاثنا وتطوّراتنا العلمية اليوم.
في الواقع، ارتكبت هوليوود خطأ فادحاً في تصويرها للمستقبل في جوانب أخرى. ففي عام 1983، تنبّأ فيلم "The Day After" بأنّ الإبادة النووية ستكون مصيرنا، مع التلميح إلى أنه لا يمكن تجنّبها إلا من خلال تجميد الأسلحة النووية الأميركية. وبعد 5 سنوات، وبعد تعزيز الترسانة النووية الأميركية، أبرمت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي سلسلة من معاهدات خفض الأسلحة النووية التاريخية. وساد جو من الودّ بين البلدين، حتى أنّ الرئيس رونالد ريغان تحدّث إلى طلاب جامعيين في موسكو.
مسلسل " The Jetsons" كان أقرب إلى الصواب
في المقابل، أظهر مسلسل الرسوم المتحركة " The Jetsons" مستقبلاً واعداً في عالم التكنولوجيا. وقد حظيت العائلة السعيدة بمساعدة روبوت يُدعى Rosey.
لقد أضحت الروبوتات اليوم ظاهرة تكنولوجية أميركية. ومؤخراً، وأعلنت شركة "أمازون" أنها نشرت أكثر من مليون روبوت. ويتوقّع إيلون ماسك انتشارها على نطاق واسع لأداء الأعمال المنزلية الشائعة يوماً ما. وعلى الرغم من أنّ مسلسل " The Jetsons" الكرتوني لم يكن نبوءةً، إلا أنه أثبت دقةً أكبر من الأفلام الجادّة التي تناولت مستقبل التكنولوجيا.
لماذا يصعب التنبؤ بالتكنولوجيا؟
من المؤكّد أنّ معظم التوقّعات بشأن التكنولوجيا المستقبلية بعيدة كلّ البُعد عن الصواب. ففي مطلع القرن العشرين، توقّع الكثيرون أنّ السيارات لن تحظى بشعبية كبيرة. ومنذ ذلك الحين، كثرت التوقّعات بنفاد النفط في الولايات المتحدة قريباً. وأعلن الرئيس الأسبق جيمي كارتر في مناظرة عام 1976 مع الرئيس جيرالد فورد أنّ العلماء اتفقوا على أننا لن نملك المزيد من النفط بحلول عام 2011. حتى سقراط كان يخشى الكتابة، وهي اكتشاف التكنولوجيا المتقدّمة في عصره. وأخبر أفلاطون أنه يخشى أن تؤدّي إلى النسيان.
قادة التكنولوجيا هم من يحدّدون المستقبل وليس هوليوود
في الحقيقة، يُعدّ الروّاد في مجال التكنولوجيا في الولايات المتحدة الأكثر دقة وإثارة للاهتمام وتبصّراً في ما يتصل بالذكاء الاصطناعي. ففي حديثه عام 2018، قال الرئيس التنفيذي لشركة "غوغل"، سوندار بيتشاي: "الذكاء الاصطناعي من أهمّ المجالات التي تعمل عليها البشرية. إنه أعمق من الكهرباء أو النار". كما تحدّث باستشراف عن الذكاء الاصطناعي وتطوّره السريع في برنامج "60 دقيقة" في 16 نيسان/أبريل 2023.
وفي رسالته السنوية إلى المساهمين في نيسان/أبريل 2025، قال آندي جاسي، الرئيس التنفيذي لشركة "أمازون": "سترون بشكل مطرد إنّ الذكاء الاصطناعي سيغيّر المعايير في مجالات البرمجة، والبحث، والتسوّق، والمساعدين الشخصيين، والرعاية الأولية، وأبحاث الأمراض السرطانية والأدوية، وعلم الأحياء، والروبوتات، والفضاء، والخدمات المالية، وشبكات الأحياء وكلّ المجالات الأخرى".
حان وقت القيادة المتفائلة
بات من الضروري اليوم أن يتولى قادتنا المنتخبون وقادتنا المجتمعيون مناقشات إيجابية وحماسية حول الذكاء الاصطناعي من أجل إطلاق العنان للرخاء وخلق الثروة وحلّ المشكلات البشرية على نحو لم يشهده العالم من قبل. واليوم هو الوقت المناسب للتفاؤل المرح والإبداعي واللامحدود، وهو ما يحتاجه شبابنا بشدة لسماعه وتبنيه. ويمكن لقادة مجتمعاتنا اليوم، بل ينبغي عليهم، أن يؤكّدوا للجميع أنّ هذا هو الوقت المناسب للتفكير بجرأة ومن دون قيود في سبيل تحقيق أهداف نبيلة. ويجب وضع تشاؤم هوليوود الكئيب جانباً.
وينبغي حثّ الناس على كتابة سيناريوهات دراماتيكية ومؤثّرة بواسطة الذكاء الاصطناعي. ما الذي تريد فعله؟ علاج الأمراض؟ تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري؟ لفت الانتباه إلى قضية ما؟ التواصل مع الآخرين بتعاليم مهمة؟ تحسين زراعة المحاصيل؟ السفر إلى الفضاء؟
فلندع أميركا تكتب قصتها الخاصة في مجال الذكاء الاصطناعي
يجعل الذكاء الاصطناعي كلّ هذه الأهداف أكثر قابلية للتحقيق. نعم، الضمانات ضرورية، تماماً كما حرصنا على الوقاية من حوادث الأسلحة الذرية وإساءة استخدامها لأكثر من 80 عاماً. فلندع الأميركيين يكتبون قصصاً عن الذكاء الاصطناعي وكيف يُغيّر الأمور نحو الأفضل. وهذا سيوفّر لهوليوود مادةً خصبةً للأفلام والوثائقيات، ويجنّبها عناء التنبّؤ بما ستفعله التكنولوجيا وإلى أين ستتجه.
نقلته إلى العربية: زينب منعم.