"Responsible Statecraft": معضلة ترامب مع الصين

بمجرّد وصول ترامب إلى السلطة سوف يضطرّ إلى الاختيار بين نهجين؛ القتال والعداء، أو البراغماتية، وسوف تخلّف قراراته تأثيراً عميقاً على الولايات المتّحدة والصين، وكلّ دول العالم.

  • لقاء سابق بين الرئيسين الأميركي والصيني
    لقاء سابق بين الرئيسين الأميركي والصيني

مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر مقالاً للكاتب والباحث الأميركي مايكل ت. كلير، تحدّث فيه عن سياسة الرئيس الأميركي المقبل دونالد ترامب مع الصين، وما قد تكون قرارته ونهجه ضدّها.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

تنتظر الرئيس المنتخب دونالد ترامب حين يتولّى منصبه في الشهر المقبل، مجموعة لا تحصى من التحدّيات في السياسة الخارجية مع دول وفي ملفّات، من غزّة ولبنان وسوريا و"إسرائيل" وإيران وروسيا وأوكرانيا، وهايتي، وفنزويلا، وغيرها. لكن، تبقى الصين أكبر التحدّيات التي ستواجه ترامب من حيث الحجم والتعقيد. ولا تمتلك أيّ دولة أخرى قدرة الصين على مقاومة عدوانه المتوقّع بالقوّة والمثابرة، التي من شأنها عدم إثارة المزيد من العداء والغضب بين الجمهوريين المنضويين تحت الشعار الترامبي "اجعل أميركا عظيمة مرّة أخرى".

بإيجاز، من المؤكّد أنّ الصين ستضع الرئيس ترامب في مأزق صعب وأمام خيارَين، إمّا عقد الصفقات معها والمخاطرة بوصمه باسترضاء بكّين من قبل "صقور الصين" في حزبه، أو الاتّجاه نحو محاصرتها بمستوى واسع مع ما تحمل هذه الخطوة من مخاطر اندلاع صدام عنيف، ربّما يصل إلى التصعيد النووي. ولا شكّ في أنّ اختيار ترامب لأحد الطريقين لحلّ هذه المعضلة، بمثابة الاختبار الخارجي الأكثر أهمّية في ولايته الرئاسية الثانية.

إنّ مستشاري ترامب الذين يضعون السياسات الخارجية، يدركون أنّ العديد من التحدّيات الدولية ستواجه استراتيجية "أميركا أوّلاً" التي أطلقوها، وهم يدركون أيضاً أنّ الصين حقّاً قوّة عظمى، ووحدها تشكّل تهديداً حقيقياً للهيمنة المستمرّة للولايات المتّحدة على العالم. في العام الماضي قال النائب مايكل والتز، الذي اختاره ترامب لمنصب مستشار الأمن القومي "أرى بقوّة أنّ الحزب الشيوعي الصيني دخل في حرب باردة مع الولايات المتّحدة، بهدف استبدال النظام العالمي الليبرالي الذي يقوده الغرب منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ونحن في سباق تسلّح مع عدوّ لا مثيل له في التاريخ الأميركي، لديه القدرة الاقتصادية والعسكرية على إزاحتنا واستبدالنا بالفعل".

وكما يرى والتزّ وآخرون حول ترامب، الصين تشكّل تحدّياً متعدّد الأبعاد للتفوّق الأميركي. ففي المجال العسكري، بنت الصين قوّاتها الجوّية والبحرية والقواعد العسكرية على الجزر المستصلحة في بحر الصين الجنوبي. وهي مستمرة بتحدّي تايوان من خلال المناورات الجوّية والبحرية المتصاعدة، وتهدّدُ الهيمنة الأميركية المستمرة على غرب المحيط الهادئ. وعلى الصعيد الدبلوماسي، تعمل الآن على تعزيز أو إصلاح العلاقات مع حلفاء الولايات المتّحدة الرئيسيّين، بما في ذلك الهند وإندونيسيا واليابان وأعضاء حلف شمال الأطلسي. وفي الوقت نفسه، تقترب بالفعل من مستوى صناعة التقنيات الأميركية المتقدّمة، وخاصّة قدرتها على إنتاج الرقائق الدقيقة. وعلى الرغم من جهود واشنطن لتقليل اعتماد الولايات المتحدة على السلع الصينية الحيوية، بما في ذلك المعادن والأدوية الحيوية، فإنّها تظلّ المورد الرئيسي لمثل هذه المنتجات للولايات المتّحدة.

