"المونيتور": أوجلان يكتسب الشرعية في تركيا ويحظى بنفوذ أكبر على أكراد سوريا

يُنظر إلى الجمود المستمر بين دمشق و"قوات سوريا الديمقراطية" باعتباره عقبة رئيسية أمام تقدم جهود تركيا لمعالجة قضيتها الكردية المستمرة منذ زمن طويل.

  • "المونيتور": أوجلان يكتسب الشرعية في تركيا ويحظى بنفوذ أكبر على أكراد سوريا

موقع "المونيتور" الأميركي ينشر مقالاً يتناول تحولاً سياسياً كبيراً ومفاجئاً في تركيا يتمحور حول عبد الله أوجلان، زعيم "حزب العمال الكردستاني" المعتقل، ودوره المحتمل في إعادة تشكيل العلاقة بين تركيا والأكراد داخلها وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والملف السوري ككل.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

لقد برز عبد الله أوجلان زعيم "حزب العمال الكردستاني" المحظور، كشخصية محورية في السياسة التركية، زائد إمكانية تأثيره على مستقبل تركيا وسوريا في واحدة من أكثر التحولات غير العادية في تاريخ البلاد الحديث.

وكان أوجلان المعتقل في تركيا منذ عام 1999، على خلفية اتهامه بالإرهاب، التقى وفداً مختلطاً في سجنه من النواب من "حزب العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا وحزب "الحركة القومية" و"حزب الديمقراطية" المؤيد للأكراد أول الأسبوع الماضي، مما منحه الشرعية السياسية التي سعى إليها منذ فترة طويلة ومهد الطريق لما يمكن أن يؤدي إلى إجماع تاريخي بشأن حل القضية الكردية.

وقالت الجمعية الوطنية التركية الكبرى في بيان إن الاجتماع ركز على قرار "حزب العمال الكردستاني" في وقت سابق من هذا العام الامتثال لأوامر أوجلان بنزع السلاح وحل الحزب. وجاء في البيان بعد الاجتماع أنَّه تم التوصل إلى نتائج إيجابية فيما يتعلق بالتكامل الاجتماعي وتعزيز الأخوة". وقد تناولت المحادثات أيضاً تنفيذ اتفاق 10 مارس/آذار بين الحكومة السورية المؤقتة وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" بقيادة الأكراد، لدمج قواتها في الجيش الوطني السوري. بينما لم يصرح أي من النواب الثلاثة الذين التقوا بأوجلان بتصريحات حتى الآن، لكن مصادر مطلعة على المحادثات أفادت بأنّها استمرت قرابة 5 ساعات، وأنَّ الشأن السوري هيمن على النقاش. 

عالق في سوريا

يُنظر إلى استمرار الجمود بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية على أنَّه أحد أكبر العوائق أمام تقدم جهود تركيا لحل مشكلتها الكردية. ولطالما أملت أنقرة في إقناع أوجلان باستخدام نفوذه على "قوات سوريا الديمقراطية"، التي يقودها أكراد سوريون ونساء قاتلوا لسنوات تحت قيادتهم، لتقليص مطالبهم بالحكم الذاتي ونزع سلاحهم وتفكيك ميليشياتهم إلى جانب "حزب العمال الكردستاني"، في إطار جهد أوسع لكبح جماح توقعات أكراد تركيا، الذين يُقدر عددهم بنحو 16 مليون نسمة.

لكن اجتماع مؤخرا يوحي بأنَّ أوجلان يرفض التنازل، تماماً كما رفض عام 2013 خلال جولة سابقة من محادثات السلام، عندما طُلب منه حشد القوات الكردية السورية ضد نظام الأسد بدلاً من دعم إنشاء إدارتهم الذاتية، واصل الضغط من أجل الاعتراف به كمحاور رسمي، ورفض الاكتفاء بصفقات سرية. وبعد أشهر من المماطلة، رضخت الحكومة أخيراً.

