"972+": الإسرائيليون يتجرعون من الكأس المرّة نفسها

لقد تسببت الصواريخ الإيرانية بشعور عدد كبير من الإسرائيليين بالخوف الوجودي لأول مرة. وحتى لو استمر وقف إطلاق النار، فإن شعورهم بعدم الأمان سيظل قائماً. 

  • صاروخ إيراني يصيب مبناً في تل أبيب
    صاروخ إيراني يصيب مبنى في تل أبيب

مجلة "972+" الإسرائيلية تنشر مقالاً يفيد بأنّ صواريخ إيران أثارت لدى العديد من الإسرائيليين قلقاً وجودياً للمرة الأولى. وفي حال صمود وقف إطلاق النار، فإن شعورهم المهتزّ بالحصانة سيظل قائماً.

ويتناول المقال الرقابة العسكرية المفروضة على الصحافة، والانتهاكات التي تطال حرية الإعلام، من ملاحقة الصحافيين، ومصادرة معداتهم، والتحقيق معهم، إلى منعهم من التصوير، وتوجيه الاتهامات إلى كل من يوثّق آثار الضربات الإيرانية وتهديده بالقتل.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

خلال الأيام الـ12 الماضية، قمتُ بتوثيق المشاهد اليومية للهجمات الصاروخية الإيرانية على "إسرائيل"، والتي وقعت أغلبها ليلاً. في بعضها، وصلتُ بعد دقائق فقط من الاصطدام، فيما كانت النيران لا تزال مشتعلة، وانتشال الجرحى من تحت الأنقاض لا يزال جارياً.  

الوصول خلال الظلام دائماً ما يكون خادعاً، فلا ترى سوى سيارات الإسعاف وعربات الإطفاء. ومع بزوغ الفجر، يتكشف تدريجياً الحجم الحقيقي لموقع الكارثة: عدد المنازل والمركبات والنوافذ المتضررة، وما إذا كان هناك أشخاص لا يزالون مدفونين تحت الأنقاض. وبعد ساعات من وقوع الهجوم، يعود السكان لمحاولة استرداد بعض ممتلكاتهم، فيما يصل الجيران والمتفرجون الفضوليون لتفقد الأضرار.

وقد عملت فرق الإنقاذ في موقع الهجوم في "بات يام"، حيث قُتل 9 إسرائيليين، لأيّام من أجل إزالة الأنقاض وانتشال جميع الجثث. والمباني المنهارة، والحفر الهائلة، والأشجار والسيارات المغطاة بالرماد، والناس الفارون بملابس النوم مع أطفالهم وممتلكاتهم بين أذرعهم، تشبه بشكل مخيف الصور التي شاهدها الإسرائيليون وهم يخرجون من غزة على مدى العامين الماضيين، على الرغم من الرقابة الذاتية التي تمارسها وسائل الإعلام.

وبخلاف مشاهد هجمات إطلاق النار أو الهجمات الصاروخية السابقة في أنحاء "إسرائيل"، حيث كان شعار "الموت للعرب"  يتردد في كل مكان، لم أصادف أي دعوات للانتقام أو هتافات تصدح بـ"الموت للإيرانيين". ولعل السبب في ذلك هو الصدمة التي أصيب بها الجميع، أو مبادرة "إسرائيل" بالهجوم على إيران، أو الحسابات الأعمق لحدود القوة الإسرائيلية، وهذه أول حرب تشنّها "إسرائيل" ضد دولة ذات سيادة منذ عام 1973، وأول حرب تشنّها ضد دولة منذ عام 1967.

وفي صباح 24 حزيران/يونيو، أُعلن عن وقف إطلاق النار الهشّ، ولكن ليس قبل أن يضرب صاروخ إيراني مبنى سكنياً في مدينة بئر السبع جنوبي "إسرائيل" ويتسبب بمقتل 4 أشخاص. وسواء صمد وقف إطلاق النار أم لم يصمد، يستطيع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن ينسب لنفسه الفضل في إنجاز كبير واحد، وهو تحطيم شعور الإسرائيليين بالحماية.

هذه الحرب، التي أودت بحياة ما لا يقل عن 28 شخصاً في "إسرائيل"، جعلت عشرات، إن لم يكن مئات الآلاف، من الإسرائيليين، ولا سيّما في تل أبيب وضواحيها، يشعرون بخوف حقيقي على حياتهم. 

لطالما رافق الخوف حياة الإسرائيليين، سواء من التعرض لإطلاق النار والطعن أو حدوث انتفاضات أو "جولات" قتال مع حماس وحزب الله، لكن هذه المرة يبدو الأمر مختلفاً. إنه ليس مجرد قلق وجودي، بل هو خوف شخصي مباشر، وخصوصاً في وسط البلاد، فالناس يشعرون باقتراب أجلهم كلّما دوّى صوت الصواريخ المنفجرة وشاهدوا حجم الدمار الذي يلي الضربات التي لم يتم اعتراضها.  

إنّ ما كان يُمكن قمعه أو إدارته سابقاً من خلال بعض مظاهر الروتين يتطلب اليوم مواجهة مباشرة، فالقتل وتدمير المنازل وتعطيل الحياة اليومية دليل على أنّ سياسات نتنياهو تجعل "إسرائيل" غير صالحة للعيش لسكانها.   

الخوف العميق

لم تتسبب الحرب بأضرار مادية فحسب، بل بآثار نفسية مدمّرة أيضاً. على مدار العامين الماضيين، اعتاد الإسرائيليون سماع صفارات الإنذار ودخول الملاجئ. ومع ذلك، عندما أطلق الحوثيون صواريخ وطائرات مسيرة باتجاه "إسرائيل"، وأصدروا إشعارات إخلاء تُحاكي إشعارات "الجيش" الإسرائيلي في غزة، سخر منهم عدد كبير من الإسرائيليين. في المقابل، ألحقت صواريخ حماس وحزب الله أضراراً جسيمة بجنوب "إسرائيل" وشمالها.

لكن صواريخ إيران لها تأثير مختلف، بحيث أصبحت شوارع وسط تل أبيب مهجورة تقريباً، في مشاهد تذكرنا بفترة "كوفيد-19"، ولكن من دون الأمان الذي يوفره الخروج في الهواء الطلق. وبينما يتمتع معظم اليهود الإسرائيليين بملاجئ في وحداتهم السكنية أو لديهم القدرة على الوصول إلى الملاجئ العامة القريبة، وهو ما يفتقر إليه الفلسطينيون، فقد توجه الكثير منهم إلى مواقف السيارات تحت الأرض، مع العلم أنّ أي شيء فوق الأرض يمكن أن يُمحى من خلال ضربة مباشرة.

وبحلول منتصف الأسبوع الماضي، امتلأ موقف السيارات في مركز "ديزنغوف" التجاري بالخيام والفرش وكراسي الشاطئ والمراوح الكهربائية، وظهر مشهد مماثل في الملجأ العام، الذي يتسع لـ16 ألف شخص، والواقع أسفل محطة الحافلات المركزية جنوبي تل أبيب، والذي فُتح أبوابه لأول مرة منذ حرب الخليج بين عامي 1990 و1991.

وفي هذا السياق، قالت مالي، البالغة 30 عاماً، والتي كانت تحتمي مع قطتها في الطابق الرابع من مركز "ديزنغوف"، لمجلة "+972": "جئتُ إلى هنا لأن الصواريخ الإيرانية أكبر بكثير، وأعلى صوتاً، وأكثر رعباً، وأكثر تدميراً من صواريخ حزب الله والحوثيين. قررتُ أن من الأفضل البقاء هنا حفاظاً على سلامتي"، في حين قالت بنينا، البالغة 46 عاماً، إنّ "رؤية الدمار في أماكن أخرى دفعتنا إلى القدوم إلى هنا.. أنام هنا كل ليلة".

في أعقاب هجمات السابع من تشرين الأول/أكتوبر، انتهجت "إسرائيل" سياسة تحويل حياة كل من يُعتبر عدواً إلى جحيم من خلال تدمير غزة، والتطهير العرقي في الضفة الغربية، والضربات الجوية على لبنان واليمن وسوريا، والآن إيران. 