القتال أو إبرام الصفقات

بالنسبة لمساعدي ترامب وفريقه الحكومي، الردّ الصحيح والوطني الوحيد للتحدّي الصيني يجب أن يكون قويّاً. وهم يدعمون التشريعات للحدّ ممّا يعتبرونه جهوداً صينية "خبيثة" في داخل الولايات المتّحدة وخارجها. على سبيل المثال، قدّم والتز قانون الاستكشاف والابتكار الأميركي للمعادن الحرجة في العام 2020، والذي كان يهدف كما أوضح، إلى "تقليل اعتماد أميركا على المصادر الأجنبية لهذه الموادّ وإعادة ضبط سلسلة التوريد الأميركية من الصين إليها". كذلك، كان السيناتور ماركو روبيو الذي اختاره ترامب لمنصب وزير الخارجية، عدوانيّاً بقدر والتز في التشريعات الخاصّة بالتضييق على الصين. وفي عام 2021 اقترح قانون منع العمل القسري للأويغور، والذي حظر دخول السلع المنتجة في "معسكرات" العمل القسريّ من مقاطعة شينغيانغ إلى الولايات المتّحدة. كما رعى العديد من القوانين التي تحدّ من وصول الصين إلى التكنولوجيا الأميركية. وعلى الرغم من أنّ بعض التشريعات التي يقدّمها روبيو ووالتز لم تحز دائماً على الموافقة اللازمة من الكونغرس، فقد تمّ دمجها بنجاح في بعض الأحيان ضمن تشريعات أخرى.

 سيبدأ ترامب ولايته الرئاسية الثانية، بمجموعة من التدابير العقابية ضدّ الصين، التي أعدّها مع فريقه لأجل جعلها تشريعات تلتزم فيها كلّ الولايات المتّحدة. ولكن، الحديث هنا عن دونالد ترامب الذي لا يوجد شيء مضمون معه. ويعتقد بعض المحلّلين أنّ ميله إلى عقد الصفقات وإعجابه المعلن بالرئيس الصيني القوي شي جين بينغ قد يدفعه إلى اتّباع نهج أكثر واقعية، في زيادة الضغوط الاقتصادية والعسكرية على بكين لتقديم تنازلات. على سبيل المثال، الحدّ من تصدير الصين لكلّ ما يتّصل بمادّة الفنتانيل إلى المكسيك. ويقول هوارد لوتنيك الذي اختاره ترامب لمنصب وزير التجارة أنّ الرئيس المنتخب، "يريد بالفعل عقد صفقة مع الصين"، وسوف يستخدم فرض التعريفات الجمركية بشكل انتقائي كأداة مساومة للوصول إلى الهدف.

لكن، من الصعوبة رؤية كيف يمكن لترامب أن يحصل على تنازلات كبيرة من بكين من دون التخلّي عن بعض التدابير العقابية التي ينادي بها صقور الصين في حاشيته. وهذه التناقضات المعقّدة والمربكة سوف تظهر في كلّ مجالات المشكلات الرئيسية في العلاقات بين البلدين، ممّا سيجبر ترامب على اتّخاذ خيارات حاسمة بين غرائزه البراغماتية والميل الأيديولوجي الشرس لمستشاريه.

ترامب والصين وتايوان

من المرجّح أن يكون الوضع المستقبلي لجزيرة تايوان أولوية لا تتقدّم عليها أولوية أخرى. والنشاط التايواني المتدرّج نحو الاستقلال الكامل وخطر غزو الصين للجزيرة لمنع هذا الأمر، ممّا قد يؤدي أيضاً إلى تدخّل عسكري أميركي. ومن بين كلّ الأزمات المحتملة التي يواجهها ترامب، هذه هي الأزمة التي قد تؤدّي بسهولة إلى صراع بين القوى العظمى بملامح نووية.

