السودان "سلّة الغذاء العربي" ضحيّة سوء الاستغلال والفساد

السودان ينعم بثروات زراعية ومعدنية هائلة ورغم هذا الكم الهائل من الثروات، إلا أنّ نصف سكانه تحت خطّ الفقر.

  • تزيد مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في السودان عن 175 مليون فدان
    تزيد مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في السودان عن 175 مليون فدان

برغم الثروات الطبيعية والموارد الكبيرة التي يكتنزها السودان يُعاني أكثر من 9.8 مليون سوداني من الجوع الحاد، ويُقدّر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة نسبتهم بـ 21%.

البلد الذي يُعاني من أزماتٍ اقتصادية متعاقبة، يُسمى بـ"سلّة الغذاء العربي"، ويستطيع أن يُطعم مليار شخص إذا ما تمّ استثمار أراضيه الزراعية وثروته الحيوانية بالشكل السليم، كما ويُعدّ من أهم البلدان المنتجة للذهب في أفريقيا، ومن هنا نطرح سؤالاً لماذا يجوع السودان؟

السودان يتسوّل الغذاء

تزيد مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في السودان عن 175 مليون فدان (الفدان يساوي 4200 متر مربع) بحسب تصريحات الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، وتكشف دراسات سودانية رسمية، أن 20% فقط من الأراضي الصالحة للزراعة، يتمُّ زراعتها، ورغم كل ذلك يعيش نصف سكان السودان تحت خط الفقر، وفق تقارير للأمم المتحدة.

وتساهم الزراعة التي يعمل بها ملايين السودانيين، بـ 48% من الناتج المحلي الإجمالي للسودان التي تمتلك قدرات تؤهلها أن تصبح سلّة غذاء للعالم أجمع.

في هذا الصدد، صنّفت مؤسسة "غولدن ساكس الأميركية" عام 2016 السودان في المركز الأول ضمن الدول التي تمتلك أراضٍ زراعية غير مُستغلة وذلك بمساحات 80 مليون فدان. وفي هذا المضمار تقدّر المنظمات العالمية أنّ السودان لو استغل مقوماته الزراعية فسيصبح أكبر اقتصاد زراعي في العالم.

اللافت أنّ مؤتمر الغذاء في روما عام 1996، خرج بدعم التزامات الإنتاج الزراعي في دول السودان، أستراليا، البرازيل، كندا، واعتبر أنّ هذه الدول مؤمل عليها في سدّ نقص الغذاء العالمي لما تتوفر عليه من مقوّمات.

كل تلك الدول استغلت أراضيها بقوانين وتسهيلات إلاّ السودان، فهو لا يزال الدولة الوحيدة التي تقف عند محطتها الأولى حيث لم تحقق أمنها الغذائي بعد، والأمر اللافت للانتباه هنا أنّ السودان يستورد أكثر من 50% من حاجته من القمح وأكثر من 26% من حاجته من مواد غذائية أخرى بل ويعيد استيراد مواد أخرى كالسكر بعد إعادة تصنيعه في دول عربية مجاورة لعدم وجود صناعات غذائية متكاملة.

المشكلةُ الأساس تكمن في تنظيم الدولة لملف الزراعة، فالإنفاق الحكومي على الزراعة متدنٍ للغاية حتى الآن فلم يصل إلى 5%، هذا ما قاله نائب رئيس اتحاد المزارعين، غريق آدم كمبال، كما ينقصه الطرق الحديثة في الزراعة، كما لم توفر الدولة بيئة جاذبةُ للاستثمارات الزراعية الضخمة، إلا أنّ بعض الدول كقطر وتركيا تستثمر فيها.

هكذا هو السودان اليوم يتسوّل القمح والغذاء من أصقاع الأرض، لديه أيدٍ عاملة رخيصة تتمتع بخبرةٍ كبيرة، كما ويمتلك ثروة مائية قلما تتوفر في بلد عربي حيث يضمّ أكثر من 10 أنهر يتدفق بعضها بصورةٍ دائمة أو موسمية، وذلك عدا عن مياه الأودية والمياه الجوفية ومياه الأمطار، إذ يصل معدّل الأمطار السنوي عن ما يزيد على 400 مليار متر مكعب.

يشار إلى أنّ مجلس الوزراء السوداني قال خلال تشرين الأول/أكتوبر الحالي، إن مخزون البلاد من الأدوية الضرورية والقمح والوقود يوشك على النفاد، بسبب إغلاق ميناء بورتسودان، وهو الميناء الرئيسي في البلاد.

