"Unherd": الاتحاد الأوروبي يواجه كابوس البقاء!

طبيعة الاتحاد الأوروبي المختلة والاستبدادية على نحو متزايد هي دليل على حقيقة أنّ المملكة المتحدة اتخذت الاختيار الصحيح في الانفصال عن كتلة فاشلة.

  • "Unherd": طبيعة الاتحاد الأوروبي المختلة والاستبدادية على نحو متزايد هي دليل على حقيقة مفادها أنّ المملكة المتحدة اتخذت الاختيار الصحيح في الانفصال عن كتلة فاشلة

موقع "Unherd" البريطاني نشر مقالاً للكاتب توماس فازي، تحدث فيه عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التي يواجهها الاتحاد الأوروبي، والتي قد تؤدي إلى سيطرة اليمين في انتخابات الاتحاد المقبلة.

أدناه، نص المقال منقولاً إلى العربية:

في تطور غريب من القدر، يتحول الاتحاد الأوروبي إلى كل ما كان يخشى أنصار البقاء أن يجلبه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى المملكة المتحدة.

طوال أعوام، ظلوا يصوّرون بروكسل منارةً للتقدمية والسلام والديمقراطية، في مقابل المشروع اليميني المتطرف والعنصري والانتحاري اقتصادياً لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

لكن من عجيب المفارقات أنّ البرلمان الأوروبي، وليس البرلمان البريطاني، هو الذي على وشك التحول بقوة نحو اليمين، كما فعلت مجموعة من الحكومات الأوروبية بالفعل. وفي الوقت نفسه، في غضون ما يزيد قليلاً على ستة أشهر، يكاد يكون من المؤكد أن بريطانيا سوف تصوت لإعادة حزب العمال إلى السلطة، الأمر الذي يجعلها واحدة من الدول القليلة في أوروبا، التي لديها حكومة يسار الوسط.

على النقيض من ذلك، عبر البحر الآيرلندي، تصاعدت ردود الفعل العنيفة المناهضة للهجرة، وتطورت إلى اضطرابات في جميع أنحاء البلاد، في حين تفكر مجموعة من حكومات الاتحاد الأوروبي - وحتى حزب الشعب الأوروبي بزعامة أورسولا فون دير لاين - في صفقات ترحيل اللجوء، على غرار رواندا.

وفي الوقت نفسه، يقوم الاتحاد الأوروبي باتخاذ إجراءات صارمة ضد حرية التعبير، سواء عبر الإنترنت أو خارجها. فخلال الأسابيع القليلة الماضية فقط، تدخّلت الشرطة لتفريق تجمعات سلمية في مناسبتين على الأقل: مؤتمر مؤيد لفلسطين في برلين، والمؤتمر المحافظ الوطني في بروكسل.

في الجبهة الاقتصادية، تعاني ألمانيا، صاحبة الاقتصاد الأكثر أهمية في الاتحاد الأوروبي، الركود، وتواجه تراجعاً تاماً في التصنيع، إلى جانب عدد من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى. ويجري كل هذا في حين يعلن الاتحاد الأوروبي عودة تدابير التقشف القاسية.

أما بشأن "مشروع السلام" التابع للاتحاد الأوروبي، فإن كل الحكومات الأوروبية الآن على استعداد للحرب، في حين يقود ماكرون مهمة إرسال قوات حلف شمال الأطلسي إلى أوكرانيا، الأمر الذي يجعل أوروبا أقرب إلى حرب شاملة مع روسيا.

كل هذا يتعارض مع وجهة نظر أنصار البقاء في الاتحاد الأوروبي. ورؤية هؤلاء كانت مبنية دائماً على خيال: فكل ما يحدث لا يشكل خيانة لقيم الاتحاد الأوروبي، كما يقولون لأنفسهم ربما، بل هو نتيجة محتّمة لبنية الاتحاد الأوروبي نفسها.

