"Observer": سياسة الصين في أميركا اللاتينية تكتسب أرضية استراتيجية
بعدما كانت أميركا اللاتينية تحت سيطرة واشنطن، ها هي تتجه الآن نحو الشرق. وتكتسب الصين، من خلال استراتيجيتها التجارية والدبلوماسية والاستثمارية، حلفاء بسرعة.
-
"Observer": سياسة الصين في أميركا اللاتينية تكتسب أرضية استراتيجية
مؤسسة "Observer" البحثية تنشر مقالاً يتناول تطور العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية بين الصين ودول أميركا اللاتينية والكاريبي، مع التركيز على البرازيل كنموذج بارز في هذا السياق.
المقال يُبرز كيف أصبحت الصين لاعباً أساسياً في أميركا اللاتينية، مستفيدة من التوترات الأميركية في المنطقة، ومن احتياجات دولها إلى التنمية والاستثمار، ويشير إلى أنّ هذا الاتجاه مرشح للاستمرار والتوسع، ما يعكس تحوّلاً في التوازنات الجيوسياسية والاقتصادية في نصف الكرة الغربي.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
إذا كانت دولة ما في أميركا اللاتينية تتقن فن موازنة مصالحها الاقتصادية بين الغرب والشرق، فهي البرازيل. البرازيل هي الأفضل استفادة من الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين. بصفتها عملاقاً زراعياً وواحدة من أكبر منتجي الأغذية في العالم، تتنافس البرازيل وجهاً لوجه مع الولايات المتحدة على منتجات مثل فول الصويا والذرة ولحم البقر ولحم الخنزير والدواجن والسكر.
مع فرض الولايات المتحدة والصين رسوماً جمركية على بعضهما بعضاً، تمتعت البرازيل بفرصة كبيرة إلى حد ما. لقد ألغت الحظر المفروض على 5 شركات برازيلية منتجة لفول الصويا، ما زاد صادراتها من فول الصويا إلى الصين إلى ما يقارب مليوني طن في نيسان/أبريل وأيار/مايو 2025.
خططت جمعية صناعات تصدير اللحوم البرازيلية لزيارة 6 مدن صينية عام 2025 للترويج لصادراتها. ومع إلغاء الصين طلباً بقيمة 12000 طن من لحم الخنزير الأميركي، يتطلع مصدرو لحم الخنزير البرازيليون الآن إلى السوق الصينية.
هذا التفاعل بين البرازيل والصين اليوم هو نتيجة دبلوماسية منسقة بين البلدين. منذ 16 عاماً حتى الآن، كانت الصين أكبر شريك تجاري للبرازيل، فيما تظل الولايات المتحدة أكبر مستثمر أجنبي في البرازيل. يتجلى هذا التوازن في الاقتصاد بقدر ما هو واضح في السياسة.
يؤكد الرؤساء البرازيليون العلاقات السياسية القوية مع واشنطن بقدر ما يفعلون مع بكين، مع زيارات رئاسية منتظمة لكلا البلدين. تشكل العلاقات البرازيلية الصينية المتطورة جزءاً صغيراً من صورة أكبر: أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي كمنطقة، كانت في السابق مدينة بالولاء لجارتها الشمالية. وقد تحولت بقوة إلى الصين في القرن الحادي والعشرين، وهذا نتيجة للدبلوماسية الصينية بقدر ما هو دفع حازم من عواصم أميركا اللاتينية للانخراط بشكل أكبر مع العملاق الآسيوي.
على مر السنين، نشرت الحكومة الصينية العديد من الأوراق البيضاء حول منطقة أميركا اللاتينية والكاريبي، وساعدت في تنظيم 17 قمة أعمال بين الصين ودول أميركا اللاتينية والكاريبي، كان آخرها في نيكاراغوا في تشرين الثاني/نوفمبر 2024. وكثيراً ما زار قادة صينيون رفيعو المستوى منطقة أميركا اللاتينية والكاريبي، والعكس صحيح. علاوة على ذلك، وقّعت الصين اتفاقيات تجارة حرة مع بيرو وكوستاريكا وتشيلي ونيكاراغوا والإكوادور.
في حالة الصين، غالباً ما ينسجم العمل والسياسة؛ فقد تضخم حجم تجارتها الثنائية مع منطقة أميركا اللاتينية والكاريبي من نحو 20 مليار دولار أميركي فقط في بداية القرن الحادي والعشرين إلى 516 مليار دولار أميركي عام 2024.
