"Conversation": بعد الهجوم على قطر.. ما تحديات دول الخليج في الشرق الأوسط؟

إنّ الهجوم الإسرائيلي على الدوحة يبرز حقيقة صارخة بالنسبة إلى دول الخليج الساعية إلى الاستقرار والنمو، فهي لا تزال رهينة للأحداث.

  • هجوم إسرائيلي على قطر استهدف كبار قادة حماس في الدوحة
    هجوم إسرائيلي على قطر استهدف كبار قادة حماس في الدوحة

موقع "The Conversation" الأميركي ينشر مقالاً يتناول فيه الهجوم الإسرائيلي على قطر، مسلطاً الضوء على دور دول الخليج في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، ويستعرض مواقفها واستراتيجياتها في ظلّ التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

تتمتع دول قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، الغنية بالنفط، بمزايا عدة: الثروة، والاستقرار الداخلي، والنفوذ العالمي المتنامي. في الأشهر الأخيرة، بدا أن هذه الممالك الخليجية اقتربت من هدفها الطويل الأمد: الحصول على دعم أميركي موثوق أقوى وأقل انتقاداً من أي وقت مضى.

يجد ملوك الخليج العرب غير المنتخبين في دونالد ترامب حليفاً في واشنطن، تخلى إلى حد كبير عن المخاوف الأميركية السابقة بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان. وتشير أول رحلة دولية مقررة للرئيس الأميركي في ولايته الثانية إلى السعودية وقطر والإمارات إلى التأكيد على نفوذ هذه الدول في الساحة الدولية.

إضافة إلى ذلك، فإن الإطاحة الشعبية بحكومة الأسد في سوريا وحرب "إسرائيل" ضد إيران وحلفائها في لبنان واليمن ساهما في إضعاف التهديد الإيراني المزعوم لمصالح دول الخليج العربية بشكل كبير.

ومع ذلك، وبصفتي خبيراً في سياسات الشرق الأوسط، أعتقد أن دول الخليج العربية لا تزال مضطرة إلى خوض غمار صراع سياسي إقليمي محتدم. وكما يُظهر استهداف "إسرائيل" لكبار قادة حماس في قطر  يوم 9 أيلول/سبتمبر 2025، فإنّ الأحداث التي ترتكبها جهات فاعلة أخرى في الشرق الأوسط عادةً ما تُعرقل خطط قادة الخليج.

إنّ كيفية تعامل هذه الدول مع أربعة تقلبات مُحددة سيكون لها تأثير كبير في آمالها في الاستقرار والنمو:

1- إدارة سوريا ما بعد الحرب الأهلية

في سوريا، أدت دول الخليج العربي، التي كانت تعارض سابقاً حكومة بشار الأسد، دوراً محورياً في دعم الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع. وقد نجحت هذه الدول في الضغط على الولايات المتحدة لإسقاط العقوبات.

إضافة إلى المصالح الإقليمية المشتركة مع الشرع، يسعى قادة دول الخليج العربية إلى دولة سورية خالية من الحرب الداخلية، قادرة على استيعاب ملايين اللاجئين الذين فروا من الصراع إلى دول أخرى في الشرق الأوسط.

يمكن لدول الخليج دعم سوريا ما بعد الحرب دبلوماسياً ومالياً. ومع ذلك، لا يمكنها تجاهل إرث الحرب الطويلة والصراع الطائفي. تُبرز الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية منذ سقوط الأسد، إضافة إلى اندلاع المعارك مؤخراً في محافظة السويداء جنوب سوريا، هشاشة الحكومة السورية المستمرة ومخاوفها بشأن قدرتها على احتواء العنف والهجرة خارج حدودها.

2- تحدي السياسة الإقليمية

تُجسّد سوريا تحدياً سياسياً أوسع نطاقاً تواجهه دول الخليج؛ فمع تنامي ثرواتها وقوتها العسكرية ونفوذها، أصبحت هذه الدول مهيمنة في العالم العربي.

