"الكنوز تُباع في فيسبوك".. تحقيق لـ"الغارديان" يكشف تصاعد تهريب الآثار من سوريا
تحقيق ميداني لصحيفة "الغارديان" يكشف تصاعد غير مسبوق في عمليات نهب وتهريب الآثار السورية، خاصة بعد سقوط النظام السابق، وتشير إلى أنّ الفوضى الأمنية والفقر المدقع سهّلا تحوّل مواقع أثرية ومقابر إلى أهداف للمنقّبين غير الشرعيين.
-
الناشط في منظمة "تراث من أجل السلام" محمد الفارس مع قطعة فخارية حطمها اللصوص في مقبرة محفورة على أطراف تدمر
نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تحقيقاً موسعاً من مدينة تدمر، كشفت فيه عن تصاعد غير مسبوق في عمليات تهريب وبيع الآثار السورية عبر الإنترنت، خاصة منذ سقوط النظام السابق في كانون الأول/ديسمبر الماضي.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ الانهيار الأمني الواسع والفقر المدقع في البلاد فتحا الباب أمام ما وصفته بـ"حمى الذهب الأثري"، حيث تحوّلت المقابر والمواقع التاريخية إلى هدف للمنقّبين غير الشرعيين.
وفي السياق، قال محمد الفارس، أحد سكان تدمر وناشط في منظمة "تراث من أجل السلام"، إنّ لصوص القبور باتوا ينبشون المدافن التي تعود إلى آلاف السنين تحت جنح الظلام، ويخلطون الطبقات الأثرية بعضها ببعض، ما يهدد بفقدان السياق التاريخي للموقع بالكامل.
وفي موقع أثري واحد فقط، وُثّقت حفر يصل عمقها إلى 3 أمتار خلّفها اللصوص، بحثاً عن كنوز جنائزية، وقطع يمكن بيعها بآلاف الدولارات.
وأوضح مشروع تتبع تهريب الآثار والتراث (ATHAR)، الذي يديره الباحثان عمرو العظم وكايتي بول، أنّ ما يقارب ثلث حالات التهريب المسجلة في سوريا منذ 2012 حدثت بعد سقوط النظام وحده، في غضون 6 أشهر فقط.
وقال العظم: "عقب سقوط النظام، انهارت آخر مظاهر الرقابة على تهريب الآثار".
ووفقاً للتحقيق، يشارك في عمليات النهب أفراد فقراء يبحثون عن دخل سريع، إلى جانب شبكات منظمة تستخدم أدوات ثقيلة، وتعمل ليلاً ونهاراً في مواقع مثل تل شيخ علي في منطقة السلمية، حيث ظهرت حفر عميقة ومتناسقة في موقع يعود للعصر البرونزي.
"الكنوز تُباع في فيسبوك"
وفي الإطار، عرض أحد المستخدمين عبر منشور في "فيسبوك" حزمة من العملات القديمة للبيع قائلاً: "أحتفظ بها منذ 15 عاماً".
وأظهر تحقيق "الغارديان" لقطات لشخص يعرض فسيفساء رومانية عليها صورة "زيوس"، لا تزال في الأرض قبل أن تظهر لاحقاً وقد جرى اقتلاعها بالكامل.
وعلى الرغم من أنّ شركة "ميتا" – المالكة لـ"فيسبوك" – حظرت عام 2020 بيع القطع الأثرية التاريخية، إلاّ أنّ الباحثين يؤكدون أنّ الحظر غير مطبق.
وأشارت كايتي بول إلى أنّ عشرات المجموعات في "فيسبوك"، بعضها علني ويضم مئات الآلاف من الأعضاء، لا تزال تعرض تماثيل حجرية وفسيفساء نادرة علناً، وسط غياب أي رقابة فعلية.
وتحذر "ATHAR" من أنّ هذه المنصات باتت بوابة للربط بين حفّاري القبور المحليين وشبكات التهريب الدولية التي تنقل القطع إلى الأردن وتركيا، ومن هناك إلى السوق العالمية، حيث تُصطنع لها أوراق ملكية مزورة قبل دخولها المزادات الرسمية بعد سنوات.
وفي مواجهة هذه الأزمة، أطلقت الحكومة السورية الجديدة دعوات للكف عن النهب، مقدمةً مكافآت مالية لمن يسلم القطع الأثرية بدلاً من تهريبها، إلى جانب التهديد بالسجن حتى 15 عاماً.
إلا أنّ تحقيق الصحيفة يشير إلى ضعف الإمكانيات في دمشق، في ظل أولوية إعادة الإعمار ومحاولات فرض السيطرة على البلاد.
واختتمت "الغارديان" تقريرها بالتأكيد أنّ مسؤولية وقف التهريب لا تقع على السوريين فقط، بل على دول الغرب – خاصةً أوروبا والولايات المتحدة – التي تمثل السوق الرئيسية لهذه الكنوز، حيث تنتهي آثار سوريا المنهوبة في متاحفها ومجموعات جامعيها.
وقال العظم في ختام التقرير: "ما لم يتوقف الطلب في الغرب، لن يتوقف العرض في سوريا".