"Eurasia Review": "إسرائيل" تُستنزف.. وتَنتظر رد إيران

مُعاناة الانتظار غير المحدّد لعملية طهران الانتقامية رداً على اغتيال إسماعيل هنية، تشكّل في حدّ ذاتها إنجازاً لها ولمحور المقاومة.

0:00
  • "Eurasia Review": مُعاناة الانتظار غير المحدّد لعملية طهران الانتقامية تشكّل في حدّ ذاتها إنجازاً لها ولمحور المقاومة.

موقع "Eurasia Review" ينشر مقالاً للدبلوماسي الهندي إم كيه بهادراكومار، يتحدث فيه عن المفاوضات، والرد الإيراني المنتظر، وكيف أنّ جبهات المقاومة تستنزف "إسرائيل". 

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

كُلّ هذه الحماسة المصطنعة للرئيس الأميركي جو بايدن ومدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز، لأجل التوصّل إلى اتّفاق وقف إطلاق النار والعدوان الإسرائيلي على غزّة،  لا تخفي الحقيقة المروّعة عن أنّ هذا الطريق لن يؤدّي إلى أيّ مكان، إلّا إذا حرمت الولايات المتّحدة بنيامين نتنياهو من الضوء الأخضر لاستمراره بتنفيذ الإبادة الجماعية الجارية بحقّ المدنيّين الفلسطينيين في قطاع غزّة.

لا يكتفي نتنياهو بالتلاعُب بالجهود الدولية التي تتصدّرها الولايات المتّحدة لإنهاء العدوان على غزّة، بل إنّه يزدري ما تقوم به إدارة بايدن ويوقّت أبشع جرائم "جيشه" في غزّة مع كلّ زيارة لمسؤول أميركي إلى الأراضي المحتلّة. وكان أجددها عشية وصول وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى "تلّ أبيب"، في الأسبوع الماضي، للضغط على نتنياهو وإقناعه بالتعاون، لكنّ الأخير أمر بشنّ غارة جوّية على مدينة دير البلح في وسط غزّة، ما أسفر عن مقتل أكثر من 20 فلسطينياً بينهم 6 أطفال. وكان بايدن قد أكّد في اليوم السابق فقط  أنّ جميع الأطراف المشاركة في المفاوضات، "يجب أن تكفّ عن عرقلة الجهود الدبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة لوقف الحرب وتأمين صفقة لإعادة الرهائن وتحقيق وقف إطلاق النار لإنهاء إراقة الدماء".

في الحقيقة، إنّ إعلان إدارة بايدن عن وصول المفاوضات إلى نقطة تحوّل إيجابية بعد انسداد، ليست سوى استراتيجية لقادة المنظومة الغربية لإقناع إيران بالتريّث وضبط النفس، في حين لا يملكون الشجاعة الأخلاقية والسياسية اللازمة للتعامل مع نتنياهو، الذي يعمل بجد على تقويض عملية الدوحة، لأنّه ببساطة غير مهتمّ بِاتّفاق وقف إطلاق النار الذي قد يؤدّي إلى إقالته من السلطة، والتحقيق لتحديد المسؤولية عن عملية "طوفان الأقصى"، إضافة إلى ملاحقته قضائياً بتهم فساد ورشوة وغيرها، والتي من شأنها أن تدخله السجن.

لا ريب أنّ طهران تشكّك في إمكانية تحقيق السلام في غزّة بوساطة أميركية، ولكنّها حريصة على عدم خلق أيّ حقائق جديدة على الأرض أثناء مفاوضات الدوحة. وهي قد تبنّت موقفاً ناضجاً ومسؤولاً بعدم إخراج عملية الدوحة عن مسارها، لحرصها على وضع حدّ للعدوان الوحشي الإسرائيلي على غزّة، حيث استشهد أكثر من 40 ألف فلسطيني حتّى الآن.

سيشكّل ردّ حركة حماس على المقترحات الجديدة التي قدّمتها الولايات المتّحدة في اجتماع الدوحة عاملاً حاسماً بالنسبة إلى توجّهات طهران في هذا الشأن. ومن خلال المؤشّرات المتاحة حتّى الآن ما زالت هناك خلافات خطيرة بشأن استمرار وجود الاحتلال الإسرائيلي داخل القطاع، وخاصّة على طول الحدود مع مصر، وحول حرّية حركة الفلسطينيين داخل غزّة، وحول هويّة الأسرى الذين سيطلق سراحهم في صفقة تبادل وعددهم.

