"Peoples Dispatch": كيف وجّهت المقاومة اللبنانية ضربة قوية إلى "إسرائيل"؟

إنّ إرغام "إسرائيل" على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، يعد انتصاراً للمقاومة اللبنانية.

0:00
  • الدمار في المستوطنات الإسرائيلية من جراء ضربات حزب الله
    الدمار في المستوطنات الإسرائيلية من جراء ضربات حزب الله

موقع "Peoples Dispatch" ينشر مقالاً للكاتبة أسيل صالح، تتحدث فيه عن صمود حزب الله أمام "إسرائيل" وإفشاله مخططها بإعادة تشكيل المنطقة، وتدميره، وعن توحّد اللبنانيين خلال الحرب.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

بعد نحو 14 شهراً من العدوان الإسرائيلي، ضمنها 60 يوماً من التصعيد الكبير، استطاعت المقاومة اللبنانية - حزب الله، أن ترغم "إسرائيل" على توقيع اتّفاق لوقف إطلاق النار وإنهاء عدوانها الوحشي ضدّ لبنان. وقد حقّق الاتّفاق الذي عدّ انتصاراً قوياً للمقاومة، على الرغم من الخسائر الإنسانية والمدنية والعسكرية الهائلة التي لحقت باللبنانيين والمقاومة، التي كبّدت "إسرائيل" خسائر عسكرية كبيرة أيضاً، ما أجبر الولايات المتّحدة على الضغط على نتنياهو للتوصل إلى الاتّفاق المذكور.

وقد أسفرت الحرب الصهيونية على لبنان عن سقوط أكثر من 3823 ضحية من اللبنانيين وجرح ما لا يقلّ عَن 15,859، حسب وزارة الصحّة اللبنانية. ووفقاً للمفوّضية العليا للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين، نزح نحو مليون و200 ألف شخص في بلد يعاني أزمة اقتصادية منهكة منذ العام 2019، إضافة إلى أضرار واسعة في قطاعات مختلفة، ما أدّى إلى تفاقم الوضع الاقتصادي أكثر. ووفقاً لتقرير نشره البنك الدولي منذ نحو شهرين، تقدر الخسائر المادية والاقتصادية الناجمة عن الحرب على لبنان  بنحو 8.5 مليار دولار أميركي، من ضمنها 3.4 مليار دولار من الأضرار التي لحقت بالمباني والمساكن، و5.1 مليار دولار خسائر اقتصادية. وقد تضرّر بشكل فادح أو جزئي نحو 100 ألف منزل ومسكن، في حين وصلت الخسائر الزراعية إلى نحو 1.2 مليار دولار نتيجة تدمير المحاصيل والثروة الحيوانية، إلى جانب نزوح المزارعين، كما قدّر التقرير أنّ 166 ألف فرد من اللبنانيين فقدوا وظائفهم بسبب العدوان.

انتصار حزب الله رغم الخسائر 

يعود الاعتقاد بأنّ حزب الله انتصر في معركته الطويلة ضدّ "إسرائيل" لأسباب عديدة، أهمّها منع الأخيرة من تحقيق أهدافها من الحرب. مع إنّ الحزب عبارة عن مجموعة تعمل ضمن منطقة جغرافية محدودة، في حين تحيط به تحدّيات جيوسياسية وطنية وإقليمية متعدّدة، بمواجهة "إسرائيل" التي تحظى بدعم الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي "الناتو"، الذي لديه أكثر من 40 ألف جندي متمركزين في قواعد عسكرية في مختلف أنحاء غرب آسيا.

 وفي كلمة متلفزة في الأسبوع الماضي، قال الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، إنّ "انتصار حزب الله في هذه الحرب أعظم من النصر الذي حقّقه في عام 2006"، على الرغم من التضحيات الجسام،"نحن نشهد نصراً عظيماً، لأنّنا منعنا العدوّ من تدمير حزب الله وإضعاف المقاومة وأجبرناه على تبرير فشله أمام جمهوره".

المقاومة توحّد اللبنانيين وترفع شعبيتها في المنطقة

لقد شكّلت الطائفية السياسية في لبنان تحدّياً كبيراً على المستوى الوطني. ولكنّ العدوان الإسرائيلي الأخير أظهر أنّ الشعب اللبناني أصبح أكثر وعياً بأهمّية الوحدة الوطنية. وفي خطاب متلفز، قال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري في الأسبوع الماضي: "لقد أظهرت الحرب الوجه الحقيقي للبنان من حيث الوحدة الوطنية بين أبنائه". وقد اكتسب الحزب دعماً شعبياً أكبر بين اللبنانيين عقب صدّه العدوان الإسرائيلي. كذلك، شدّد الشيخ نعيم قاسم على دور الوحدة بين الطوائف والمكونات اللبنانية في إفشال محاولات "إسرائيل" إثارة الفتنة، وقال: "إنّ الاحتلال راهن على الفتنة الداخلية، لكنّ هذه الرهانات فشلت بسبب التعاون بين اللبنانيين، والصمود والتضحية الأسطورية للمقاتلين الذين أذهلوا العالم، وأرعبوا وزرعوا اليأس في نفوس جنود العدوّ".