على الرغم من أنّ أنصار البقاء كانوا يميلون دائماً إلى النظر إلى الاتحاد الأوروبي على أنه معقل للحقوق الاجتماعية وحقوق العمال، فإن الواقع هو أنّ الانجراف اليميني عبر الاتحاد الأوروبي له جذوره في الهجوم الذي قادته بروكسل على النموذج الأوروبي، اجتماعياً واقتصادياً، بعد الأزمة المالية عام 2008. وأدى ارتفاع معدلات البطالة، وركود الأجور، وتدابير التقشف التي تم تنفيذها استجابة للانهيار، إلى تفاقم عدم المساواة القائمة، الأمر الذي ساهم في تأجيج الاستياء تجاه المؤسسة السياسية.

ومن أجل جعل الأمور أسوأ، حاول الاتحاد الأوروبي منع أي رد فعل ديمقراطي عنيف على هذه السياسات من خلال تقييد نطاق صنع القرار الديمقراطي من جانب الحكومات المنتخبة ديمقراطياً، مع التركيز، بدلاً من ذلك، على القواعد التكنوقراطية شبه التلقائية، والتي تفرضها هيئات غير ديمقراطية.

أصبح الاتحاد الأوروبي فعلياً قوة ذات سيادة تتمتع بسلطة فرض قواعد الميزانية والإصلاحات الهيكلية على الدول الأعضاءــ وهو ما لم نتوقعه بالضبط من "معقل الديمقراطية"، الذي كثيراً ما يصوره، على هذا النحو، أنصار البقاء. لكن هذا لم يؤدِّ إلا إلى تفاقم خيبة أمل عدد من الأوروبيين في الأحزاب السياسية الرئيسة ومؤسسات الاتحاد الأوروبي ذاتها.

وفي الوقت نفسه، أدّى تعامل الاتحاد الأوروبي مع أزمة اللاجئين، والتي بلغت ذروتها في عام 2015، إلى تحفيز المشاعر المعادية للمهاجرين، وإلى صعود الأحزاب الشعبوية اليمينية في جميع أنحاء القارة. وأدّى تدفق المهاجرين، في المقام الأول من المناطق التي مزقتها الحرب في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، إلى استنزاف الموارد، وأجج التوترات الاجتماعية، وأظهر مرة أخرى فشل نهج الاتحاد الأوروبي من أعلى إلى أسفل في صنع السياسات، والذي تجسد، في هذه الحالة، في فكرة إعادة التوطين، التي رفضت عدة دول التزامها.

واليوم، انتقلت قضية الهجرة مرة أخرى إلى واجهة النقاش السياسي. اكتشفت وكالة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي، "فرونتكس"، أكثر من 350 ألف معبر حدودي غير قانوني إلى الاتحاد الأوروبي، العام الماضي. وهو أعلى رقم تم تسجيله منذ عام 2016. وسجلت دول الاتحاد الأوروبي أكثر من مليون طلب لجوء جديد، في زيادة مقدارها 20% مقارنة بعام 2022، بالإضافة إلى ما يقارب 6 ملايين لاجئ تم استقبالهم من أوكرانيا منذ بداية الحرب. لا ينبغي لنا أن نندهش إذاً عندما نعلم بأنّ 7 من كل 10 أوروبيين يعتقدون أنّ بلادهم تستقبل أعداداً كبيرة للغاية من المهاجرين، وأنّ الحكومات تسارع إلى البحث عن غطاء لذلك.

يوم الاثنين الفائت، اجتمع ممثلو عدد من الحكومات الأوروبية في الدنمارك لمناقشة "الحلول الدائمة" للهجرة، بما في ذلك خطط لنقل طالبي اللجوء إلى دول ثالثة، وهو ما يذكرنا بمخطط رواندا، الذي أطلقته حكومة المملكة المتحدة. والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن فون دير لاين نفسها اعترفت، في مناظرة رئاسية أخيرة، بأنّها تؤيد اتفاقيات الهجرة إلى دولة ثالثة، مع دول مثل تونس ومصر، على الرغم من أنّ هذا لن يكون ممكناً بموجب ميثاق الهجرة، الذي وافق عليه الاتحاد الأوروبي مؤخراً. ومن المثير للسخرية أنّ مجموعة من حكومات الاتحاد الأوروبي وكبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي كانت، قبل عام واحد فقط، تنتقد الحكومة البريطانية لأنها اقترحت السياسة نفسها بالضبط.