حين اعترفت واشنطن دبلوماسياً بالصين في عام 1979، "اعترفت" أيضاً بأنّ تايوان والبرّ الرئيسي يشكّلان جزءاً من "الصين الواحدة"، وأنّ الشطرين قد يختاران في أيّ وقت إعادة التوحيد بينهما. كما وافقت الولايات المتّحدة على وقف العلاقات الدبلوماسية مع تايوان وإنهاء وجودها العسكري هناك. ولكن بموجب قانون العلاقات مع تايوان لعام 1979، منحت واشنطن أيضاً سلطة التعاون مع وكالة دبلوماسية تايوانية شبه حكومية، وهي مكتب التمثيل الاقتصادي والثقافي لتايبيه في الولايات المتّحدة، وتزويد تايوان بالأسلحة اللازمة للدفاع عن نفسها. إضافة إلى ذلك، وفيما أصبح يعرف بـ"الغموض الاستراتيجي"، أصرّ المسؤولون الأميركيون على أنّ أيّ جهد من جانب الصين لتغيير وضع تايوان بالقوّة من شأنه أن يشكّل "تهديداً للسلام والأمن في منطقة غرب المحيط الهادئ"، وسوف ينظر إليه باعتباره مسألة "مقلقة للغاية بالنسبة للولايات المتّحدة"، وإن لم تتطلّب بالضرورة ردّاً عسكرياً.

على مدى عقود، أكّد رؤساء الولايات المتّحدة على التوالي سياسة "الصين الواحدة"، في حين استمرّ تزويد تايوان بأسلحة أميركية حديثة وقوية، في ظلّ تكرار المسؤولين الصينيين أنّ تايوان مقاطعة صينية ينبغي إعادة توحيدها مع البرّ الرئيسي، ويفضّل أن يكون ذلك بالوسائل السلمية. ولكنّ التايوانيين لم يعبّروا قطّ عن رغبتهم في إعادة التوحيد، بل تحرّكوا عوضاً عن ذلك بثبات نحو إعلان الاستقلال، وهو ما تعتبره بكين مبرّراً للتدخّل المسلّح.

ومع تزايد وتيرة هذه التهديدات، واصل القادة في واشنطن مناقشة مدى صحّة "الغموض الاستراتيجي"، مع إصرار البعض على استبداله بسياسة "الوضوح الاستراتيجي" التي تنطوي على التزام صارم بمساعدة تايوان في حالة غزوها من قبل الصين. وبدا أنّ الرئيس بايدن يتبنّى هذا الرأي، حيث أكّد أنّ الولايات المتّحدة ملزمة بالدفاع عن تايوان في مثل هذه الظروف. ومع ذلك، في كلّ مرّة تراجع مساعدوه عن كلماته، وأصرّوا على أنّ الولايات المتّحدة ليست ملزمة قانوناً بالقيام بذلك.

كذلك، عزّزت إدارة بايدن دعمها العسكري للجزيرة مع زيادة الدوريّات الجوّية والبحرية الأميركية في المنطقة، الأمر الذي زاد احتمالات التدخّل في المستقبل إذا تمّ غزو الجزيرة. واستجابة لحثّ من صقور الصين في الكونغرس، تمّ تبنّي بعض هذه التوجّهات وتسريع عمليّات نقل الأسلحة إلى تايوان، ومحاولة تطويق الصين بمجموعة من المنشآت العسكرية الأميركية مع الحلفاء والشركاء. ومن وجهة نظر بكين، فإنّ واشنطن تمارس بالفعل ضغوطاً عسكرية وجيوسيّاسية شديدة على الصين. والسؤال الآن ما إذا كانت إدارة ترامب ستصعّد من هذه الضغوط أم تخفّفها، خاصّةً بما يتّصل بمسألة تايوان.

إنّ موافقة ترامب على زيادة مبيعات الأسلحة إلى تايوان والتعاون العسكري معها أمر لا يحتاج إلى شرح أو تفسير، مثل أيّ شيء يقوم به. وكانت الصين قد شهدت سابقاً ارتفاعات في المساعدات العسكرية الأميركية لتايوان، وربّما تستطيع أن تتحمّل جولة أخرى من العملية ذاتها. لكنّ هذا يترك قضايا أكثر تقلّباً مفتوحة للنقاش، حول إمكانية أن يتبنّى ترامب "الوضوح الاستراتيجي"، ممّا يضمن التدخّل التلقائي لواشنطن إذا غزت الصين تايوان، وهل سيوافق ترامب على توسّع كبير للوجود العسكري الأميركي في المنطقة، في وقت يدعو فيه صقور الصين إلى كلتا الخطوتين، مع أنّ هذا سيثير ردود فعل عنيفة يصعب التنبّؤ بها من بكين.

في الحقيقة، يصرّ العديد من أقرب مستشاري ترامب على "الوضوح الاستراتيجي" وزيادة التعاون العسكري مع تايوان. على سبيل المثال، أكّد مايكل والتز أنّ الولايات المتّحدة يجب أن "توضح أنّها ستدافع عن تايوان كإجراء ردعي". كما دعا إلى زيادة الوجود العسكري في غرب المحيط الهادئ. وعلى نحو مماثل، كتب روبرت سي أوبراين، مستشار الأمن القومي لترامب من عام 2019 إلى عام 2021، أنّ الولايات المتّحدة "يجب أن تظهر التزامها بمساعدة تايوان في الدفاع عن نفسها، ويجب توسيع التعاون العسكري معها".

