الرواية الكاملة: كيف تحولت إدارة "تويتر" من محاربة ماسك إلى بيعه الشركة؟

كان من شبه المستحيل أن ينتقل مجلس إدارة شركة من إجراء "تجرّع السمّ" إلى إتمام صفقة بيع لمجمل أسهم الشركة بـ 44 مليار دولار في أسبوعين، ولكن هذا ما حصل مع مجلس إدارة "تويتر" في الصفقة مع ماسك.

  • الرواية الكاملة: كيف تحول مجلس إدارة
    تمّ وضع الأساس للصفقة في كانون الثاني/يناير، عندما بدأ ماسك في شراء أسهم "تويتر" 

نشرت صحيفة نيويرك تايمز الأميركية مقالاً يوم السبت 30 نيسان/أبريل الفائت، تحدّث فيه الكاتبان لورين هيرش ومايك آيزاك عن تفاصيل صفقة بيع "تويتر"، التي جرت بين مجلس إدارة الشركة ورجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك، وبقيت الكثير من تفاصيلها خلف الكواليس. وفيما يلي النص المترجم إلى العربية:

نفدت خيارات شركة "تويتر". كان ذلك يوم الأحد في 24 نيسان/أبريل.

قبل عشرة أيام، قدّم إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم، عرضاً غير مرغوب فيه لشراء "تويتر" مقابل 54.20 دولاراً للسهم. بسبب الانزعاج من العرض غير المألوف وعدم التأكد من كون العرض حقيقياً، اعتمدت شركة وسائل التواصل الاجتماعي إجراء دفاعي يسمّى عادة بإجراء "تجرّع كأس السمّ"، وهي مناورة دفاعية يقوم من خلالها أعضاء مجلس إدارة شركة ما برفع تكلفة شراء حصص في الشركة فوق نسب معينة، وتهدف بشكل أساسي لمنع أحد أعضاء مجلس الإداءة من السيطرة على الشركة كلها وشراء بقية الأسهم بشكل منفرد.

ولكن بحلول ذلك الأحد، كانت الشركة تنفد من الخيارات. كان السيد ماسك قد جمع تمويلاً لعرضه، وكان يرمي الشركة بالسهام عبر تغريداته.

وبعد ساعات من المناقشات ومراجعة خطط "تويتر" وشؤونه المالية، كان هناك أسئلة أساسية ظلّ أعضاء مجلس الإدارة الـ 11 يتصارعون معها حتى اللحظة الأخيرة: "هل يمكن أن تبلغ قيمة الشركة أكثر من 54.20 دولاراً للسهم؟" وفي حال ذلك، "هل يوجد ما يشير إلى أنّ مشترياً آخر سيظهر؟".

كانت جميعها تؤدي إلى إجابة واحدة غير مرضية بالنسبة لهم: "لا". وبعد أقل من 24 ساعة، تمّ الإعلان عن الصفقة الضخمة البالغة 44 مليار دولار.

خرج بريت تايلور، رئيس مجلس إدارة "تويتر"، في مكالمة مع 7000 موظّف في الشركة يوم الاثنين، ليقول التالي: "ما سأخبركم به هو أنه بناءً على التحليل وإدراك المخاطر والأمور المتيقنة والقيمة، قرّر مجلس الإدارة بالإجماع أنّ العرض المقدّم من Elon يمثّل أفضل قيمة للمساهمين".

اللغز

يتمثل اللغز الأساسي في استحواذ إيلون ماسك على "تويتر" في كيفية تحول مجلس إدارة الشركة من "تجرّع السم" إلى الموافقة على بيعها له في غضون 11 يوماً فقط. ففي معظم الصفقات الضخمة، عندما  تستخدم الشركة هذا الإجراء الدفاعي أمام من يحاول "التهامها"، فهذا يعني أوّلاً أنّ الشركة تنوي القتال والدخول في مفاوضات ساخنة،ويؤدي ذلك عادة إلى معركة طويلة الأمد، وفي بعض الأحيان يبتعد المشترون.

لكنّ المقابلات مع عشرات الأشخاص القريبين من الصفقة، الذين لم يتمّ تفويضهم بالتحدث علناً، تظهر مدى قلة الخيارات التي كانت متاحة لدى مجلس إدارة "تويتر".

وفي الوقت الذي يوجد فيه العديد من أنواع المشترين الذين يكون مستشارو الصفقات في الشركة على استعداد لصدهم، المستشارون العدوانيون والعنيفون، وأولئك الذين يوجهون الضربات من أسفل الطاولة ثم يبدون استعدادهم للتفاوض على السطح، واجه "تويتر" مستحوذاً - هو ماسك - لم يكن موجوداً في أي دليل صفقات معروف.

في حقيقته، كان ماسك "مستحوذاً غير قابل للقياس"، وشخصاً لن يتزحزح عن السعر الذي طرحه، في الوقت نفسه كان مستعداً بالمقابل لتدمير الشركة علناً وللاستفادة من ثروته الكبيرة للحصول على اتفاق مناسب له.

