"Responsible Statecraft": "إسرائيل" لا تنتصر.. على ترامب ألا يستسلم لمطالبها بالمساعدة
بينما تُصعّد إيران ردّها الفعّال على عدوان "إسرائيل"، لماذا يُخاطر ترامب الآن بحياة الأميركيين بالانضمام إليها؟
-
الدمار في المستوطنات الإسرائيلية من جرّاء القصف الإيراني
مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر مقالاً يتناول فشل "إسرائيل" في تحقيق نصر حاسم في حربها الاختيارية ضدّ إيران، وتحوّل هذا الصراع إلى مأزق استراتيجي يهدّد بجرّ الولايات المتحدة إلى حرب لا تريدها، مع تحميل إدارة ترامب جزءاً كبيراً من المسؤولية عن هذا الانزلاق.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
أثبتت حرب "إسرائيل" الاختيارية مع إيران أنها أقلّ حسماً بكثير ممّا اعتقده الرئيس دونالد ترامب في البداية عندما أشاد بأداء "إسرائيل" ووصفه بأنه "ممتاز". ما يبدو الآن صراعاً متصاعداً وغير حاسم، بلا نهاية واضحة في الأفق، سيجبر ترامب قريباً على اتخاذ قرار صعب: إنهاء الحرب، أو الدخول فيها.
بلا شك أنّ الضربة الإسرائيلية الافتتاحية كانت نجاحاً تكتيكياً. إذ فوجئ القادة الإيرانيون بافتراض أنّ "إسرائيل" لن تتحرّك قبل الجولة السادسة من المحادثات النووية، ولم يتخذوا أيّ احتياطات. كان الكثيرون نائمين في منازلهم شمال طهران، إلى جانب عائلاتهم، عندما قتلتهم الضربات الإسرائيلية في أسرّتهم. كما كانت الدفاعات الجوية الإيرانية غير مستعدّة وغير فعّالة.
هدفت "إسرائيل" إلى القضاء على أكبر عدد ممكن من القادة الإيرانيين لتعطيل هيكل القيادة والسيطرة الإيراني وشلّ ردّها العسكري بشكل فعّال.
انبهر ترامب بنجاح "إسرائيل" المبكر، فسارع إلى نسب العملية إليه، على الرغم من أنّ وزير الخارجية ماركو روبيو كان قد أعلن قبل ساعات فقط أنّ الضربات كانت "عملاً أحادي الجانب" من جانب "إسرائيل"، وأنّ الولايات المتحدة لم تكن متورّطة. وكما يُقال: للنجاح آباء كثر، أما الفشل فيبقى يتيماً.
لكن في غضون 18 ساعة، أعادت إيران هيكلة قيادتها، وفعّلت دفاعاتها الجوية، والأهمّ من ذلك، أطلقت أربعة وابلات من الصواريخ استهدفت بشكل رئيسي أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية. اخترقت العديد من الصواريخ دفاعات "إسرائيل" متعدّدة الطبقات، وأضاءت سماء "تل أبيب" عند وصولها إلى أهدافها، بما في ذلك إصابة مباشرة لوزارة الدفاع الإسرائيلية.
كان ردّ طهران بهذا الشكل بعد ساعات فقط من فقدانها العديد من كبار القادة العسكريين أول مؤشر واضح على أنّ نجاح "إسرائيل" الأوّلي سيكون قصير الأمد.
على الرغم من أنّ إيران استمرت في تلقّي ضربات موجعة يوم السبت، بما في ذلك الضربات الإسرائيلية على مصافي النفط، ومطار مهرآباد في طهران، وغيرها من البنى التحتية المدنية والاقتصادية، إلّا أنّها ردّت بوابل من الصواريخ الإضافية. كانت هذه الصواريخ أقلّ عدداً، لكنها أكثر فعّالية بشكل ملحوظ. ومع تدهور الدفاعات الجوية الإسرائيلية، من المرجّح أن تلجأ طهران إلى صواريخ برؤوس حربية أكبر، مما يزيد من حجم الدمار.
في غضون ذلك، ورغم إلحاقها أضراراً بموقع نطنز النووي، فشلت "إسرائيل" في اختراق منشأة فوردو الأكثر أهمية وتحصيناً. ونتيجة لذلك، يبدو التأثير الفعلي على البرنامج النووي الإيراني محدوداً. تشير التقارير إلى أنّ الجيش الأميركي وفّر قدراته الدفاعية الصاروخية لإسقاط الطائرات المسيّرة والصواريخ الإيرانية، لكنه لم ينضمّ حتى الآن إلى "إسرائيل" في ضربات هجومية.
يتضح لواشنطن بشكل متزايد أنّ حرب "إسرائيل" الاختيارية بعيدة كلّ البعد عن النجاح، وقد لا تحقّق نتيجة حاسمة على الإطلاق. وبينما يُرجّح أن تسيطر "إسرائيل" على التصعيد، إلا أنها تواجه عيباً بالغ الأهمية: فعدد صواريخها الاعتراضية للدفاع الجوي أقلّ مما تمتلكه إيران من صواريخ بعيدة المدى.
تحتاج "إسرائيل" إلى نصر سريع وحاسم، ويبدو هذا النصر الآن بعيد المنال، وحرب استنزاف مطوّلة قد تصبّ في مصلحة إيران في نهاية المطاف.
