كيف بدت حياة الأطفال في عام كورونا والمساحات الضيّقة؟
صحيح أن فيروس كورونا لا يؤثر بشكل كبير على الأطفال صحياً، لكن آثاره الاجتماعية والتنموية عليهم جعلتهم من أكبر ضحاياه.
حياة الأطفال في عام 2020 كانت مختلفة؛ فآثار جائحة كورونا لم تطل الكبار وحسب، إنما الأطفال أيضاً. ونظراً لأن عدوى الفيروس لم تطل الأطفال إلا بنسب ضئيلة، فإن آثاره لدى هذه الفئة العمرية تجلت بشقيها الاجتماعي والاقتصادي، خصوصاً بعد تدابير الإغلاق والحجر.
إذ عمّقت الجائحة التفاوت الاجتماعي حول العالم بشكل أكبر مما كان عليه في السابق، وكان الأطفال من اللاجئين والفقراء هم الفئة الأكثر تضرراً.
فالطفل الذي كان ذويه بالكاد يستطيعون دفع أقساط تعليمه، حُرم كلياً اليوم من التعلم بسبب الإغلاق والدراسة عبر الانترنت، وحالة الفقر حالت دون امتلاكه أدوات التعلم من المنزل وأهمها الحاسوب. ذلك نظراً لأن أسراً كثيرة في معظم أنحاء العالم فقدت مصدر دخلها بسبب أزمة كورونا التي أثرت بشكل كبير على الاقتصاد العالمي.
وفقًا لتوقعات الأمم المتحدة في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، يمكن للأزمة الاجتماعية والاقتصادية العالمية الناجمة عن الوباء أن تدفع 142 مليون طفل إضافي إلى أسر فقيرة نقدياً في البلدان النامية بحلول نهاية العام.
هذا فضلاً عن الآثار النفسية للحجر والإغلاق على الأطفال، خصوصاً بعد حرمانهم من مساحات اللعب الخارجية، أو حتى توفير بيئات اجتماعية وصداقات خارج حدود المنزل. وفي بعض الأحيان واجه بعض الأطفال حول العالم العنف البيتي والعمالة المبكرة، بسبب تداعيات الوباء الاقتصادية وتسريح أعداد كبيرة من الناس من أعمالهم.
الإغلاق زاد عدد الأطفال غير المحصنين وغير الملقحين
من الناحية الصحيّة، وبالرغم من أن أعداد وفيات الأطفال بفيروس كورونا قليلة نسبة لفئات عمرية أخرى، إلا أن الآثار غير المباشرة الناجمة عن اضطرابات الخدمات الصحية المنقذة للحياة مثل التحصين والرعاية قبل الولادة، يمكن أن تؤدي إلى زيادات مدمرة في وفيات الأطفال. وبسبب الضغط الذي أنتجه انتشار فيروس كورونا على النظم الصحية الضعيفة أو المرهقة في العديد من البلدان، من المتوقع أن يزداد عدد الأطفال غير المحصنين وغير الملقحين.
فضلاً عن معاناة نسبة من الأطفال من سوء التغذية بسبب تدهور جودة وجباتهم الغذائية والصدمات المتعددة التي أحدثها الوباء وتدابير احتوائه.
التعلم عن بعد.. "هاتفي لا يعمل"
"يمنى" (11 عاماً) طفلة سورية تسكن في مخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان، قالت للميادين نت إن الإغلاق والدراسة عن بعد كانا مملّين، وشبكة الانترنت كانت تتعطل في الكثير من الأحيان، فيما الهاتف المحمول الذي تدرس عبره كان يتوقف عن العمل أيضاً.
تحدثت "يمنى" عن الصعوبات التعليمية التي واجهتها أثناء الجائحة، وقالت إن أباها متوفٍ وأمها لا تعمل، والدراسة عن بعد زادت الأعباء المادية على عاتق الأسرة التي ليس لها معيل.
أما "محمد" من سوريا، (11 عاماً)، الذي لجأ إلى لبنان أيضاً في ظل الحرب على بلاده، قال إنه كان يستطيع فهم الدروس أكثر أثناء الحضور في الصف، لكن حالياً في ظل التعليم عن بعد، يملّ بعد ساعات أمام شاشة الهاتف الصغيرة، ولا يفهم شرح المعلمة كما يجب.
ويعاني "محمد" من ضعف في نظره، وقال إنه بسبب المكوث وقتاً طويلاً أمام شاشة الهاتف زاد هذا الضعف، ولم تملك أمه المال لفحصه عند الطبيب المختص.
لدى محمد إخوة، يقسّمون الوقت فيما بينهم لتدوال هاتف والدتهم المحمول الذي لا يملكون غيره للدراسة "أونلاين".
يصعب فهم الخسائر المحتملة التي قد تتراكم في التعلم لجيل الشباب اليوم، ولتنمية رأس مالهم البشري في ظل إغلاق 188 دولة المدارس في جميع أنحاء البلاد خلال الوباء، مما أثر على أكثر من 1.6 مليار طفل وشاب.
وحتى قبل انتشار الوباء، كانت دراسة الأطفال في أزمة، ولم يؤد الوباء إلا إلى تفاقم هذا التفاوت، مما أصاب تلاميذ المدارس في البلدان الفقيرة بشكل خاص.
وعلى الصعيد العالمي، تفتقر العديد من المدارس إلى الموارد اللازمة للاستثمار في التعلم الرقمي، والعديد من الأطفال من الأسر الفقيرة ليس لديهم إمكانية الوصول إلى الإنترنت.
تربوياً واجتماعياً ونفسياً، كيف بدت حياة الأطفال عام 2020؟
يعتقد الدكتور في التربية والمرشد النفسي أحمد عويني أن "الأطفال هم أكثر من تأثر بهذه الجائحة لأنهم يعتمدون على ذويهم مادياً ويحتاجون مساعدة أهلهم خاصة في التعلم عن بعد"، مشيراً إلى أنه "ليس كل الأهل يملكون المعرفة بالتكنولوجيا والوقت الكافي لمساعدة أبنائهم في هذه السياسة الجديدة من التعليم".
عويني يلفت في حديث للميادين نت أن "شريحة الأطفال الذين لديهم صعوبات تعليمية تأثروا أيضاً بشكل كبير، لأنهم بحاجة إلى عمل ومساعدة وعلاجات فردية ومهارات حسية لم تعد متوفرة في ظل الإغلاق".
ووفقاً له، فإن أكثر من تأثر فيها هم "الأطفال الفقراء، والذين يسكنون في مناطق النزاع والحروب وعدم الاستقرار، ومنهم عدد كبير لم يستطع الذهاب إلى المدرسة أو حتى التعلم عن بعد".
لكن في الوقت نفسه، يرى عويني أن للتعلم عن بعد إيجابيات أيضاً إذ "يتعلم الطفل الاتكال على نفسه أكثر، بدل الاتكال على المدرّس فقط. كما أن دخول التكنولوجيا إلى المنازل ستغير طريقة التعليم في السنوات المقبلة خاصة في العالم العربي".
من الناحية الاجتماعية والعاطفية، يؤكد العويني أن هذا الجانب لدى الأطفال تأثر بشكل كبير بفعل الإغلاق ومكوث الأطفال لوقت كبير في المنزل: "الطفل يجلس أمام شاشة، والشاشة لا يمكن أن تحل مكان الإنسان، والاحتكاك مع التلاميذ صار شبه معدوم، الطالب يتكلم أمام اسم أو صورة في أغلب الوقت".
وبرأيه، فإنه سيكون ملحوظاً التأخر في المهارات الاجتماعية لدى بعض الأطفال والطلاب، والتطور العاطفي والاجتماعي وهو ما يشمل تطور الشخصية، والنمو العاطفي أي الإحساس بالغير وتكوين مفردات عاطفية والتفاعل مع الآخرين وفهم مشاعرهم، بالإضافة إلى التحكم بالتصرفات والقرارات، وبناء العلاقات مع الآخرين، والثقة بالنفس، والقيمة للذات.
أما بالنسبة للحالة النفسية، يقول الدكتور في التربية والمرشد النفسي للميادين نت إن الحجر الصحي والمكوث في المنزل طوال الوقت، بالإضافة إلى المشاكل الاقتصادية وعدم الاستقرار في معظم الوطن العربي، سيكون له تأثير كبير على الأسر وبالتالي الأطفال. ويوضح أن ذلك قد ينجم من "المشاكل الاقتصادية التي تؤثر على العلاقات مع الآخرين، فضلاً عن بروز حالات العنف بين الأزواج، ما قد يؤثر على الأطفال ويولد حالة من التوتر".
في الوقت نفسه، ورغم هذه الآثار السلبية لجائحة كورونا والإغلاق، إلا أن "الطفل لديه قدرة على التكيف والتعود بشكل أسرع، والعيش في هذه الظروف سينساه الطفل تدريجياً عند عودته إلى المدرسة والاختلاط بالأساتذة والأصدقاء"، وفق عويني.