قال إدوارد روك، أستاذ في شركة الحوكمة في كلية الحقوق بجامعة نيويورك. قال: "ما كان مثيراً للاهتمام، هو أنّ مجلس إدارة "تويتر" توصّل إلى اتفاق في فترة قصيرة من الوقت، بالرغم من كون الصفقة غير مشروطة "، واصفاً سرعة الصفقة بأنها "غير عادية".

ورفضت شركة "تويتر" التعليق على مناقشات مجلس إدارتها، كما لم يستجب ماسك لطلب التعليق.

متى بدأت الصفقة فعلاً؟

تمّ وضع الأساس للصفقة في كانون الثاني/يناير، عندما بدأ ماسك في شراء أسهم "تويتر" ، وفي النهاية قام بالاستحواذ على أكثر من 9 % من أسهم الشركة. عندما أعلن عن مقتنياته في ملف الأوراق المالية في أوائل نيسان/أبريل، عرض عليه "تويتر" مقعداً في مجلس الإدارة. وافق ماسك لفترة وجيزة على الفكرة، قبل أن يعود ويغير رأيه.

وبدلاً من ذلك، في مساء يوم 13 نيسان/أبريل، أرسل ماسك رسالة نصية إلى تايلور، الذي يشغل منصب رئيس مجلس إدارة "تويتر" منذ عام 2016، وهو أيضاً الرئيس التنفيذي المشارك لشركة البرمجيات Salesforce.

في صباح اليوم التالي، وصل خطاب من ماسك، أعلن عن "نيته شراء "تويتر" مقابل 54.20 دولاراً للسهم"، وقال أنّ "لديه القليل من التفاصيل حول خططه للشركة أو التمويل".

استأجر ماسك بنك الاستثمار Morgan Stanley ، مستفيداً من خدمات اثنين من المصرفيين، أنتوني أرمسترونج ومايكل غرايمز. قاد غرايمز، الذي يرأس ممارسة الخدمات المصرفية التكنولوجية في Morgan Stanley، طرح الأسهم العامة لعام 2012 لشركة Facebook وشركات التكنولوجيا الأخرى، بينما كان السيد Armstrong مصرفياً تقنياً منذ فترة طويلة تمّت ترقيته مؤخراً إلى نائب رئيس الشركة.

قال الأشخاص المطلعون على المناقشات إنّ مجلس إدارة "تويتر" لم يعرف تماماً كيفية التعامل مع عرض ماسك، فالأخير لم يكن لديه سجل حافل بشراء الشركات ولم يتابع بعض الصفقات، بما في ذلك واحدة في 2018 عندما قام بالتغريد بأنه سيستحوذ على شركة تصنيع السيارات التي يملكها، Tesla، بصفة خاصة، ولكنه لم يفعل.

بعد يوم واحد من الإعلان عن محاولة ماسك، صوت مجلس إدارة "تويتر" بالإجماع لإبطائه من خلال الترخيص باستعمال إجراء "تجرع السم" للدفاع عن نفسه.

تحولت شركة "تويتر" إلى Goldman Sachs و JPMorgan Chase، مصرفيها منذ فترة طويلة، للحصول على المشورة القانونية، كما أضافت شركة المحاماة Simpson Thacher & Bartlett لتكملة Wilson Sonsini، مكتبها القانوني المعتمد منذ فترة طويلة.

وامتنع جي بي مورجان بعد سؤاله عن التعليق، بينما لم يكن لدى مورغان ستانلي وجولدمان ساكس وسيمبسون ثاشر أيّة تعليقات.

كان ماسك ماضياً في عرضه بشكل جدي، فبدأ المصرفيون التابعون له العمل في محاولة جمع عشرات المليارات من الدولارات لتمويل صفقة على "تويتر". قدم مستشاروه للمقرضين المحتملين بضع صفحات تحدّد بشكل غامض أهداف ماسك، وقال شخص مطّلع على المكالمات أنّ الملياردير تحدّث أيضاً مباشرة مع البنوك.

ساعد ذلك في إقناع Citigroup و Bank of America و BNP Paribas والبنوك الأخرى بوضع أموالهم في مشروع ماسك، على الرغم من عدم وجود تفاصيل حول خططه. لقد اطمأن المقرضون جزئياً من خلال النجاحات السابقة والثروة التي حققها رجل الأعمال، كما قال أحدهم.

كما قام ماسك بحملة على "تويتر" لمساعدته في التوصل إلى إبرام الصفقة. وألمح إلى أنه سيأخذ عرضه مباشرة إلى المساهمين فيما يسمى بعرض العطاء إذا لم يقبل مجلس إدارة الشركة عرضه. في 16 نيسان/أبريل ، غرّد: "أحبني أيها (اللطيف، ولكن في حقل التجارة تعني) عرض الشراء". بعد ثلاثة أيام ، غرّد "كم هو (لطيف) الليل"، وتأتي كذلك بمعنى (عرض الشراء الليلة)، في إشارة إلى رواية ف.سكوت فيتزجيرالد.

مجلس إدارة "تويتر" مفلس!

