"The Conversation": من 1967 إلى اليوم.. استهداف الصحافيين الفلسطينيين نمط إسرائيلي متواصل
إنّ قتل "إسرائيل" للصحافيين هو استمرار لنمط إسكات وسائل الإعلام الفلسطينية الذي يعود تاريخه إلى عام 1967.
-
"The Conversation": من 1967 إلى اليوم.. استهداف الصحافيين الفلسطينيين نمط إسرائيلي متواصل
موقع "The Conversation" الأميركي ينشر تقريراً يتناول فيه استهداف الصحافيين الفلسطينيين في فلسطين المحتلة من قبل القوات الإسرائيلية على مدى عقود كجزء من نمط إسرائيلي مستمر منذ 1967، مع تفاقم الوضع في الحرب الأخيرة على غزة، وغياب محاسبة المجتمع الدولي لـ "إسرائيل".
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:
كان خمسة صحافيين من بين 22 شخصاً قُتلوا في 25 آب/أغسطس 2025، خلال غارات إسرائيلية استهدفت مستشفى ناصر في قطاع غزة. وفي أعقاب الإدانة العالمية، أصدر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بياناً قال فيه إنّ "إسرائيل تقدّر عمل الصحافيين"، لكن الأرقام تروي قصة مغايرة.
مع هذه الوفيات، يرتفع إجمالي عدد الصحافيين الذين قُتلوا في غزة خلال ما يقرب من عامين من الحرب إلى 192. وتتهم لجنة حماية الصحافيين، التي تجمع هذه البيانات، "إسرائيل" بالانخراط في "أعنف وأكثر الجهود تعمداً لقتل وإسكات الصحافيين" التي شهدتها المنظمة الأميركية غير الربحية على الإطلاق. وأضافت اللجنة: "يتعرض الصحافيون الفلسطينيون للتهديد والاستهداف المباشر والقتل على أيدي القوات الإسرائيلية، ويُحتجزون تعسفياً ويُعذّبون انتقاماً لعملهم".
وبصفتي باحثاً في التاريخ الفلسطيني الحديث، أرى أن قتل الصحافيين والمصورين وغيرهم من الإعلاميين في غزة اليوم يُعد امتداداً لتاريخ طويل من المحاولات الإسرائيلية لإسكات الصحافة الفلسطينية، يعود على الأقل إلى عام 1967، عندما احتلت "إسرائيل" عسكرياً الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة عقب حرب الأيام الستة.
وإلى جانب الخسائر الإنسانية الفادحة، فإن ما يزيد الأمر قتامة هو أنّ القيود الإسرائيلية المفروضة على دخول وسائل الإعلام الأجنبية إلى غزة جعلت الصحافيين الفلسطينيين المحليين وحدهم الشهود على الموت والدمار، وناقلين لهذه الصورة إلى العالم. وفي الواقع، كان جميع الصحافيين الذين قُتلوا تقريباً منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والذين يناهز عددهم 200 صحافي، من الفلسطينيين.
عملية مستمرة منذ عقود
منذ الأيام الأولى للاحتلال عام 1967، سعت "إسرائيل" إلى إحكام قبضتها على التقارير الإعلامية، وبناء هيكل قانوني وعسكري يهدف إلى السيطرة على الصحافة الفلسطينية وفرض الرقابة عليها.
في آب/أغسطس 1967، أصدر الجيش الأمر العسكري الرقم 101، الذي يُجرّم فعلياً التجمعات "السياسية" والمنشورات "الدعائية" في الأراضي المحتلة.
ومع ذلك، ورغم هذه القيود، استمرت الصحافة المحلية في العمل والنمو. وبحلول أوائل ثمانينيات القرن الماضي، كان الفلسطينيون في الأراضي المحتلة ينشرون ثلاث صحف يومية وخمس صحف أسبوعية وأربع مجلات، ووصل توزيع أكثرها شعبية إلى 15 ألف نسخة.
لكن جميع المنشورات الفلسطينية كانت خاضعة للرقابة العسكرية الإسرائيلية. ففي كل ليلة، كان المحررون يُجبرون على تقديم نسختين من كل ما يعتزمون طباعته إلى الرقباء الإسرائيليين، شاملة المقالات والصور والإعلانات وتقارير الطقس وحتى الكلمات المتقاطعة.
وكان على الرقيب الإسرائيلي إزالة أي محتوى يعتبر "ذا أهمية سياسية" قبل النشر. وكان المحررون الذين ينتهكون هذه الشروط، أو الذين يُتهمون بالانتماء إلى جماعات سياسية فلسطينية، معرضين للاعتقال أو الترحيل.