يتّضح أمام إدارة البيت الأبيض أنّ هناك الكثير مما يستحقّ التفكير فيه بالنسبة إلى العلاقة مع طهران، في ظلّ رئاسة مسعود بزشكيان والحكومة الجديدة الراغبة في الحوار البنّاء مع الغرب، وتعطي الأولوية لرفع العقوبات الجائرة عنها. وكان قد أكّد مرشّح بزشكيان لوزارة الخارجية عباس عراقتشي هذه المعايير السياسية في شهادته أمام مجلس الشورى في أثناء جلسة الثقة على تعيينه في الأسبوع الماضي، والتي حاز عليها بالإجماع كدلالة على التزامه وحرفته. والمصادقة المذهلة من جانب مجلس الشورى على القائمة الكاملة للوزراء الذين اقترحهم الرئيس مسعود بزشكيان تشير إلى عدم وجود أي خلافات بين المؤسّسات السياسية المتنوّعَة في الدولة. وهذه الرسالة القويّة وصلت بالتأكيد إلى طاولة صنّاع السياسات في واشنطن وعواصم غربية أخرى.

تمضي حكومة مسعود بزشكيان في الإرث الذي خلّفه الراحل الرئيس إبراهيم رئيسي في السياسة الخارجية وتستلهم منها توجّهاتها، محاطة بإجماع وطني واسع ومتين ويعزّز من قُدرة  إيران وقوّتها للتعامل مع الغرب ببراغماتية تستند إلى موقعها في ميزان القوى الإقليمية والدولية. وسيكون من غير الحكمة للغاية أن تتجاهل واشنطن نافذة الفرصة للتعامل مع طهران بمسؤولية.

إنّ إصرار طهران على صدّ الترهيب الغربي هو في أعلى مستوياته إطلاقاً. والخلاصة هي أنّ إيران لن تخضع للإملاءات. وفي ظلّ الظروف الحالية، فمن غير المنطقي عدم التوقّع من طهران أن لا تردّ على العدوان الإسرائيلي وانتهاك سيادتها، وسوف يكون ردها قوياً وحاسماً ورادعاً للمستقبل أيضاً.

تُجمع إيران على فعل ما تراه ضرورياً وواجباً إزاء شرفها الوطني. وكان نائب قائد الحرس الثوري الجنرال علي فدوي قد قال بوضوح، "سنحدّد توقيت وطريقة عقاب الدولة الصهيونية المغتصبة التي ارتكبت جريمة كبرى باغتيال الشهيد إسماعيل هنية، وهذه المرّة سوف يكون عقابها أشدّ من ذي قبل". كذلك كانت بعثة إيران لدى الأمم المتّحدة قد أعلنت عن أنّ أيّ ردّ يجب أن يعاقب نظام الاحتلال الإسرائيلي، ويثبّط أيّ اعتداءات مستقبلية على البلاد، ويجب أن يكون فعّالاً، ويتجنّب بعناية أيّ تأثير سلبي محتمل في مفاوضات وقف العدوان على غزّة. وأضافت البعثة من على منبر الأمم المتّحدة، أنّ "توقيت الردّ الإيراني وظروفه وطريقته سوف تنسّق بعناية لضمان وقوعها في لحظة المفاجأة القصوى، ربّما عِندما تكون أعين الصهاينة ثابتة على السماء وشاشات الرادار الخاصة بهم، فسوف يفاجأون من الأرض أو ربّما من الجهات كلّها في آن".

إنّ البيان الإيراني الصادر من على المنصّة الأممية في نيويورك هو رسالة موجّهة إلى البيت الأبيض، مفادها أنّ الكرة في ملعب الولايات المتّحدة و"إسرائيل". ومن المثير للاهتمام أنّ البيان تزامن مع الانتشار العسكري "الدفاعي" للولايات المتّحدة التي تُحاول أن تظهر جُهودها المضنية كي تقنع نتنياهو بالتوقيع على إنهاء العدوان على غزّة.

مع ذلك، لا إيران ولا الولايات المتحدة تريدان الحرب الإقليمية، على عكس "إسرائيل"، التي تفتقر ببساطة إلى القدرة على خوض حرب مع إيران من دون مساعدة الولايات المتّحدة والمنظومة الغربية مجتمعة.

إنّ ما كشفه حزب الله عن أصوله الواسعة والمتنوّعة من الصواريخ، مع مساندته الفعّالة الميدانية لغزّةَ، يُشكّل نموذجاً لما قد تواجهه "إسرائيل" ومستوطنوها في حال توسّع الحرب.

إنّ "إسرائيل" تخوض حرب استنزاف، تماماً كما أراد الإيرانيون، بعد أن نجحت في توحيد جبهات المقاومة، ومُعاناة الانتظار غير المحدّد لعملية طهران الانتقامية تشكّل في حدّ ذاتها إنجازاً لها ولمحور المقاومة.

نقله إلى العربية: حسين قطايا

حركة المقاومة الإسلامية، حماس، تنعى قائدها، إسماعيل هنية، باستهداف إسرائيلي لمكان إقامته في العاصمة الإيرانية طهران، حيث كان يشارك في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان.