"ناشونال ريفيو": صراع الرؤى في السياسة الخارجية بشأن سوريا

إدارة ترامب تعاني من جدل داخلي حول كيفية تعامل الولايات المتحدة مع الإدارة الجديدة في سوريا.

0:00
  • الرئيس الانتقالي لسوريا أحمد الشرع (الجولاني)
    الرئيس الانتقالي لسوريا أحمد الشرع (الجولاني)

مجلة "ناشونال ريفيو" الأميركية تنشر مقالاً يناقش الجدل الدائر داخل إدارة ترامب الأميركية حول كيفية التعامل مع الحكومة السورية الجديدة.

ويستعرض النص انقسام الإدارة الأميركية إلى معسكرين: معسكر مؤيّد للتواصل والانخراط مع النظام الجديد في سوريا، ومعسكر معارض للتواصل مع الإدارة الجديدة.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرّف:

وفي الوقت الحالي، يبدو أنّ إدارة ترامب تتجه بشكل مبدئي نحو المشاركة. لكن ذكرت صحيفة "المجلة" اللندنية، المملوكة للسعودية، أنّ قادة الإدارة منقسمون إلى معسكرين تقريباً حول هذه القضية. أحدهما يُفضّل التعامل بتفاؤل مع الحكومة الجديدة، بينما يميل الآخر إلى البقاء بعيداً عن الصراع في دمشق.
 
وجاء في تقرير المجلة أنّ "مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد ومدير مكافحة الإرهاب سيباستيان غوركا عضوان في هذا المعسكر الأخير، الذي يرفض أيّ تواصل مع الإدارة السورية الجديدة"، أما "في المعسكر الآخر، فهناك وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو ووكالة الاستخبارات المركزية".

يمتلك كلا الفصيلين أدلة كافية تدعم استنتاجاتهما، ولا ينبغي لأيّ منهما أن يكون واثقاً تماماً من تقييمه للنظام الناشئ. إنه سؤال شائك يستحقّ الاهتمام، ويجب أن يحظى به.

يُصيب من ينتمون إلى معسكر غابارد/غوركا في الإشارة إلى أنّ النظام في سوريا، نظرياً، هو مشروع للإرهابيين. وقد صنّفت وزارة الخارجية الأميركية والأمم المتحدة، هيئة تحرير الشام، التي ساهمت بأكبر قدر في انهيار نظام بشار الأسد أواخر العام الماضي، كجماعة إرهابية أجنبية. إنها خليفة جبهة النصرة، وهي جماعة تابعة لتنظيم القاعدة ولها تاريخ من الفظائع المروّعة ورغبة معلنة في تصدير الإرهاب إلى الغرب.

قبل عشر سنوات من تنصيبه رئيساً مؤقتاً لسوريا، دعا أحمد الشرع (المعروف أيضاً باسم أبو محمد الجولاني) إلى استبدال النظام البعثي في دمشق بالشريعة الإسلامية، وبدا معادياً لوجود الأقليات العرقية والمذهبية في بلاده. لكن سمعة الزعيم السوري الجديد شهدت تحوّلاً جذرياً في السنوات الأخيرة، حتى قبل سقوط نظام الأسد. على الأقل، هذه هي الصورة التي يُقدّمها للغرب عن نفسه.
 
الكلام مُكلفٌ بالطبع، والنظام السوري الجديد قائمٌ منذ زمنٍ كافٍ لنحكم عليه من خلال أفعاله. عندما يتعلّق الأمر بالنقاش حول سوريا في واشنطن، يمكن لكلا الجانبين دعم استنتاجاتهما.

بالنسبة لمن ينتمون إلى معسكر المؤيّدين للانخراط، هناك مؤشراتٌ على أنّ النظام الذي تقوده هيئة تحرير الشام أفضل من سابقه، وأنّ التودّد إليه قد يُعزّز المصالح الأميركية في المنطقة.

في الأسبوع الماضي، اعتقل نظام هيئة تحرير الشام عضوين بارزين في حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، وهي خطوة أشارت صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أنها تزامنت مع زيارة عضو الكونغرس الجمهوري كوري ميلز للشرع في دمشق. ربما كان هذا استعراضاً لمصلحة الغرب، ولكنه أمرٌ ينبغي أن ترحّب به واشنطن. ففي النهاية، إذا كانت دمشق "حريصة على تخفيف العقوبات المفروضة على نظام الأسد المخلوع"، فسيكون ذلك تحوّلاً سلوكياً مرحّباً به. في الواقع، إنّ مثل هذه التحوّلات السياسية المؤثّرة هي ما وُجدت العقوبات من أجله.