يوم الأحد، تم الكشف عن أنّ فون دير لاين تعمل أيضاً على إعادة صياغة صورتها كجدة ذات "قيم عائلية تقليدية ومحافظة"، على أمل تبييض سمعتها. وحتى في حين تتحدث مؤسسة الاتحاد الأوروبي عن مخاوف الأوروبيين العاديين، في محاولة لاحتواء ردة الفعل الشعبية ضد إخفاقاتها السياسية المتعددة، فإنها تفعل أيضاً ما تجيده: محاولة تخريب الديمقراطية.

واليوم، لا يأتي هذا في المقام الأول في شكل أدوات حوكمة اقتصادية، وهي موجودة بالفعل، بل في شكل سيطرة سردية. على مدى الأشهر القليلة الماضية، كانت سلطات الاتحاد الأوروبي تروّج خدعة "روسيا غايت"، زاعمة أن روسيا قدمت رشوة إلى الساسة الأوروبيين من أجل نشر معلومات مضللة والتدخل في الانتخابات المقبلة. وقالت نائبة رئيس المفوضية الأوروبية، فيرا جوروفا، إنّ روسيا "تستخدم وسائل إعلام مراوغة تتظاهر بأنها إعلامية، وتستخدم الأموال لشراء نفوذ سري". وقال بيتر فيالا، رئيس الوزراء التشيكي: "لقد اكتشفنا شبكة موالية لروسيا كانت تعمل على تطوير عملية لنشر النفوذ الروسي وتقويض الأمن في جميع أنحاء أوروبا". ومع ذلك، وبعد التحقيق، اعترف رئيس وكالة الاستخبارات التشيكية بأنّ وكالته ليس لديها معلومات بشأن أي مخطط للرشوة.

وحتى فون دير لاين اعترفت بأنّه لا يوجد دليل على وجود شبكة رشوة روسية. لكن، لا ينبغي لنا أن نتوقع أن يردع هذا الأمر الاتحاد الأوروبي عن القيام بما يتهم روسيا بالقيام به على وجه التحديد: التدخل في الانتخابات المقبلة.

والتقت رئيسة البرلمان الأوروبي ميتسولا، يوم الاثنين، 50 منظمة غير حكومية من كل أوروبا، من أجل شكرهم على دفع "قيم الاتحاد الأوروبي" قبل الانتخابات. وجاء ذلك في أعقاب إعلان توقيع الاتحاد الأوروبي على اتفاقيات شراكة مع أكثر من 500 منظمة غير حكومية - عدد منها على المستوى الوطني - مكلفة جميعها تعزيز قيم الاتحاد الأوروبي قبل الانتخابات المقبلة. إنّها، بمعنى آخر، محاولة صريحة للسيطرة على الرواية الرسمية، من خلال تصنيف أي اتصالات لا تتوافق مع الرواية الرسمية على أنها "معلومات مضللة".

كل هذا يعني أنّه على الرغم من التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها بريطانيا، فإن طبيعة الاتحاد الأوروبي المختلة والاستبدادية على نحو متزايد هي دليل على حقيقة، مفادها أنّ المملكة المتحدة اتخذت الاختيار الصحيح في الانفصال عن كتلة فاشلة. وبقدر ما فشلت الطبقة السياسية البريطانية في معالجة عدد من المخاوف المجسَّدة في استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن هذا التصويت قدّم منفذاً ديمقراطياً لعدد من التوترات، التي تتراكم الآن في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، وربما فتح البلاد أمام احتمال التجديد الوطني الديمقراطي. وإذا لم يكن هذا مبرراً كافياً، فما علينا إلّا أن ننظر إلى الاتحاد الأوروبي لنشهد البديل الكئيب.

نقلته إلى العربية: بتول دياب