وتتكرر هذه الممارسات حتى اليوم، حيث تتهم "إسرائيل" الصحافيين الذين تستهدفهم بالقتل في كثير من الأحيان بأنهم عناصر من حماس.
أنظمة الرقابة
اعتراضاً على هذه القيود وغيرها الكثير، أطلق الفلسطينيون الانتفاضة الأولى ضد الاحتلال الإسرائيلي في كانون الأول/ديسمبر عان 1987. وخلال العام الأول للانتفاضة، أفادت التقارير بأنّ القوات الإسرائيلية سجنت 47 صحافياً فلسطينياً، وحظرت مؤقتاً ثماني صحف محلية وإقليمية، وألغت تراخيص مجلتين بشكل دائم، وأغلقت أربعة مكاتب صحافية.
بينما كان الهدف من هذه الإجراءات إظهار القوة، رأى معظم الفلسطينيين فيها دليلاً على خوف "إسرائيل" من تغطية الفلسطينيين لأوضاعهم.
أمل الكثيرون أن تُفضي اتفاقيات أوسلو، وهي سلسلة من المفاوضات بين "إسرائيل" ومنظمة التحرير الفلسطينية التي أُطلقت رسمياً عام 1993، إلى مزيد من الحريات الصحافية، لكن ذلك لم يتحقق.
واصلت السلطات الإسرائيلية فرض الرقابة العسكرية على ما اعتبرته "مواضيع أمنية"، وسحبت بطاقات الصحافيين الذين لم يلتزموا بالقواعد، واعتدت على الصحافيين الميدانيين وضايقتهم.
وفي المقابل، أنشأت السلطة الفلسطينية حديثة التأسيس، والتي أُنشئت كجزء من عملية أوسلو لحكم الأراضي الفلسطينية جزئياً وعلى أساس مؤقت، نظام رقابة خاصاً بها. هي أيضاً اعتقلت وأوقفت وأغلقت وسائل إعلام اعتبرتها شديدة الانتقاد لأفعالها.
تصاعد استهداف الصحافيين الفلسطينيين خلال العقود الأخيرة
بحلول العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ازدادت هجمات "إسرائيل" على الصحافيين في الضفة الغربية وقطاع غزة فتكاً. ففي عام 2002، أطلقت القوات الإسرائيلية النار على المصور الفلسطيني عماد أبو زهرة في جنين بالضفة الغربية، وفي عام 2003 قُتل المخرج البريطاني جيمس ميلر في رفح، وفي عام 2008 قُتل مصور وكالة رويترز فضل شناعة في غزة.
ومنذ عام 2008، ومع تصاعد حدة المعارك بين القوات الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية المسلحة، عمل الصحافيون في ظروف أشد خطورة. ومع ذلك، حتى خلال التظاهرات غير المسلحة، واجه الصحافيون قوة إسرائيلية مميتة. ففي عام 2018، خلال الاحتجاجات الجماعية غير المسلحة في غزة المعروفة باسم "مسيرة العودة الكبرى"، أطلقت القوات الإسرائيلية النار على الصحافيين الفلسطينيين ياسر مرتجى وأحمد أبو حسين، ما أدى إلى مقتلهما، وكان كلاهما يرتدي سترات مكتوب عليها "صحافة". إضافة إلى ذلك، أُصيب ما لا يقل عن 115 صحافياً أثناء تغطيتهم للاحتجاجات التي استمرت ستة أشهر.
ولم تقتصر القوة المميتة على الفلسطينيين في غزة. ففي أيار/مايو 2022، قُتلت الصحافية الأميركية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة في مخيم جنين للاجئين. وكانت أبو عاقلة واحدة من أشهر الصحافيين الفلسطينيين في ذلك الوقت، وقد اجتذبت وفاتها مئات الآلاف من المشيعين، في حين اعتدت الشرطة الإسرائيلية على حاملي النعش خلال جنازتها.
أهداف عسكرية مشروعة؟
يُوضح القانون الإنساني الدولي أنّ الصحافيين يُعتبرون مدنيين، وبالتالي لا يجوز استهدافهم أثناء القتال، ويشمل ذلك مراسلي الحرب الذين يغطون النزاعات تحت حماية جماعة مسلحة.