في بعض النواحي، يبدو أنّ النظام مستعدٌّ للمضي قدماً في سياسته. فالحكومة السورية الجديدة تُشنّ حملةً دبلوماسيةً تهدف إلى جذب الاستثمار الأجنبي المباشر من جيرانها العرب والمصالح الغربية. وقال مبعوث سوريا لدى الأمم المتحدة في كانون الثاني/يناير: "نحن بحاجة إلى انتقال شامل يُفضي إلى دستور جديد، وانتخابات حرّة ونزيهة، في عملية سياسية بقيادة سورية وملكية سورية تُعيد سيادة سوريا ووحدة أراضيها".

يتوافق هذا التعليق مع بعض تصرّفات النظام، بما في ذلك زيارة الشرع البارزة لكاتدرائية مسيحية في مدينة حلب بوسط سوريا (والتي لم تكن المرة الأولى التي يتودّد فيها الزعيم السوري الجديد إلى المسيحيين). وقد أصدر الرئيس المؤقت وحكومته تصريحات ترحيبية تشير إلى انفتاحهما على عهد المساواة مع أقليات البلاد، وتخفيف القيود الدينية على المرأة، وعلى مركزية سيادة القانون بعد التصديق على دستور جديد.
 
ربما تحاول الحكومة السورية الجديدة خداع الغرب بشعور زائف بالأمن لترسيخ وجودها. أو ربما يريد النظام خداع الغرب بشعور حقيقي بالأمن. سيُظهر الوقت ذلك، لكن لدى أولئك المتشكّكين في واشنطن بشأن تحوّل الحكومة السورية ما يدعوهم للشكّ في التزام دمشق الجديد بالقيم الغربية.

ربما يكون من المبالغة توقّع أن يتجنّب نظام ما بعد الثورة في الشرق الأوسط العنف الطائفي وعمليات القتل الانتقامية، إلا أنّ الحكومة السورية الجديدة أشرفت على أحداث لا يمكن وصفها إلا بالفظائع.
 
إنّ الجدل الدائر في واشنطن حول التعامل مع سوريا الجديدة أو عزلها ينطوي على مخاطر كبيرة. فبلاد الشام موطن لبعض أكثر الأراضي التي شهدت صراعات في تاريخ البشرية. وقد حافظت القوات الأميركية على وجودها في غرب سوريا الغني بالنفط لمدة عشر سنوات بعد ظهور تنظيم "داعش".

إنّ الضرورة الاستراتيجية لمنع سوريا من أن تصبح مجدّداً دولة تابعة لإيران وشبكة للأنشطة العسكرية هي هدف إسرائيلي بقدر ما هي هدف أميركي. لا ترغب الولايات المتحدة في أن تصبح سوريا حاضنة للعناصر الإرهابية، لكنها لا تستطيع التنازل عن هذه الجغرافيا للمصالح الروسية أو الصينية، اللتين تكافحان من أجل ترسيخ وجودهما في سوريا أو الحفاظ عليه.
 
إذاً، من سيفوز في النقاش في واشنطن؟ في الوقت الحالي، يبدو أنّ إدارة ترامب تميل تدريجياً نحو الحوار.
 
في بيانٍ صادرٍ عن الحكومة السورية في الأسابيع الأخيرة، هدّدت الإدارة باتخاذ "موقفٍ صارم" تجاهها إذا لم تقم بقمع المتطرّفين وتتخذ خطواتٍ لتأمين مخزونات الأسلحة الكيميائية من عهد الأسد بشكلٍ يمكن التحقّق منه. وكما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، فإنّ عدم اعتراض إدارة ترامب على استمرار وجود القطع البحرية الروسية في الموانئ السورية لا يشير إلى أنها ترى إمكانيةً لاستبدال نفوذ خصمٍ أميركي على دمشق. ولكن يمكن تفسير المذكّرة على أنها غصن زيتون طالما أنّ دمشق مستعدّةٌ لتلبية مطالب واشنطن. على الأقل عندما يتعلّق الأمر باعتقال الإرهابيين الفلسطينيين، على سبيل المثال، فقد فعلت ذلك بالضبط.
 
لا يزال الجدل قائماً حول ما إذا كان مبعوث الشرق الأوسط ستيف ويتكوف مُحقّاً في أنّ الزعيم السوري "شخصٌ مختلفٌ عمّا كان عليه في السابق". يأمل من يعتمدون على الحوار في توجيه النظام الجديد نحو توجّه غربي، وهو ما سيُمثّل بلا شك تحسّناً مقارنةً بنظامٍ انحاز إلى إيران ورعى هجماتٍ إرهابية على الولايات المتحدة.
 
أما من يعترضون على هذا المسار فيعتقدون أنه مسعىً عبثي. ويخشون أن تُبدّد أميركا نفوذها ورأس مالها على قضيةٍ خاسرة. وقد يُحدّد الفصيل السائد مسار السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة لعقود.

نقله إلى العربية: الميادين نت.