كيف استفاق الموصليون من "كابوس داعش"؟

القصص التي سمعناها في صغرنا لم تكن خيالاً إذن، الرجل الذي يملك أسناناَ صفراء في مقدمة فمه وسوداء في آخرها، الرجل الذي يحمل نظرة شريرة ملؤها الكراهية، حيٌ يُرزق، ربما هو أقل سوءاَ ممن نراهم اليوم! هناك في الموصل "أُناس" لم تعرف الإنسانية لقلوبهم طريقاً، هجّروا، قتّلوا، قطّعوا رؤوساً، ظلموا، اغتصبوا نساءاً، أهانوا شعوباً، وسبحة إرهابهم كرّت على رؤوس الجميع.

"كابوس داعش" وثائقي واقعي يخبر العالم قصة إرهاب يجب ان يُقتل ويموت ويدفن
"كابوس داعش" مرّ على أحلام العراقيين، قضّ مضاجعهم، بعثر أحلامهم بالسلام، أهان طفولة أبنائهم، وحاول بناء ثقافة للموت بدل ثقافة الحياة، لكنه هُزم، داعش هُزم، وترك وراءه ندوباً وأناساً ما زالت جراحهم معرّضة للإلتهاب مجدداً، ولأن الجروح تحتاج بعد العلاج إلى أن يراها التاريخ ويوثّقها ولا يفكر بنسيانها، نحن بحاجة إلى من يراقب، يسجّل ويوثّق.

لذا ومن منطلق شعارها بنقل الحقيقة كما هي، جالت كاميرا الميادين في أحياء مدينة الموصل، سجلّت مشاهد لا تلحظها جميع العيون، وجمعت قصصاً ووقائع حصلت ويحصل منها كل يوم في كل البقاع التي يتواجد فيها الإرهاب.

"كابوس داعش" وثائقي واقعي، يخبر العالم قصة إرهاب يجب ان يُقتل ويموت (صور خاصة للميادين نت)
المخرجة هالة بوصعب اجترحت ما يصعب انتزاعه من أفواه الأطفال، جرّدتهم من عبء الخجل أمام الكاميرا، فتكلّموا. قالوا ما لا يعرفه العالم، أو ما لا يريد أن يعرفه. فتاة بعمر الزهور لا تعلم عن قانون الاغتصاب شيئاً، اغتصبت، وبدل أن تكون ألعابها أكبر همها، عملت كطاهية وعاملة منزل و"زوجة" بالقوة!

شبابٌ اختطفوا من أحضان أمهاتهم وعاشوا مهانين، يرعى الضرب طفولتهم، أحد الأطفال سألته المخرجة عن أهله فقال لها إنهم "ماتوا، ماتوا جميعاً".. هل تعلم كمّ الوجع الذي يعيشه طفل يخبر عابراً أن أهله قتلوا جميعاً؟

"للوهلة الأولى تعتقد أن ما يحدث أمامك فيلم هوليوودي، هل هذا يحدث في العالم حقاً؟"، هكذا قالت المخرجة هالة بوصعب في حديث لـ الميادين نت، معتبرة أن وثائقي "كابوس داعش" هو "أقسى عمل قامت به، لأنك ترى مشاهد تظن معها أن الحرب العالمية عادت". وهي تروي لنا ما حصل لها أثناء التصوير ترددت بوصعب أكثر من مرة في الحديث عن جميع الحالات التي رأتها في الموصل، وقالت إنها لا تريد أن تروي كل ما حصل معها هناك، ربما لأن استحضار المشهد يعني أن تعيده لذاكرتها من جديد، وبرأيها فإن ما شهدته في الموصل "عيّنة صغيرة من قصص كبيرة وكثيرة".

وفي سؤال عن قدرتها على تحمل رؤية هكذا مشاهد بالعين المجرّدة في الوقت الذي نخاف كبشر من رؤيتها من وراء الشاشة، قالت بوصعب إن "الصحافي من لحم ودم وشعور، لكنه يجب أن يمرّن نفسه لإيصال الرسالة، وإن لم نوثّق بالصوت والصورة عذابات هؤلاء فإنها ستذهب سُدى".

مجموعة أطفال تروي للكاميرا كيف سُرقوا واجبروا على الانضمام الى داعش (صور خاصة للميادين نت)
ولكي لا تذهب عذابات هؤلاء وجراحهم أدراج الرياح، ولكي لا يضع التاريخ قصصهم على رفّ المجهول، وثّقت الميادين بشريط من 50 دقيقة، مأساة شعب سُرق أطفاله واغتصبوا وأجبروا على الانضمام لتنظيم داعش بالإكراه.

الزميل المصوّر حازم مجذوب حمل كاميرته وجاب بها مع كل قصة وموقف في الموصل، لينقل بكلّ دقة ما رأت أعينهم هناك. أما النصّ المرفق في الوثائقي إعداداً وقراءة فكان للزميلة لانا مدوّر التي شرحت في نهاية الوثائقي بعد عرض مشاهد لقاء بين شاب وعائلته، مواقف الدموع التي لم يجد الكلام طريقاً لها، والتي قالت عنها بوصعب "وكأنها كانت معنا".

"كابوس داعش" الذي تعرضه الميادين عند التاسعة من مساء الأحد 27 آب/اغسطس بتوقيت القدس الشريف، وُجد لأن داعش كان كابوساً حقيقياً لأطفال العراق، ولأن هناك تنظيماً يجب أن ينتهي كي يعيش العراقيون بسلام. توثيق حيّ ودامغ لما حلّ بالشعب العراقي الأعزل الذي قتل تحت مسميّات كثيرة، الدين إحداها!

اخترنا لك