أفغانستان تواجه العقوبات الأميركية بمزيد من التعاون مع إيران

الواقع الإنساني الكارثي في أفغانستان يدفع حكومة "طالبان" إلى التعامل مع إيران من أجل تأمين مستلزمات مواطنيها. وفي ظلّ العقوبات الأميركية، بات هذا الأمر الخيار الأفضل.

  • أفغانستان تواجه العقوبات الإيرانية بأفضل الخيارات..اللجوء إلى إيران
    تتشارك إيران وأفغانستان في حدود طولها 600 ميل تقريباً

لا يعدو انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، منذ أشهر قليلة، عن كونه انسحاباً عسكرياً من البلاد، إذ إنّ أميركا لا تزال تُحكم قبضتها على البلاد، وتتحكم فيها وفق ما تشاء، من خلال العقوبات القاسية التي تفرضها.

98 % من الأفغان لا يستهلكون ما يكفي من الغذاء

بعد وصول حركة "طالبان" إلى السلطة في إثر الانسحاب الأميركي من أفغانستان، أوقفت المؤسسات المالية الدولية مساعداتها للبلاد، وجمّدت واشنطن نحو 9,5 مليارات دولار من أصول البنك المركزي الأفغاني، الأمر الذي "منع ملايين الأشخاص في أنحاء أفغانستان من الوصول إلى السلع الأساسية التي يحتاجون إليها من أجل البقاء في قيد الحياة"، بحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وبحسب أحدث استطلاع أجراه برنامج الأغذية العالمي، فإنّ 98% من الأفغان لا يستهلكون ما يكفي من الغذاء، وهي زيادة مقلقة بنسبة 17% منذ آب/أغسطس، بينما تشير منظمة الأمم المتحدة، في هذا السياق، إلى أنّ نحو 23 مليون شخص، أي نحو 55% من السكان، يواجهون مستويات بالغة من الجوع، وأنّ نحو 9 ملايين معرَّضون لخطر المجاعة، مع ازدياد برودة الشتاء. 

وأوضحت المنظمة أن "العائلات بالكاد تستطيع التأقلم مع هذا الوضع، وهي تلجأ إلى تدابير يائسة مع بداية الشتاء، بحيث يأكل 8 من كل 10 أشخاص كمية أقل من الطعام، ويقترض 7 من كل 10 أشخاص طعاماً من أجل تدبير أمورهم"، مؤكّدةً أنها في حاجةٍ إلى "220 مليون دولار شهرياً في عام 2022، من أجل تكثيف عملياتها وتوفير المساعدات الغذائية والنقدية لأكثر من 23 مليون أفغاني يواجهون الجوع الشديد".

تعاون أفغاني إيراني في مواجهة الواقع الإنساني الكارثي في أفغانستان

هذا الواقع الإنساني الكارثي، دفع حكومة "طالبان" إلى التعامل مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية من أجل تأمين مستلزمات مواطنيها، إذ إنّه، في ظلّ العقوبات الأميركية والأوروبية على البلدين، لم يعد هناك خيارٌ أفضل من التقارب واللجوء، أحدهما إلى الآخر. 

وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، في هذا الخصوص، أنّ البلدين اللذين يتشاركان في حدود طولها 600 ميل تقريباً، يسعيان "لملء الفراغ الذي خلّفه انسحاب القوات الأميركية، على الرغم من الخلافات المتعددة بينهما".

وأضافت الصحيفة أنّ طبيعة العلاقة بين أفغانستان وإيران "تتجلّى في مقاطعة نمروز، حيث تُنقل البضائع، من البطاطس إلى الأسمدة والوقود، عبر الصحراء من إيران إلى أفغانستان"، لافتةً إلى أنّه في الفترة من آب/أغسطس إلى كانون الأوّل/ديسمبر، استوردت إيران بدورها أيضاً سلعاً بقيمة 45 مليون دولار عبر غربي أفغانستان، بزيادة قدرها 20% عن الفترة نفسها من العام الماضي، في وقت تقلص الاقتصاد الأفغاني بنحو 40%. 

وتابعت أنه "في شوارع مدينة زرنج، عاصمة نمروز، يبيع الباعة الجائلون البهارات والفاكهة الإيرانية، ويقبلون الريال الإيراني في المعاملات. كما أن مصابيح الشوارع التي تضيء زرنج، والتي تشبه بقعة من الضوء وسط الصحراء المظلمة، تعمل بالكهرباء المتدفقة من الشبكة الإيرانية". 

ونقلت الصحيفة أيضاً، عن مدير مبيعات في أحد المحال التجارية في مدينة هرات الأفغانية، قوله إنه بدّل 60% و65% من العلامات التجارية التي كانت تركية أو أوروبية بمنتوجات إيرانية، مؤكّداً "أننا سنصبح أكثر اعتماداً على إيران بنسبة 100% إذا استمر الوضع على حاله".

  • أفغانستان تواجه العقوبات الإيرانية بأفضل الخيارات..اللجوء إلى إيران
    سوق  في هرات الأفغانية يمتلئ بمنتوجات مستوردة من إيران

يُذكَر أنّ إيران استأنفت، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، تصدير النفط والغاز إلى أفغانستان، كاشفةً، في الوقت نفسه، أنّ التبادل التجاري بين إيران من جهة، وأفغانستان وباكستان من جهةٍ أخرى، سيشهد ارتفاعاً إلى 5 مليارات دولار.

وعلى العكس من أغلبية الدول، "بقيت إيران على تواصل دائم مع حكومة طالبان من أجل تفعيل المساعي الدبلوماسية معها، وأيضاً تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بها"، وفق الصحيفة.

العقوبات أصبحت تؤدي إلى نتائج معاكسة للأهداف التي يريدها الغرب

 إلى ذلك، قالت صحيفة "​إندبندنت​" البريطانية إنّ "فشل العقوبات أصبح واضحاً بما يكفي لتجنب أي جدل بشأن نجاعتها كوسيلة للتغيير السياسي"، موضحةً، في تقرير، أنّ ما يحدث في أفغانستان هو أن "الذي يدفع ثمن العقوبات الأميركية والغربية هو الشعب الأفغاني بصورة عامة، وهو نمط متكرر شهدناه، في كل الدول التي تعرضت للعقوبات".

ورأت الصحيفة البريطانية أن "العقوبات، بصورة عامة، أصبحت تؤدي في كل مكان إلى نتائج معاكسة للأهداف التي يريدها الغرب. فالولايات المتحدة وحلفاؤها يبدو أنهم وقعوا في غرام هذه الأداة السهلة نسبياً، من أجل تنفيذ سياساتهم الخارجية، بحيث تُحدث ضغطاً اقتصادياً على الشعوب، فتثور وتعصي الأنظمة الحاكمة".

مع بدء الولايات المتحدة تطبيق خطة الانسحاب من أفغانستان، بدأت حركة "طالبان" تسيطر على كل المناطق الأفغانية، وتوجت ذلك بدخولها العاصمة كابول، واستقالة الرئيس أشرف غني ومغادرته البلاد. هذه الأحداث يتوقع أن يكون لها تداعيات كبيرة دولياً وإقليمياً.

اخترنا لك