من جانبهم، يُجادل المسؤولون الإسرائيليون بأنهم لا يستهدفون الصحافيين مباشرة، وأنّ ضرباتهم تُوجّه نحو أهداف عسكرية مشروعة. وغالباً ما يؤكدون أنّ حماس تتمركز في مبانٍ مدنية، أو أن بعض الصحافيين الذين قُتلوا كانوا مسلحين.
لكن مثل هذه الادعاءات غالباً ما تُطرح من دون أدلة يمكن التحقق منها بشكل مستقل. على سبيل المثال، زعمت "إسرائيل" أنّ الصحافي ياسر مرتجى، الذي قُتل في غزة عام 2018، كان مسلحاً، لكنها لم تُقدم أي دليل يثبت ذلك.
في قضية شيرين أبو عاقلة، ادّعى المسؤولون الإسرائيليون في البداية أنها ربما قُتلت على أيدي مسلحين فلسطينيين، ثم أقرّوا لاحقاً بوجود "احتمال كبير" بأنّ القوات الإسرائيلية قتلتها، لكنهم زعموا أنّ القتل كان عرضياً، وبالتالي لن تُوجّه الحكومة أي اتهامات. ويُفنّد فيلم وثائقي حديث هذا الادعاء، ويُحدّد هوية الجندي الإسرائيلي الذي يُعتقد أنه قتل أبو عاقلة عمداً.
ثقافة الإفلات من العقاب
حتى قبل الهجمات الفتاكة التي شنتها حماس على "إسرائيل" في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، كانت الصورة السائدة هي إفلات القوات الإسرائيلية من العقاب عند قتل الصحافيين، سواء عن طريق الخطأ أو عن قصد. وخلص تقرير صادر عن لجنة حماية الصحافيين في أيار/مايو 2023 إلى أنّ "إسرائيل" تورطت في "نمط مميت" من استخدام القوة ضد الصحافيين، من دون أن تُحاسب الجناة.
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، واجه الصحافيون في غزة ظروفاً أشد فتكاً، إذ واصلت "إسرائيل" منع وكالات الأنباء الدولية من التغطية داخل القطاع، ما جعل الصحافيين الفلسطينيين المحليين غالباً هم الشهود الوحيدين على الأرض.
إلى جانب هذه الظروف المميتة، يواجه الصحافيون الفلسطينيون حملات تشويه إسرائيلية ضد عملهم وتهديدات لعائلاتهم. وغالباً ما يركض الصحافيون الفلسطينيون نحو مناطق القصف بينما يفر الآخرون، ما يؤدي أحياناً إلى مقتلهم في غارات "مزدوجة"، إذ تعود الطائرات الإسرائيلية إلى المنطقة التي قُصفت للتو وتنفّذ غارات إضافية.
كل هذا أدّى إلى خسائر شخصية فادحة لمن يواصلون التغطية في غزة. ففي 25 تشرين الأول/أكتوبر 2023، كان وائل الدحدوح، مدير مكتب الجزيرة في غزة، يقدم تقريره المباشر على الهواء عندما علم أنّ غارة جوية إسرائيلية قتلت زوجته وطفليه وحفيده، لكنه عاد إلى البث في اليوم التالي.
ولم يهدأ القتل، ففي 10 آب/أغسطس 2025، قتلت القوات الإسرائيلية أنس الشريف في مدينة غزة، وهو مراسل بارز آخر للجزيرة ظل في الشوارع طوال أشهر القصف، كما قُتل خمسة من زملائه الصحافيين في الغارة نفسها. وكانت غارة 25 آب/أغسطس على مستشفى ناصر الأحدث في هذا النمط المميت.
من بين الصحافيين الخمسة الذين قُتلوا في ذلك الهجوم، صحافيون مستقلون يعملون لدى وكالتي "رويترز" و"أسوشيتد برس"، وهما وكالتان دوليتان رفضت "إسرائيل" السماح لصحافييهما بدخول غزة لتوثيق الحرب.
رغم هذا الخطر، حثّت غرف الأخبار العالمية "إسرائيل" مراراً وتكراراً على فتح غزة أمام وسائل الإعلام المستقلة، وضغط تحالف من 27 دولة مؤخراً للسماح بدخولها.
ولا تزال "إسرائيل" ترفض هذه الطلبات، ليبقى الصحافيون الفلسطينيون الشهود الرئيسيين على العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، ويتعرضون للقتل بشكل متزايد. ويبقى السؤال: هل سيحاسب المجتمع الدولي "إسرائيل"؟
نقلته إلى العربية: بتول دياب.