"972+": التاريخ الكامل للظلم الإسرائيلي للفلسطينيين في قرية واحدة
هدمت "إسرائيل" قرية أمّ الحيران البدوية في صحراء النقب، ودمّرت مسجد البلدة، والآن أصبح سكّانها بلا مأوى.
مجلة "972+" الإسرائيلية تنشر تقريراً بالتعاون مع صحيفة "لوكال كول" الإسرائيلية، كتبته الصحافية أورلي نوي، تحدثت فيه عن تهديم قرية أم حيران في النقب.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية بتصرف:
في الأسبوع الماضي، هدمت "إسرائيل" بلدة فلسطينية جديدة، حيث اقتحم مئات من رجال الشرطة قرية أمّ الحيران البدوية في صحراء النقب، مع القوّات الخاصّة والطائرات المروحية. وقد ختم الإسرائيليون الخراب بإزالة مسجد البلدة. والآن، أصبح سكّانها بلا مأوى.
ولفهم التاريخ الكامل للظلم الصهيوني ضدّ الفلسطينيين بكلّ ما فيه من تمييز وعنصرية وتهجير وعنف، استناداً إلى رؤية التفوّق اليهودي والهوس في تنفيذ الهندسيات السكّانية، تتقدّم قرية أمّ الحيران كنموذج يتكثّف فيه الظلم التاريخي الإسرائيلي للفلسطينيين.
إنّ تدمير بلدة عربية بدوية لا يثير في الخطاب الإسرائيلي اليهودي أيّ مفاجأة. فقد كانت القرية "غير معترف بها " بالنسبة لهم، وقد استخدمتها "إسرائيل" لتصوير المواطنين البدو باعتبارهم "غزاة في أرضهم". وعلى هذا الأساس، يقوم التدمير المنهجي للمجتمعات الفلسطينية، وإظهاره مجرّد حملة صارمة ضدّ مُنتهكي القواعد.
لم توفّر عقود الاحتلال الإسرائيلي لقرية أمّ الحيران، أيّ مستوى من البنية التحتية والخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والتعليم والصرف الصحّي، بانكشاف للفساد الصهيوني بحرمان سكّان النقب الفلسطينيين من أبسط شروط الحياة لأجيال، قبل أن تحلّ محلّهم ذات يوم مستوطنات يهودية يطلق عليه اسم "جعل الصحراء تزدهر".
في النقب المحتل مساحات شاسعة خالية. ورغم هذا، تصرّ "إسرائيل" على تدمير القرى الفلسطينية بحجّة أنّها "غير معترف بها" ولبناء قرى يهودية جديدة مكانها. لا شكّ في أنّ هٰذا ليس بالأمر الجديد. فقد دأبت "إسرائيل" على تدمير المجتمعات الفلسطينية وتوطين اليهود في أرضهم منذ قيامها. وأخلت مئات المدن والقرى الفلسطينية خلال نكبة عام 1948 وحدها. ولكنّ قصّة أمّ الحيران تحتوي على مستوى آخر من موقف "إسرائيل" تجاه الفلسطينيين، وهو أمر ضروري لفهم أسلوب عمل الصهيونية، التي تصوّر الوجود الفلسطيني باعتباره وجوداً مؤقتاً وكائنات غير دائمة، ومجرّد أحجار شطرنج قابلة للتحرّك في لعبة الهندسة السكّانية التي تقوم بها.
وهذا أحد أكثر أشكال عنف نظرية "التفوّق اليهودي". إذ ينظر إلى الفلسطينيين باعتبارهم غباراً بشرياً يمكن إزاحته ببساطة حسب ما يقتضي المشروع الإسرائيلي في الهندسة السكّانية في فلسطين من النهر إلى البحر. وهذا يشكّل محوراً أساسياً في نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين الذين تضع الدولة نصب أعينها الاستيلاء على أراضيهم، ويغذّي ما تريد "إسرائيل" إظهاره بأنّ هؤلاء الناس لا جذور لهم، وأنّ نقلهم من مكان إلى آخر لا يمكن اعتباره تهجيراً.
إنّ الإسرائيليين في طور تنفيذ تطهير عرقي واسع النطاق في الضفّة الغربية بحجّة الأمن وسيادة القانون، كما هو حاصل بغزّة حيث تصدر أوامر الإخلاء لمئات الآلاف من الفلسطينيين مراراً وتكراراً، وتحويلهم إلى بدوّ رحل أبديين كما أرادت الصهيونية أن تصور الفلسطينيين، وتزعم أن ما تقوم به أعمال إنسانية.
لقد أرادت الصهيونية تحويل الفلسطينيين إلى شعب مؤقّت بهوية عابرة. ولعلّ ما يدعم هذا العزم الصهيوني على اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم هو الخوف الداخلي من ارتباطهم العميق بالأرض. وربّما يكون الوهم هو أنّهم إذا ما اقتلعوا من جذورهم وألقوا من مكان إلى آخر مرّاتٍ كافية سواء من خلال مسيرات الموت في غزة، أو التطهير العرقي في الضفّة الغربية، أو التدمير والطرد في النقب، فسوف يستسلمون في نهاية المطاف ويرحلون. لكنّ، "إسرائيل" تدرك من الذي زرع أشجار الزيتون التي يقصف أرضها "جيشها" في غزّة، ويشعلها المستوطنون في الضفّة، وبعد عقود من الدمار والطرد والمذابح، لا تزال الصهيونية ترفض قبول حقيقة أنّ الفلسطينيين والأشجار باقون لن يرحلوا إلى أيّ مكان.
نقله إلى العربية: حسين قطايا