لقد تم نقل "عقيدة غزة" إلى إيران، مصحوبة بتصريحات غريبة من المتحدث باسم "جيش" الدفاع الإسرائيلي حول "إخلاء" أحياء بأكملها في طهران، إلى جانب مبررات لقصف محطة تلفزيونية بتهمة "التحريض على الإبادة الجماعية" وجامعة بتهمة "الارتباط بالحرس الثوري". وكان الضرر الجانبي لهذا السعي إلى "النصر الكامل" هو جعل حياة الإسرائيليين العاديين لا تُطاق.

وكما في كثير من الحالات السابقة، فإن من يرى الوضع بشكل أكثر وضوحاً هم أولئك الذين فقدوا كل شيء والذين يستطيعون رؤية الكارثة الكبرى من خلال مأساتهم الشخصية. قال محامٍ إسرائيلي لمجلة "+972": "ننتهي من القتال في غزة ونبدأ في لبنان؛ ثم ننتهي في لبنان ونبدأ في سوريا؛ بعدها ننتهي في سوريا ونبدأ في إيران؛ ثم ننتهي في إيران ونبدأ حرباً ثالثة أو رابعة في لبنان. لم نعد نتذكر سبب هذه الحروب بعد الآن". وأضاف: "ما الذي نتعامل معه؟ حروب وضحايا. لا نريد مزيداً من الضحايا. أوقفوا هذه الحرب اللعينة بأي وسيلة. تحاوروا وامنعوا وقوع المزيد من الضحايا". 

حريّة مقيّدة

بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، لم يهرب معظم من غادروا "إسرائيل" من هجوم حماس نفسه، بل من الواقع الذي فرضه الرد الإسرائيلي من حرب انتقامية وتخلٍّ عن الرهائن إلى انهيار العقد الاجتماعي بين الحكومة والمستوطنين. وقد شنّت الحكومة الإسرائيلية على الفور حملة قمع غير مسبوقة على حرية التعبير ضد معارضي الحرب، مستهدفةً بشكل خاص المواطنين الفلسطينيين في "إسرائيل". واليوم، بات الشعب بأكمله يرزح تحت وطأة هذا القمع، الذي يعد أوضح مظاهره حظر مغادرة البلاد عن طريق الجو والتحذيرات الشديدة من خطر العبور براً إلى الأردن أو مصر، ما يحول "إسرائيل" عملياً إلى "غيتو". كما تجلّت مظاهر القمع في الهجوم على حرية الصحافة في شكل توجيهات رسمية من جانب الرقابة العسكرية الإسرائيلية بعدم نشر مواقع الضربات الصاروخية، ما دفع السكان والأقارب إلى اللجوء إلى التخمينات وسط سيل من الشائعات في وسائل التواصل الاجتماعي.

في الوقت نفسه، تصاعد التحريض ضد وسائل الإعلام، إذ يقوم اليمينيون بمطاردة المصورين وفرق التصوير في مواقع الهجمات الصاروخية ومضايقتهم. وفي موقع سقوط الصاروخ في بئر السبع، في 24 حزيران/يونيو، تجمّع عدد من السكان حول مراسل القناة 13، متهمين إياه بالعمل لمصلحة الخارج. وبينما كنت ألتقط الصور من موقع الحدث، قال لي صاحب متجر قريب: "أنت تخدم العدو".

وليلة السبت الفائت، دهمت الشرطة فندقاً في حيفا يستخدمه عدد من الشبكات التلفزيونية، وصادرت كاميرات 3 صحافيين عرب يعملون في وسائل إعلام أجنبية، وقام الضباط بتفحص بطاقاتهم الصحافية واستدعائهم للاستجواب. ولم تتم إعادة معدات الصحافيين حتى الآن.

وقبل يوم، أصدرت الرقابة العسكرية توجيهات مألوفة، إلا أنّ النسخة الإنكليزية منها تضمنت بنداً مثيراً للجدل يُلزم الصحافيين الأجانب بالحصول على موافقة مسبقة من الرقابة على ما ينشرونه، وهو مطلب يتجاوز السلطة القانونية للرقابة. 