ونتيجةً لذلك، استثمرت قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مليارات الدولارات في جهودٍ للتأثير في الحكومات والجماعات في جميع أنحاء العالم، لكن دول الخليج هنا ممزقة سياسياً، فإذا تشكلت أنظمة ديمقراطية في أماكن أخرى من العالم العربي، فقد يشجع ذلك مواطني الخليج على المطالبة بحكومات منتخبة في الداخل. ومع ذلك، فإن الحكومات العربية المُفرطة في الإكراه خارج الخليج قد تكون عرضة للاضطرابات الشعبية وحتى للحرب الأهلية.

إن دعم الحكومات الإقليمية غير الشعبية قد يُؤدي إلى نتائج عكسية على قادة دول الخليج العربية بإحدى طريقتين:

أولاً، قد يُغري دول الخليج بحروب طويلة الأمد ومدمرة، كما حدث مع التدخل العسكري الفاشل للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في اليمن ضد الحوثيين. ثانياً، قد يؤدي ذلك إلى إثارة الخلاف بين دول الخليج، كما هو الحال في الصراع الحالي في السودان، حيث تدعم السعودية والإمارات فصائل متنافسة.

3- المسار في إيران

قد يتطلب التعامل مع إيران توازناً دقيقاً من قطر والإمارات العربية المتحدة، اللتين تتمتعان بعلاقات أكثر قرباً من طهران جغرافياً، وتحافظان على علاقات أقوى نسبياً.

ونظراً إلى ذلك، قد ترحب دول الخليج سراً بتراجع القوة العسكرية الإيرانية في أعقاب حرب "إسرائيل" الأخيرة ضد إيران وحلفائها، مثل حزب الله في لبنان، فيما تخشى في الوقت نفسه تفاقم الصراع الإيراني الإسرائيلي.

في الوقت نفسه، تُشكّل إيران، في حال تراجع قوتها، نوعين جديدين من المخاطر المحتملة على دول الخليج؛ فإذا ازدادت حالة عدم الاستقرار في إيران، فقد تمتد آثار الاضطرابات الناجمة عن ذلك إلى جميع أنحاء المنطقة.

إضافة إلى ذلك، إذا أدت الاضطرابات العسكرية والسياسية والاقتصادية في إيران إلى نظام سياسي جديد، فقد يُقلق ذلك دول الخليج، فلا حكومة ديمقراطية ذات أغلبية مسلمة ولا نسخة قومية أكثر تشدداً في إيران ستحظى بقبول ملوك الخليج المجاورين.

في المقابل، تُقلق المخاوف من أن يؤدي القصف الإسرائيلي والأميركي لإيران إلى زيادة عزمها على مواصلة برنامجها النووي أيضاً قادة الخليج.

4- التعايش مع الحزم العسكري الإسرائيلي

لطالما شكّلت "إسرائيل"، القوة العسكرية الغاشمة والدولة النووية الوحيدة في المنطقة، معضلات سياسية عميقة لدول الخليج العربية. ويتمثل التحدي الحالي في كيفية موازنة الاستياء العالمي الهائل من حرب الحكومة الإسرائيلية على غزة - بما في ذلك بين مواطني دول الخليج العربية - مع المصالح الاستراتيجية المشتركة لدول الخليج مع إسرائيل.

يواجه قادة دول الخليج ضغوطاً محلية وإقليمية لإظهار التضامن مع الفلسطينيين وتطلعاتهم إلى إقامة دولة.

ومع ذلك، يتشارك حكام الخليج أيضاً أهدافاً استراتيجية مع "إسرائيل"؛ فإلى جانب معارضتهم للنفوذ الإيراني، تحافظ دول الخليج على روابط عسكرية قوية مع الولايات المتحدة، مثل "إسرائيل". كما تُقدّر هذه الدول القيمة الاقتصادية والأمنية الأخرى للمنتجات الإسرائيلية عالية التقنية، بما في ذلك البرمجيات المستخدمة في التجسس والأمن السيبراني.