ويبدو أنّ شهيتها لسلع منطقة أميركا اللاتينية والكاريبي لا تعرف حدوداً؛ ففي عام 2024، صدّرت منطقة أميركا اللاتينية والكاريبي سلعاً إلى الصين بقيمة تزيد على 180 مليار دولار أميركي، من النحاس وخام الحديد إلى فول الصويا والنفط الخام.
علاوة على ذلك، تشتري الصين أكثر بكثير من السلع من المنطقة، وهي من بين أسواق التصدير الرئيسية لمنطقة أميركا اللاتينية والكاريبي من النبيذ والفواكه الغريبة والدوائر المتكاملة (من كوستاريكا والمكسيك) أيضاً. وعلى الرغم من أنّ الصين ليست أكبر مستثمر أجنبي في المنطقة، فإنّها تقترب من ذلك.
ووفقاً لبيانات الحكومة الصينية، يبلغ رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) للبلاد في أميركا اللاتينية حالياً ما يقارب 600 مليار دولار أميركي، وهو ما يمثل 21% من إجمالي الاستثمارات الصينية في الخارج. كما تطورت طبيعة الاستثمارات أيضاً على مر السنين، من الصناعات الاستخراجية إلى ما تسميه الصين اليوم "البنية التحتية الجديدة"، وهو مصطلح يلخص الاستثمارات المتعلقة بالابتكار في قطاعات مثل الاتصالات والتكنولوجيا المالية والطاقة الخضراء. كما نمت القروض الصينية للمنطقة بشكل كبير. على مدى 8 سنوات بين عامي 2009 و2017، قدمت الصين قروضاً للمنطقة أكثر من البنك الدولي.
ومع ذلك، يبقى السؤال: كيف وصلت العلاقات بين الصين ومنطقة أميركا اللاتينية والكاريبي إلى هذه المرحلة؟ وإلى أين تتجه في العقد المقبل؟
أولاً، وقبل كل شيء، يرتكز تواصل الصين مع منطقة أميركا اللاتينية والكاريبي على دبلوماسيتها الاقتصادية. تتفاوض بكين مع كل دولة في المنطقة، بغض النظر عن أيديولوجيتها. وعلى الرغم من جهود واشنطن، يواصل الصينيون إبرام صفقات تجارية والتداول مع الحكومات اليمينية التي تميل أكثر نحو الغرب، سواء كان زعيم الإكوادور المحافظ غييرمو لاسو (الذي وقع اتفاقية تجارة حرة مع الصين عام 2023) أو الرئيس الليبرتاري الأرجنتيني خافيير ميلي، الذي تطور انتقاده الأولي للصين خلال مرحلة الحملة الانتخابية إلى براغماتية بمجرد توليه منصبه.
ثانياً، تسير آلية الحكومة الصينية جنباً إلى جنب مع شركاتها لتعزيز التجارة والاستثمار، ما يمنح العملاق الآسيوي أيضاً ميزة على منافسيه، سواء كانت الولايات المتحدة أو أوروبا أو الهند. وقد ساعد هذا أيضاً الصين على تطوير انخراطها تدريجياً مع المنطقة بناءً على الاتجاهات المحلية والإقليمية، بما يتماشى مع احتياجات منطقة أميركا اللاتينية والكاريبي في البنية التحتية والتكنولوجيا، ومؤخراً، الطاقة الخضراء.
من المرجح أن تُعمّق الصين علاقتها مع منطقة أميركا اللاتينية والكاريبي بشكل أكبر. ويعود ذلك جزئياً إلى اندفاع المنطقة نحو التنويع بعيداً عن الولايات المتحدة التي صعّدت تهديداتها لأميركا اللاتينية من خلال مزاعم جامحة بالاستيلاء على قناة بنما، وترحيل ملايين المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية، وفرض تعريفات جمركية على الواردات تُلغي اتفاقيات التجارة الموقعة سابقاً.
وبينما أكملت أميركا الجنوبية تحولها نحو الصين قبل نحو عقد من الزمن، هناك دلائل على أنّ أميركا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي أيضاً، وهي معقل تقليدي للسياسة الخارجية الأميركية، تُفكّر في تغيير موقفها، فقد حوّلت كوستاريكا وبنما وجمهورية الدومينيكان والسلفادور ونيكاراغوا وهندوراس اعترافها الدبلوماسي من تايوان إلى الصين خلال العقدين الماضيين. يرى الصينيون هذا الأمر بمنزلة مقايضة؛ فبينما تزيد الولايات المتحدة من نفوذها في مسرح المحيطين الهندي والهادئ، تفعل الصين الشيء نفسه في جوار واشنطن في الأميركيتين.
نقلته إلى العربية: بتول دياب.