مع ذلك، لم يقدّم ترامب بشخصه أيّ تعهّدات من هذا القبيل، بل إنّه يغلّف موقفه بغموض فجّ. وعلى طريقته المعتادة، دعا تايوان إلى إنفاق المزيد على دفاعها، وأعرب عن غضبه إزاء تركيز صناعة الرقائق المتقدّمة على الجزيرة، مدّعياً ​​أنّ التايوانيين "استحوذوا على نحو 100% من أعمال الرقائق لدينا". لكنّه حذّر أيضاً من اتّخاذ تدابير اقتصادية قاسية إذا فرضت الصين حصاراً على الجزيرة، وقال لـ "صحيفة وول ستريت جورنال"، "سأبلغ الرئيس شي في حال ذهابه إلى تايوان، فأنا آسف لفعل هذا، سأفرض عليك ضريبة تتراوح بين 150% و200%". وأضاف أنّه "لن يحتاج إلى التهديد باستخدام القوة لمنع الحصار، لأنّ الرئيس شي يحترمني ويعرف أنّني مجنون بذيء".

تكشف مثل هذه التعليقات عن المأزق الذي سيجد ترامب نفسه فيه حتماً عندما يتعلّق الأمر بتايوان. يمكنه بالطبع أن يحاول إقناع بكين بتقليص ضغوطها العسكرية على الجزيرة في مقابل خفض التعريفات الجمركية الأميركية، وهي الخطوة التي من شأنها أن تقلّل من خطر الحرب في المحيط الهادئ، ولكنّها تترك الصين في وضع اقتصادي أقوى وتخيّب آمال العديد من كبار مستشاريه. ولكن، إذا اختار التصرّف "بجنون" من خلال تبنّي "الوضوح الاستراتيجي" وتكثيف الضغوط العسكرية على الصين، فمن المرجّح أن يتلقّى إشادة من العديد من أنصاره، في حين أنّه يجلب حرباً نووية محتملة مع الصين.

حرب تجارية أم تعايش اقتصادي

إنّ مسألة التعريفات الجمركية طريقة أخرى يواجه بها ترامب خياراته الحاسمة، بين الإجراءات العقابية والخيارات الأكثر واقعية في ولايته الثانية، أو بتعبير أدقّ في تحديد مدى شدّة تلك التعريفات وغيرها من الصعوبات الاقتصادية التي سيحاول فرضها على الصين. في العام 2018 فرضت إدارة ترامب الأولى تعريفات جمركية بنسبة 30% على الألواح الشمسية، و20 إلى 50% على الغسالات، و25% على الفولاذ، و10% للألمنيوم، والتي بمعظمها مستوردة من الصين. كذلك، وعلى الرغم من انتقادات بايدن الكثيرة لسياسات ترامب الخارجية والاقتصادية، أبقى على تلك التعريفات، بل وأضاف تعريفات جديدة ولا سيّما على السيارات الكهربائية وغيرها من المنتجات عالية التقنية. كما حظرت إدارة بايدن تصدير الرقائق الحاسوبية المتقدّمة وتقنية تصنيع الرقائق إلى الصين، في محاولة لإبطاء تقدّمها التكنولوجي.

لا ريب، حين يتسلّم ترامب منصبه في الشهر المقبل، ستكون الصين بالفعل تحت ضغوط اقتصادية صارمة من إدارته. مع أنّه ومساعديه يصرّحون بأنّ هذه الضغوط لن تكون كافية لتقييد صعود الصين. وكان ترامب قد قال إنّه في اليوم الأوّل من ولايته الجديدة سيفرض تعريفة جمركية بنسبة 10% على جميع الواردات الصينية، ثمّ يتبعها بتدابير قاسية أخرى. ومن بين هذه التوجّهات، أعلن فريق ترامب عن خطط لرفع التعريفات الجمركية على الواردات الصينية إلى 60%، وإلغاء وضع العلاقات التجارية الطبيعية الدائمة للصين وإزالتها من لائحة "الدول المفضّلة"، وحظر إعادة شحن الواردات الصينية عبر دولة ثالثة.