يساعد هذا في تفسير قرار الإمارات العربية المتحدة عام 2019 بالانضمام إلى القائمة المختصرة للدول العربية التي تربطها علاقات دبلوماسية كاملة بـ"إسرائيل". هدفت حماس بهجومها على "إسرائيل" عام 2023 إلى منع المملكة العربية السعودية من أن تحذو حذوها.

في الواقع، توقفت التحركات نحو الاعتراف الدبلوماسي السعودي العلني بـ"إسرائيل" بسبب هجوم حماس وردود الفعل العالمية التي أعقبت الدمار المستمر الذي أحدثته "إسرائيل" في غزة.

ربما لا يزال قادة الخليج يعتقدون أن تطبيع العلاقات مع "إسرائيل" سيكون مفيداً للآفاق الاقتصادية طويلة الأجل للمنطقة. ولم تتراجع البحرين والإمارات العربية المتحدة - الدولتان العربيتان الخليجيتان اللتان تربطهما علاقات دبلوماسية بـ "إسرائيل" - عن علاقتهما الرسمية.

ومع ذلك، فإن توسيع العلاقات المفتوحة مع "إسرائيل" بشكل أكبر واستيعاب دول خليجية أخرى، يبدو أمراً غير مرجح من دون حدوث تغيير حقيقي في سياسة "إسرائيل" تجاه الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.

ويزداد هذا الاحتمال وضوحاً في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على قطر مباشرةً، وهي المرة الأولى التي تشن فيها "إسرائيل" ضربة داخل دولة خليجية. ومن المرجح أن يؤدي هذا الإجراء، حتى لو كان موجّهاً ظاهرياً ضد حماس، إلى تفاقم التوترات، ليس فقط مع قطر، بل وزيادة الضغط على حسابات دول الخليج العربية المتحالفة في تعاملها مع "إسرائيل".

طريقٌ مُعقّدٌ أمام دول الخليج العربية

تُؤكّد هذه التحديات حقيقةً لا مفرّ منها لقادة الخليج: إنهم رهائن لأحداثٍ خارجة عن سيطرتهم، ويتطلب عزلهم عن هذا الواقع وحدة إقليمية.

تأسس مجلس التعاون الخليجي، الذي يبلغ قرابة 45 عاماً، خصيصاً لهذا الغرض. ورغم أنه لا يزال أنجح منظمة إقليمية في الشرق الأوسط، فإنّ مجلس التعاون الخليجي لم يمنع دائماً حدوث خلافاتٍ كبيرة، كما حدث عام 2017 عندما قطع تحالفٌ من الدول العربية بقيادة المملكة العربية السعودية علاقاته مع قطر وفرض حصاراً عليها.

حُلّ النزاع عام 2021. ومنذ ذلك الحين، تعاونت الدول الأعضاء الست في مجلس التعاون الخليجي معاً بشكلٍ أوثق.

لا شكّ في أن التنافسات والخلافات لا تزال قائمة. ومع ذلك، فقد تعلّم قادة الخليج العربي أن التعاون مفيدٌ في مواجهة التحديات الكبرى. 

ويأتي درسٌ ثانٍ من الشرق الأوسط الأوسع، فكثيراً ما تكون القضايا الرئيسية مترابطة، ولا سيما وضع الفلسطينيين. أدى هجوم حماس على "إسرائيل"، وما نتج منه من تدمير جزء كبير من غزة، إلى إحياء الشعبية الكبيرة في المنطقة لمعالجة احتياجات الفلسطينيين وحقوقهم.

يرغب ملوك الخليج العربي في الحفاظ على مكانتهم السياسية المحلية من دون منازع، مع توسيع نفوذهم في الشرق الأوسط وخارجه. ومع ذلك، حتى عندما يرغب قادة الخليج في تجاوز تحديات المنطقة، فإن هذه التحديات لا تُحسم دائماً.

نقلته إلى العربية: بتول دياب.