دافع وزير الاتصالات شلومو كرعي عن هذه الخطوة، مؤكداً أنّ الأمن القومي أهم من حرية الصحافة. ​​ومع ذلك، أفادت التقارير بأنّ المدّعي العام غالي بهاراف - ميارا اعترض وطالب الوزراء المعنيين بتقديم توضيحات. وزعم المسؤولون سراً عدم وجود تغيير كبير في السياسة، لكنهم أقروا بوجود تطبيق غير متسق، ونصحوا الصحافيين بالحصول على موافقة مسبقة كإجراء احترازي.

من الواضح أنّ التحريض الميداني يؤثر في حرية الصحافة، بغض النظر عن المناقشات القانونية. وفي هذا الصدد، ​​قال صحافي عربي (طلب عدم الكشف عن هويته خوفاً من الانتقام) ينقل الأحداث باللغة العربية لشبكة دولية: "يقول الناس لي :سنقطع رأسك". وأضاف قائلاً: "يحاول الصحافيون الآن البقاء أقصر وقت ممكن في التغطية الميدانية". 

وبعد ضرب إيران، حظرت الحكومة الإسرائيلية جميع الاحتجاجات، وقامت الشرطة بقمع حتى أصغر التظاهرات بشكل ممنهج خلال الأسبوع والنصف الماضيين. وتم التخلي تماماً عن التظاهرات المستمرة منذ فترة طويلة من أجل صفقة الرهائن، بحيث أدى الحظر إلى اختفاء هذه القضية من الوعي العام.

ويوم الأحد الماضي، تجمع نحو 20 متظاهراً بصمت في ساحة هابيما في تل أبيب، رافعين لافتات مناهضة للحرب، ومتباعدين لتجنب انتهاك الحظر المفروض على التجمعات العامة. وفي غضون دقيقة، وصلت وحدة من الشرطة تساوي عدد المتظاهرين وقامت بتمزيق اللافتات واعتقال عدد من المتظاهرين بأسلوب عنيف. 

في اليوم التالي، اعتقلت الشرطة في حيفا عدداً من المتظاهرين، بزعم أن قمصانهم المناهضة للحرب غير قانونية. وفي وقت لاحق، اعتقلت الشرطة شخصين خلال الليل، أحدهما الناشط المناهض لنتنياهو، أمير هاسكل، الذي وقف على رصيف في تل أبيب حاملاً لافتة كُتب عليها: "53 رهينة في غزة - وقتهم ينفد". وقدم صندوق المدافعين عن حقوق الإنسان الدعم القانوني لـ12 متظاهراً تم اعتقالهم منذ الضربة الإسرائيلية الأولى على إيران. 

وبعد 12 يوماً ارتعب خلالها  كثير من الإسرائيليين، بات السكان منهكين. ويشعر الناس بالارتياح لأن وقف إطلاق النار، إن صمد، سيسمح لهم بالعودة إلى روتينهم المعتاد، وسيُعلن نهاية حرب أيدها الكثيرون، لكنهم خشوا أيضاً أن يطيلها نتنياهو لأشهر أو أكثر، كما حدث في غزة، إلا أنّ بعض الأشخاص الذين فقدوا ثقتهم بوقف إطلاق النار لم يعودوا إلى ديارهم بعد وفضّلوا البقاء خارج وسط البلاد أو قرب الملاجئ.

وحتى مع إعلان نتنياهو أنّ "إسرائيل" "أزالت تهديداً وجودياً" بهجماتها على إيران، فإنّ "الروتين" الذي يعود إليه الإسرائيليون لا يزال يتمثّل في الحرب المستمرة، بحيث يواصل "جيشهم" التسبب بالمآسي في غزة.

نقلته إلى العربية: زينب منعم.

"إسرائيل" تشن عدواناً على الجمهورية الإسلامية في إيران فجر الجمعة 13 حزيران/يونيو يستهدف منشآت نووية وقادة عسكريين، إيران ترد بإطلاق مئات المسيرات والصواريخ التي تستهدف مطارات الاحتلال ومنشآته العسكرية.