ويتبنّى أغلب مستشاري ترامب مثل هذه التدابير بقوّة. ومنذ أشهر كتب ماركو روبيو: "ترامب محقّ، ينبغي رفع الرسوم الجمركية على الواردات من الصين". وزعم أنّ التكتيكات المناهضة للمنافسة التي تنتهجها الصين تمنح الشركات الصينية ميزة غير عادلة من حيث التكلفة على الشركات الأميركية، ويضيف أنّ "الرسوم الجمركية التي تستجيب لهذه التكتيكات تمنع أو تعكس عملية نقل الصناعات إلى الخارج، وتحافظ على القوّة الاقتصادية الأميركية، وتعزّز الاستثمار المحلّي".

ولكنّ، ترامب سوف يواجه أيضاً مقاومة محتملة من مستشارين آخرين يحذّرون من اضطرابات اقتصادية حادّة إذا شرّعت مثل هذه التدابير. ويشيرون إلى أنّ الصين لديها أدوات خاصّة بها لاستخدامها في أيّ حرب تجارية مع الولايات المتّحدة، بما في ذلك التعريفات الجمركية على الواردات الأميركية والقيود المفروضة على الشركات الأميركية التي تعمل في الصين، بما في ذلك شركة "تيسلا" التي يملكها إيلون ماسك، والتي تنتج نصف سياراتها هناك. ولهذه الأسباب وغيرها، حذّر "مجلس الأعمال الأميركي الصيني"، من أنّ التعريفات الجمركية الإضافية والقيود التجارية الأخرى قد تكون كارثية، وتستدعي "إجراءات انتقامية من الصين، وتتسبّب بالمزيد من الخسائر في الوظائف والإنتاج في الولايات المتّحدة".

وكما الحال مع تايوان، سوف يواجه ترامب قرارات صعبة فعلاً بشأن العلاقات الاقتصادية مع الصين. وإذا اتّبع نصيحة الأيديولوجيين في فريقه، وانتهج استراتيجية الضغط الأقصى على الصين، المصمّمة خصيصاً لتقييد نموّها وكبح طموحاتها الجيوسياسية، فقد يتسبّب في انهيار اقتصادي عالمي من شأنه أن يؤثّر سلباً على حياة العديد من أنصاره، في حين يقلّل إلى حد بعيد من النفوذ الجيوسياسي لأميركا. لكنه يستطيع أن يتبع ميول بعض مستشاريه الاقتصاديين الرئيسيين مثل هوارد لوتنيك، الذي يفضّل علاقة أكثر براغماتية وشبه تجارية مع الصين. ومن المرجّح أن يحدّد الكيفية التي يختار بها ترامب معالجة هذه القضية، وما إذا كان المستقبل ينطوي على زيادة الاضطرابات الاقتصادية وعدم اليقين أو الاستقرار النسبي. ومن المهمّ دائماً التذكّر أنّ القرار باللعب بقوّة مع الصين على الجبهة الاقتصادية قد يزيد أيضاً من خطر المواجهة العسكرية التي تؤدّي إلى حرب شاملة، تتّسع إلى حرب عالمية ثالثة.

ورغم أنّ تايوان والتجارة تشكّلان بلا جدال القضايا الأكثر تحدّياً التي سيواجهها ترامب في إدارة أو "سوء إدارة" العلاقات بين الولايات المتّحدة والصين في السنوات المقبلة، لكنّها ليست القضايا الوحيدة بأيّ حال من الأحوال، فسوف يتعيّن على الرئيس المنتخب أيضاً، أن يقرّر كيفية التعامل مع النزعة العدوانية الصينية المتزايدة في بحر الصين الجنوبي، والدعم الاقتصادي والعسكري والتكنولوجي الصيني المستمر لروسيا في حربها ضدّ أوكرانيا، والاستثمارات الصينية المتنامية في أفريقيا وأميركا اللاتينية وأماكن أخرى.

في هذا المجال وغيره من جوانب التنافس بين الولايات المتّحدة والصين، سوف ينجذب ترامب نحو زيادة النزعة القتالية والعدائية من جهة، ويستخدم البراغماتية من جهة أخرى. وقد أظهر ذلك خلال حملته الانتخابية، حيث دعم كلا الخيارين في الوقت عينه. ولكن، بمجرّد وصوله إلى السلطة سوف يضطرّ إلى الاختيار بين النهجين، وسوف تخلّف قراراته تأثيراً عميقاً على الولايات المتّحدة والصين، وكلّ دول العالم.

نقله إلى العربية: حسين قطايا