يُعتقد أنَّ أوجلان قد طرح فكرة إنشاء لجنة برلمانية لمناقشة وإقرار تغييرات تلبي مطالب الأكراد، بما في ذلك مصير مقاتليه وآلاف السجناء السياسيين المرتبطين بقضيته. وقد كتب المحلل السياسي المخضرم ممتاز توركون مقال رأي في "ميدياسكوب" منذ أيام قليلة، يقول لنكن صريحين لقد شُكلت اللجنة في نهاية المطاف لتتصل بأوجلان، "بما يمثله بلا شك كأحد الفاعلين السياسيين الحاسمين، وإذا نظرنا إلى التغييرات التي يمكن أن يُحدثها، فهو الفاعل الأهم".

لذلك ليس من المستغرب أن يُصرّح القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، لوكالة أنباء "ميزوبوتاميا" المؤيدة ل"حزب العمال الكردستاني"، في مقابلة بُثّت يوم الأحد، بضرورة لقاء أوجلان شخصياً. وقال أنَّ زعيم الحزب قادر على تسهيل السلام في تركيا، بالإضافة إلى إبرام اتفاق بين "قوات سوريا الديمقراطية" ودمشق، و "نحن نتحدث عن عشرات الآلاف من الجنود، ثم هناك قضايا رئيسية أخرى كالثروة النفطية، ولا ينبغي لتركيا أن تخشى هذا الأمر، فهذا يصب في مصلحتها.

وكان مسؤولون من جهاز الاستخبارات الوطني التركي قد عقدوا عدة اجتماعات منذ العام الماضي مع إلهام أحمد "وزيرة الخارجية" للإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا. ولم يُعرف الكثير عن فحوى هذه المحادثات سوى رغبة تركيا في انضمام "قوات سوريا الديمقراطية" إلى الجيش الوطني وتسليم السيطرة على موارد النفط، لا سيما في الجزء الشرقي من دير الزور إلى دمشق. وهناك أيضاً وضع المقاتلين الأكراد من تركيا الذين انضموا إلى "قوات سوريا الديمقراطية، وهذه قضايا لا يمكن حلها إلا من خلال أوجلان كما يقول مظلوم عبدي.

كما ما يزال كلٌّ من عبدي والوزيرة إلهام أحمد مدرجين على القائمة "الحمراء" التركية لأخطر الإرهابيين المطلوبين بسبب صلاتهما السابقة ب"حزب العمال الكردستاني"، والموافقة على السماح لهما بلقاء أوجلان ستضمن براءتهما فعلياً أيضاً.

قفزة الإيمان

والسؤال المطروح الآن أمام أنقرة هو ما إذا كانت تستطيع أن تتأكد من أنَّ أوجلان سيطلب في النهاية من عبدي وأحمد الامتثال لمطالب تركيا، بينما قال أحد المصادر المطلعة لموقع "المونيتور"، يعلم أوجلان أنَّ سوريا هي أقوى أوراقه، وهو "يأخذ وقته في استخدامها إلى لتوجيه الحكومة التركية إلى حيث يريدها أن تكون". وهذا سلاح ذو حدين. فكلما رضخت الحكومة لشروطه، زادت قدرة أوجلان على التأثير على أتباعه. لكن بفعله هذا، قد يستمر في التمسك بالمزيد.

وإدراكاً منه لهذا الخطر قال عمر جليك المتحدث باسم "حزب العدالة والتنمية" منذ أيام، بأنَّ حزبه مع حليفه حزب "الحركة القومية"، متفقون تماماً على "ضرورة نزع سلاح قوات سوريا الديمقراطية". ورداً على تصريحات مظلوم عبدي بشأن لقائه بأوجلان، قال جليك "لسنا معنيين بالخطابات. ولا نعلق على تصريحات هذا الشخص أو ذاك. المهم هو مسار العملية". وإذا ادّعى أحدهم أنَّه ليس عدواً لتركيا، فنحن نريد أن نرى هذا على أرض الواقع، و"قوات سوريا الديمقراطية هي الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني، ويجب أن تتوقف عن كونها تهديداً لتركيا".

