"شاينا دايلي": إغلاق الأبواب أمام المفكرين لن يجعل أميركا عظيمة مرة أخرى

إنّ التخلّي عن الانفتاح على الطلاب الدوليين الآن سيُسرّع من تراجع مكانة الولايات المتحدة في العالم.

0:00
  • طلاب صينيون يحضرون حفل التخرج في جامعة كولومبيا الأميركية
    طلاب صينيون يحضرون حفل التخرّج في جامعة كولومبيا الأميركية

صحيفة "شاينا دايلي" الصينية تنشر مقال رأي يتناول تداعيات إلغاء تأشيرات الطلاب الدوليين في الولايات المتحدة، ويستخدم هذه القضية كنقطة انطلاق لمناقشة التغيّر في السياسات الأميركية تجاه الطلاب الدوليين، والآثار السلبية لهذا التوجّه، مشيراً إلى أنّ الانفتاح على الطلاب الدوليين كان جزءاً أساسياً من عظمة أميركا، والتخلي عنه يهدّد مكانتها القيادية عالمياً. 

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

إنّ الدعوى القضائية التي رفعها أربعة طلاب دوليين في 11 نيسان/أبريل ضدّ وزارة الأمن الداخلي ومسؤولين آخرين في إدارة الهجرة، مُشيرين إلى أنّ وضعهم كطلاب قد أُنهي بشكل غير قانوني، والتي أعقبتها جلسة استماع في المحكمة، لا تُمثّل تحدّياً قانونياً فحسب، بل تُمثّل أيضاً جرس إنذار مُلِحاً للإدارة الأميركية.

تُمثّل الموجة الأخيرة من إلغاء تأشيرات الطلاب، والتي نُفِّذ الكثير منها من دون أيّ تفسير علني أو وضوح إجرائي، تحوّلاً جذرياً عن التقليد الراسخ المتمثّل في الترحيب بالمواهب الأجنبية في الولايات المتحدة. فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت الولايات المتحدة بمثابة مغناطيس لألمع العقول في جميع أنحاء العالم، حيث يُشكّل الطلاب الدوليون ركيزة أساسية لهيمنة البلاد العلمية والتكنولوجية. ومع ذلك، في ظلّ إدارة دونالد ترامب الثانية، أصبح هذا التقليد مُهدّداً.

بحلول 11 نيسان/أبريل، تمّ إلغاء تأشيرات ما يصل إلى 700 طالب دولي - بعضهم قبل أسابيع فقط من تخرّجهم. وأُمر العديد منهم فجأةً بمغادرة البلاد، مما ترك الجامعات تُكافح لإيجاد سبل تسمح لهم بإكمال دراستهم عن بُعد. ولم يُقدَّم أيّ مبرّر مُقنع لهذه الحملة الشاملة. يبدو أنّ الدافع وراء هذا هو الحماسة الأيديولوجية أكثر من أيّ تحليل سياسي سليم.

إنّ الضرر الذي يلحقه هذا بالولايات المتحدة فوري وطويل الأجل. فعلى المستوى الاقتصادي، يُساهم الطلاب الدوليون بمليارات الدولارات سنوياً، وهو تمويل لا يدعم الجامعات فحسب، بل يدعم أيضاً الاقتصادات المحلية في المدن والبلدات التي يعيش فيها هؤلاء الطلاب ويدرسون.

إن التكلفة الفعلية لطرد الطلاب تتجاوز الحسابات المالية بكثير. فعلى مرّ التاريخ الحديث، كان الطلاب الدوليون في صميم أعمق الإنجازات العلمية والتكنولوجية للولايات المتحدة. وتدين الولايات المتحدة ببعض أهمّ اكتشافاتها للمهاجرين الذين وصلوا إليها في البداية كطلاب. ومن بينهم حائزون على جائزة نوبل من أصل صيني مثل يانغ تشن نينغ، وتسونغ داو لي، ودانيال تشي تسوي، وهم روّاد في الفيزياء شكّلت أعمالهم مجالات علمية بأكملها.

كما أثرى العلماء الدوليون الحياة الثقافية والسياسية. التقى والد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، الكيني، بوالدته الأميركية أثناء دراسته في الولايات المتحدة. وعندما أصبح ابنهما رئيساً، غيّر الخطاب السياسي للبلاد. درس إيلون ماسك، المنحدر من جنوب أفريقيا، في جامعة بنسلفانيا قبل أن يؤسّس شركات ثورية مثل سبيس إكس ويستحوذ على المنصة المعروفة الآن باسم إكس (المعروفة سابقاً باسم تويتر).

على المرء أن يتخيّل الولايات المتحدة من دون هؤلاء الأفراد ليدرك ما هو على المحكّ. هل كانت ستظلّ منارة للابتكار والحرية والقيادة العالمية لو أنها رفضت الأشخاص الذين ساهموا في تحديد هويتها الحديثة؟

قد يوفّر طرد الطلاب الدوليين رضاً مؤقتاً لقاعدة سياسية مدفوعة بـ"مخاوف من التضاؤل الثقافي أو المنافسة الاقتصادية". قد يخلق وهماً بـ"الاهتمام بمصالحنا الخاصة". لكنّ هذه القومية قصيرة النظر تقوّض مصالح البلاد على المدى الطويل. إنّ الولايات المتحدة الأقلّ تنوّعاً، والأقلّ ترابطاً، والأقلّ ابتكاراً لن ينتهي بها الأمر إلا إلى انكماش في الفطيرة الاقتصادية.

لحسن الحظ، ليس الجميع في الولايات المتحدة يغضّ الطرف. في 25 آذار/مارس، رفع معهد نايت للتعديل الأول في جامعة كولومبيا دعوى قضائية ضدّ سياسات الحكومة المتعلّقة بالتأشيرات. يوم الجمعة، حثّ مدّعون عامّون من 19 ولاية ديمقراطية قاضياً فيدرالياً على منع قرار إدارة ترامب بإلغاء مئات تأشيرات الطلاب الدوليين.

تُظهر هذه الإجراءات أنّ الكثيرين في أجزاء من الولايات المتحدة ما زالوا يدركون ما يجعل الولايات المتحدة عظيمة حقاً. إنها ليست الجدران التي تبنيها أو الحدود التي تُضيّقها، بل الانفتاح الذي أتاحته سابقاً للحالمين والفاعلين والمفكّرين في العالم. إنّ التخلّي عن هذا الانفتاح الآن لن يخون إرثه فحسب، بل سيُسرّع من تراجعه.

نقله إلى العربية: الميادين نت