في 16 نيسان/أبريل، غرد جاك دورسي، مؤسس "تويتر" الذي استقال من منصب الرئيس التنفيذي في تشرين الثاني/نوفمبر وعضو مجلس الإدارة، أنّ مجلس الإدارة كان "الخلل الوظيفي المستمر في الشركة". عندما سأله أحد مستخدمي "تويتر" عما إذا كان مسموحاً له بقول ذلك، أجاب دورسي بـ "لا".

أثارت انتقادات دورسي غضب أعضاء مجلس الإدارة الآخرين والمديرين التنفيذيين على "تويتر"، كما قال شخصان عملا على الصفقة. طلب السيد تايلور من السيد دورسي التوقف عن التغريد بشكل سلبي، على حد قول أحد الأشخاص.

ورفض المتحدث باسم دورسي التعليق. ورفضت متحدثة باسم السيد تايلور التعليق.

التمويل

في 21 نيسان/أبريل، جمع السيد ماسك 46.5 مليار دولار لتمويل مشروعه. لقد حصل على التزامات من Morgan Stanley ومقرضين آخرين بقيمة 13 مليار دولار لتمويل الديون، بينما وعدت مجموعة أخرى من البنوك بقروض بقيمة 12.5 مليار دولار مقابل أسهمه في Tesla. وأضاف السيد ماسك أنّه سيستخدم 21 مليار دولار أخرى نقداً لشراء باقي أسهم "تويتر".

أجبر التمويل مجلس إدارة "تويتر" على أخذ عرض ماسك على محمل الجدّ. وقال شخصان مطلعان على المداولات إنه لم تظهر أي عروض أخرى للشركة.

في "تويتر"، كان السيد تايلور يوازن بين الشكّ في نوايا ماسك والآثار المجتمعية للصفقة مقابل واجب مجلس الإدارة الائتماني، كما قال أشخاص على دراية بالموقف. وهذا كان يعني اتخاذ قرار بناءً على ما إذا كان بإمكان "تويتر" تحقيق قيمة أفضل بشكل معقول مما طرحه ماسك.

ناقش تايلور وأعضاء مجلس الإدارة الآخرون ما إذا كانت آفاق نمو "تويتر" وإيراداته المتوقعة واقعية. وضعت الشركة التي تتخذ من سان فرانسيسكو مقراً لها، والتي لم تحقق أرباحاً لمدة ثماني سنوات من السنوات العشر الماضية، أهدافاً تجارية قوية.

استفاد موقع "تويتر" أيضاً في البداية من الوباء، حيث اجتذب عدداً كبيراً من المستخدمين الجدد وأرسل سهمه إلى أكثر من 77 دولاراً في شباط/فبراير 2021. لكن نشاطه الإعلاني تخلّف عن أعمال المنافسين، ومع تلاشي دفعة الوباء، انخفضت أسهمه إلى أقلّ من 40 دولاراً.

ومع ذلك، كان بعض أعضاء مجلس الإدارة قلقين بشأن وجود شخصية منقذة مثل ماسك.

بدأ السيد ماسك الاستعداد لعرض مناقصة ل"تويتر"، وكان لديه حليف محتمل في مجلس إدارة "تويتر" هو إيغون دوربان، الرئيس التنفيذي المشارك لشركة الأسهم الخاصة Silver Lake ، الذي عمل مع ماسك في محاولته الفاشلة لعام 2018 لجعل شركة Tesla خاصة. لكنّ دوربان أوضح لمجلس الإدارة أنّ "سيلفر لايك" لا تتعاون مع ماسك لتوفير التمويل لعملية الاستحواذ، بحسب مصادر.

ورفض ديربان التعليق.

الساعات الأخيرة

يوم السبت الماضي، تحدّث ماسك مع تايلور، وهّدد بأخذ عرضه مباشرة إلى مساهمي "تويتر"، دون أن يقول صراحةً إنّه سيبدأ محاولة عدائية، حسبما قال شخص مطلّع على المكالمة.

ويوم الأحد، خلص مجلس إدارة "تويتر" إلى أنّه يتعين عليه عقد صفقة مع ماسك. اتفق أعضاء مجلس الإدارة على عدم تمكّن الشركة من الوصول إلى 54.20 دولاراً للسهم من تلقاء نفسها، ولم يكن هناك فارس على جواد أبيض قادم.

قال تايلور لماسك إنّ "تويتر" سيواصل عملية البيع، كما قال شخص مطلع على المكالمة. ومع ذلك، أرسل ماسك رسالة إلى تايلور يهدد فيها بمحاولة عدائية.

استعان مستشارو "تويتر" بوسائل الحماية للصفقة، مثل رسوم التفكيك إذا انسحب ماسك، وجدول زمني مدّته ستة أشهر لإغلاق الصفقة، والذي قد يكون مهماً بشكل خاص إذا استمرّت أسهم التكنولوجيا في الانخفاض. قال شخص مطّلع على المفاوضات إن مستشاري ماسك دعموا تفاصيل التمويل، مع توقيع الملياردير شخصياً على كل نقطة.

بعد الإعلان عن الاتفاقية بعد ظهر يوم الاثنين، دخل ماسك منعطف الفوز الأخير، وغرّد على الموقع الذي صار ملكاً له: "نعم !!!".