من المتوقع أن تُعرض على البرلمان التركي هذا الأسبوع حزمة تشريعية، قد تُمهد الطريق لإطلاق سراح آلاف السجناء المُدانين بارتباطهم ب"حزب العمال الكردستاني". بينما أكد جيليك أنَّها ليست حزمة "عفو". ومع ذلك، ليس سراً أنَّ مشروع القانون جزء من مفاوضات يأمل الأكراد أن يُفضي في النهاية إلى منح أوجلان العفو من عقوبة السجن المؤبد. وإن حدث ذلك أم لا، فإنَّ الحكومة تُؤيد الفكرة بوضوح. ويُؤمل أن يُشجع إغراء الحرية أوجلان على القيام بواجبه تجاه تركيا. ويضيف جيليك، أنَّ ما نتمناه هو أن يكون "حزب العمال الكردستاني" و"قوات سوريا الديمقراطية" مخلصين بما يكفي لتقديم التنازلات اللازمة لحماية زعيمهما من وضعه في الحبس الانفرادي مدى الحياة.

لكن الصورة العامة تبدو محيرة. إذ تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن غالبية الأتراك يعارضون المفاوضات مع أوجلان، مع أنَّها محاطة بالسرية حتى الآن. وفي محاولة لاستمالة الأصوات القومية بعيداً عن إردوغان، رفض "حزب الشعب الجمهوري" المعارض الرئيسي، الانضمام إلى الوفد الذي التقى أوجلان، وأعرب عن تفضيله الاجتماع مع صلاح الدين دميرطاش، السياسي الكردي المسجون الذي قاد تحالفا تركيا كرديا إلى البرلمان في عام 2015، وهو ما حرم "حزب العدالة والتنمية" من الأغلبية لأول مرة طوال فترة حكمه.

كوة الهروب

نأى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بنفسه عن المحادثات بحزم. وهذا يمنحه مجالاً لإيقاف العملية إذا رأى أنَّ ذلك في مصلحته، كما فعل عام 2015 عندما استأنف الحرب ضد "حزب العمال الكردستاني" بكل قوته. وهذه المرة عيّن حليفه، زعيم حزب "الحركة القومية" دولت بهجلي، للقيام بكلّ العمل الشاق، ووسم عملية "تركيا خالية من الإرهاب" التي أطلقتها الحكومة بطابع قومي. وقد تفوق بهجلي على نفسه، إذ دعا أوجلان لإلقاء كلمة أمام البرلمان العام الماضي، وعرض عليه أن يزوره بنفسه، حتى لو كلّفه ذلك مواجهة المشنقة التي كان يقول عنها منذ زمن طويل أنَّ أوجلان يستحقها. ووصف بهجلي مهمة المفاوضات مع أوجلان بأنَّها "تطور تاريخي.

ويتهم المنتقدون "حزب الشعب الجمهوري" المعارض بتقويض أفضل فرص تركيا للسلام. ويقول آخرون إنَّه يُبعد عنه ملايين الناخبين الأكراد الذين ساعدوا مرشحيه على تحقيق الفوز بسهولة، متغلبين على "حزب العدالة والتنمية" على المستوى الوطني لأول مرة في الانتخابات المحلية التي عُقدت في آذار/مارس في العام الماضي. ولطالما كان دق الإسفين بين "حزب الشعب الجمهوري" و"حزب الديمقراطية" جزءاً من استراتيجية إردوغان، في سعيه لإعادة انتخابه بعد عامين.

ولكن ما لم يتمكن إردوغان من تحقيق "انتصار" في سوريا يُرضي المشاعر القومية، فمن غير المرجح أن تكون الأصوات الكردية وحدها كافية، بينما يُعد سجن العديد من مسؤولي "حزب الشعب الجمهوري"، وعلى رأسهم أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول الشهير، بتهم فساد مشكوك فيها، دليلاً على خوف إردوغان، كما يقول الكثيرون.

ويقول مؤيدو الحوار مع أوجلان، إنّ "على إردوغان أن يتخلى عن طموحاته الشخصية ويضع مصلحة البلاد العليا أولاً. وبهذا التصرف، لن يُذكر إردوغان فقط كزعيم تركي حلّ أكثر مشاكل البلاد تعقيداً، بل سيؤمّن أيضاً تحالفاً مع أكراد سوريا ويمنح تركيا نفوذاً أكبر على جارتها".

نقله إلى العربية: حسين قطايا.