على المستوى الإقليمي، لطالما أحاطت بحزب الله، دول عديدة حليفة للولايات المتّحدة ترى فيه وتعدّه خصماً لها بسبب أيديولوجيته المعادية للصهيونية والإمبريالية، والتي تتعارض مع مصالحها السياسية. وعلى مدى عقود، عملت حكومات هذه الدول جاهدة على تحريض شعوبها ضدّ الحزب، من خلال تأجيج الصراع المذهبي والعقائدي بشكل منهجي من خلال الدعاية الخبيثة. ولكن، بعد أن أصبح حزب الله جبهة الدعم الرئيسية لغزّة، وضحّى بزعمائه للدفاع عن الشعب الفلسطيني، عادت شعبيته إلى الظهور بين شعوب المنطقة، في حين لا يزال موقف الدول العربية والإسلامية يتّسم بالتراخي في مواجهة الإبادة الجماعية.

صمود حزب الله

لقد أثبت حزب الله أنّه لم يتعطّل من جرّاء اغتيالات كبار قادته وبالهجمات الإرهابية التي تعرّض لها بتفجير أجهزة النداء واللاسلكي. ولقد تمكّن التنظيم من التعافي في وقت قياسي، وكثّف هجماته ضدّ القوّات الإسرائيلية الغازية، ووصل إلى مواقع في عمق أرض العدوّ المحتلّة من خلال ضربات الطائرات من دون طيّار والصواريخ. مع إنّ قدرات حزب الله محدودة من حيث العديد والموارد والأسلحة مقارنة بـ "إسرائيل" التي تمتلك مخزوناً ضخماً ومتطوراً من الأسلحة، تمكّنت المقاومة اللبنانية من الردّ بلا هوادة على العدوان الصهيوني. وبعد 8 أسابيع من محاولات غزو لبنان كانت صفّارات الإنذار تنطلق بمئات المستوطنات والمواقع الإسرائيلية من ضمنها نواح متفرّقة من "تلّ أبيب". وقد استطاع حزب الله تحقيق هذا النصر العسكري، لأنّه استطاع منع توغّلات القوات الإسرائيلية البرّية، وفي الحالات التي استطاعت فيها قوّات الاحتلال غزو بعض القرى والبلدات في الجنوب، طُردت منها بسرعة من قبل مقاتلي المقاومة، ولم تتمكّن من الاحتفاظ بالأرض.

كما تمكّنت المقاومة اللبنانية من إلحاق أضرار جسيمة بمواقع رئيسية في "إسرائيل" من خلال أكثر من 4637 عملية عسكرية معلنة على مدار 417 يوماً، بمعدّل 11 عملية يومياً. وبحسب بيان نشرته غرفة عمليات حزب الله، فقد تمّ قتل أكثر من 130 جندياً وضابطاً إسرائيلياً، وأصيب أكثر من 1250 خلال هذه العمليّات. وفي الوقت نفسه، تمّ تدمير 59 دبابة ميركافا و11 جرّافة عسكرية وسيارتي هامر وعربتين مدرّعتين وناقلتين، كذلك تمّ إسقاط 6 طائرات من دون طيار من طراز "هيرمس 450"، و 2 من طراز "هيرمس 900"، وواحدة شراعية رباعية المراوح.

وقد عبّر عن الخسائر الإسرائيلية ضمناً رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وزعم أنّ إعادة تفعيل "الجيش"، والتغلّب على القيود المفروضة على إمدادات الأسلحة إلى "إسرائيل"، كانت من بين الأسباب التي دفعته إلى الموافقة على اتّفاق وقف إطلاق النار.

وقال عضو المجلس المركزي لحزب الله الشيخ حسن البغدادي إنّ الفشل العسكري الإسرائيلي في لبنان دفع الإدارة الأميركية إلى دفع نتنياهو نحو طاولة المفاوضات من أجل اتّفاق وقف إطلاق النار. وأضاف أنّ "ما حصل كان بسبب الفارق الكبير في الإمكانات بين حزب الله والمقاومة في فلسطين، ما وضع الكيان المؤقّت في دائرة الخطر، لذلك بدأ الأميركيون وغيرهم بالضغط على حكومة نتنياهو لوقف الحرب خوفاً ويقيناً منهم بأنّ "الجيش" الإسرائيلي غير قادر على الانتصار، وليس من أجل لبنان، فكلّ القتل الإسرائيلي والدمار وقع بالصواريخ الأميركية الصنع".

خطط إنشاء "شرق أوسط جديد" تنهار مرّة أخرى

لقد انهارت مرّة أخرى خطط واشنطن و"تل أبيب" لإعادة تشكيل منطقة غرب آسيا، ونجح حزب الله في منع "إسرائيل" والولايات المتّحدة من العبث بأمن لبنان وسيادته ووحدته، كما أكّدَ الحزب اللبناني أنّ مقاومة الكيان الصهيوني هو مطلب كلّ شعوب المنطقة، الأمر الذي يقوّض خطط "إسرائيل" المضنية للتوسع والتطبيع وتصفية القضية الفلسطينية. وهذا ما أكّده الأمين العام الشيخ نعيم قاسم  أنّ "إسرائيل" وضعت خططها قبل 64 يوماً للقضاء على حزب الله، وإعادة المستوطنين الإسرائيليين إلى الشمال، وإقامة "شرق أوسط جديد"، لكن، المقاومة تمكنت من الصمود على الخطوط الأمامية، والمبادرة بشنّ الغارات الجوّية على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، ما وضع الكيان الصهيوني في موقف دفاعي معقّد، كما ارتفع عدد المستوطنين النازحين من 70 ألف مستوطن إلى مئات الآلاف.

نقله إلى العربية: حسين قطايا