ليس من المستغرب أنّ يبدأ المسؤولون الإسرائيليون وحلفاؤهم في واشنطن، بما في ذلك جماعات ضغط محلية، بالضغط على الرئيس ترامب لإشراك الولايات المتحدة في الحرب والانضمام إليهم في ضربات هجومية.
بالنسبة لترامب، لا بدّ أنّ هذا يُمثّل خيبة أمل كبيرة. فإدراكاً منها لتردّده في شنّ حرب أخرى في الشرق الأوسط، أعادت حكومة نتنياهو ضبط نهجها عندما ضغطت على ترامب في وقت سابق من كانون الثاني/يناير: فبدلاً من حثّ الولايات المتحدة على ضرب إيران مباشرةً، سعت للحصول على الضوء الأخضر لـ "إسرائيل" للتحرّك. ومن خلال حملة ضغط مكثّفة، يبدو أنّ "إسرائيل" قد حصلت على موافقة ضمنية على الأقل من ترامب على هذه الحملة.
بعد 24 ساعة فقط من بدء حربها الاختيارية مع إيران، عادت "إسرائيل" إلى واشنطن، تطرق باب ترامب بمطالب جديدة. ما بدأ بـ "أعطنا الضوء الأخضر وستقصف إسرائيل إيران نيابةً عن أميركا" سرعان ما تحوّل إلى "أسرعي يا أميركا، واقصفي إيران نيابةً عن إسرائيل!".
تواجه "إسرائيل" تحدّيين رئيسيين بهذا الطلب.
أولاً؛ طلب موافقة أميركا على خوض الحرب أسهل بكثير من طلب التدخّل العسكري الأميركي المباشر. وافق ترامب، على الخيار الأول، لكنّ موافقته على الثاني ستكون تصرّفاً غير حكيم على الإطلاق.
ثانياً؛ كما ذُكر سابقاً، يُحب ترامب الفائزين، وبطلبه التدخّل، تُشير "إسرائيل" إلى خسارتها. لقد فشلت في القضاء على النظام الإيراني أو شلّ برنامجه النووي، وهي الآن تتلقّى ضربات غير متوقّعة في المقابل.
لماذا يُخاطر ترامب بأرواح الأميركيين، ويُعرّض رئاسته للخطر، وينضمّ إلى حرب لم يبدأها، فقط لإنقاذ "إسرائيل" من صراع فاشل وغير مُبرّر؟ يُفضّل ترامب أن يُنسب لنفسه الفضل في الانتصارات، لا أن يتحمّل مسؤولية فشل محتمل لشخص آخر.
في نهاية المطاف، كانت "إسرائيل" هي التي أقنعت ترامب بتبنّي موقف التفاوض القائم على عدم التخصيب تماماً، وهو الموقف ذاته الذي أدّى إلى الجمود الدبلوماسي الذي استغلته "إسرائيل" لاحقاً لتأمين الضوء الأخضر لحملتها العسكرية المتعثّرة. لو التزم ترامب بخطه الأحمر الأصلي - عدم التسلّح - لكان الآن على وشك إبرام اتفاق نووي تاريخي مع إيران.
أصغى ترامب إلى نتنياهو، تماماً كما فعل مع جون بولتون ومايك بومبيو في عام 2018، ومرة أخرى، انحرف شعار "أميركا أولاً" عن مساره مع إيران. هذه هي بالضبط النتيجة التي سعى إليها نتنياهو.
إذا لم يكن هذا ما يريده ترامب، فعليه تغيير مساره فوراً، تماماً كما فعل في اليمن. بدلاً من الانضمام إلى حرب "إسرائيل"، عليه إجبار "إسرائيل" على إنهائها.
بحربها غير المبرّرة، قوّضت "إسرائيل" موقف ترامب التفاوضي بطريقتين رئيسيتين:
أولاً؛ ازداد الدعم لامتلاك سلاح نووي بين النخبة الإيرانية والمجتمع الأوسع رداً على القصف الإسرائيلي. لقد رفع هذا من التكلفة السياسية لموافقة طهران على الحدّ من التخصيب إلى مستويات مدنيّة، مما جعل التوصّل إلى اتفاق أكثر صعوبة.
ثانياً؛ أدّى دعم أميركا لهجوم "إسرائيل"، إلى جانب خطاب ترامب المُهنّئ لذاته، إلى اعتقاد طهران بأنه تعمّد خداعها بشعور زائف بالأمن لتعزيز فرص "إسرائيل". ونتيجة لذلك، تأكّلت الثقة القليلة المتبقّية في ترامب كشريك تفاوضي. وكلما قلّت الثقة، ضاق الطريق إلى اتفاق.
ومع ذلك، لا يزال التوصّل إلى اتفاق ممكناً. ولكن كلما أسرع ترامب في إيقاف حرب "إسرائيل"، زادت فرصه. أمر واحد مؤكّد: إذا عاد ترامب وإيران إلى طاولة المفاوضات، فعليه أن يتخلّى بسرعة عن مطلب التخصيب الصفري المُحبط الذي دافعت عنه "إسرائيل" وبولتون، وهو الموقف ذاته الذي أدّى إلى ولادة هذه الحرب الفوضوية وغير الضرورية.
نقله إلى العربية: الميادين نت.