  • مواطن سوداني يشتري الخبز في العاصمة السودانية الخرطوم 11 تشرين الأول/أكتوبر 2021 (أ ف ب)
    مواطن سوداني يشتري الخبز في العاصمة السودانية الخرطوم 11 تشرين الأول/أكتوبر 2021 (أ ف ب)

كيف يُسرق ذهب السودان؟

يعتبر السودان بلداً غنياً بالمعادن الطبيعية وتشمل النحاس والذهب والحديد والكروم وغيرها، وفي العصر الحديث سيطرت الشركات البريطانية على مناجم الذهب واستخرجت كميات كبيرة من مختلف المعادن لمدة لا تقل عن 5 عقود من الزمن.

وعقب انتهاء الهيمنة البريطانية على السودان، أنتج عام 2017 نحو 107 طن من الذهب، ولكن في عام 2018 انخفض الإنتاج إلى 93 طناً، حيث تمّ تهريب نحو 48.8 من الذهب في النصف الأول من العام، في ذلك العام اشترى البنك المركزي السوداني 8 أطنانٍ فقط من الذهب! ومع ذلك احتلّ المرتبة الـ 3 من حيث أكبر منتج للذهب في أفريقيا بعد جمهورية جنوب أفريقيا وغانا، والمرتبة الـ 9 على مستوى العالم.

اليوم، يشكّل الذهب 37% من صادرات السودان الخارجية، ويعمل في تعدينه 3 ملايين سوداني، وتبلغ عدد الشركات العاملة بقطاع الذهب في السودان 243 شركة، منها 11 شركة امتياز والعامل منها 7 فقط، حيث توقع الشركات مع الحكومة السودانية حق الامتياز فـ 70% من عوائد هذه الشركات لا تدخل إلى خزينة الحكومة السودانية أصلاً ولمدة 25 عاماً.

وفي خطوةٍ متأخرة، قادت حملة ضغوط شرسة تمت بواسطة مسؤولين نافذين بالحكومة السودانية السابقة إلى تراجع البنك المركزي عن قرار مجلس الوزراء بالرقم 455 القاضي بإعادة حصيلة الصادر إلى البنوك المحلية، وكان منشور البنك المركزي الصادر عام 2018 قد أكّد أنّ حصيلة صادر ذهب شركات الامتياز هي حق لحكومة السودان وليس للمُصدِّرين.

  • سودانيون ينقبون عن الذهب في قرية العبيدية في شمال السودان (أ ف ب)
    سودانيون ينقبون عن الذهب في قرية العبيدية  شمال البلاد  (أ ف ب)

المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة التابعة لوزارة الطاقة والتعدين في السودان، مبارك أردول يقول لـ "اندبندنت عربية" إنّ "الممارسات الخاطئة للنظام السابق تمثلت في منح رخص الإنتاج للمحسوبين والمقربين بطرقٍ غير شفافة أو قانونية، وعدم الالتزام بالمعايير والشروط الفنية والبيئية في التعامل مع الشركات المنتجة".

عمليات تهريب واسعة للذهب

في المقابل، تشكو الحكومة السودانية من عمليات تهريب واسعة للذهب، واعترف وزير المالية جبريل إبراهيم، خلال مقابلة تلفزيونية أجراها في حزيران/يونيو الماضي، بأنّ حكومته عاجزة عن السيطرة على تهريب الذهب، وأنّ هناك إجراءات تقوم بها للحد من التهريب، للاستفادة من عائدات الذهب في زيادة حصيلة البلاد من العملات الأجنبية، واستيراد السلع.

في ظل هذه المعلومات المركبة، تفرض الولايات المتحدة الأميركية عقوباتٍ على السودان منذ عام 1997 حيث تقيم حظراً تجارياً وتجمّد أصول الحكومة بدعوى انتهاك حقوق الإنسان، كما فرضت المزيد من العقوبات في 2006 بسبب ما قالت إنّه "تواطؤ في العنف في دارفور"، وهذه العقوبات تحول دون استثمار معظم الشركات الغربية والعربية بهذا البلد.

فجر الإثنين 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021 أعلن في السودان عن إنقلاب عسكري، استهدف حل الحكومة ومجلس السيادة واحتجاز وزراء الحكومة ورئيسها، ومسؤولين وحزبيين، وأعلن قائد الجيش حالة الطورائ، فأي مستقبل ينتظر السودان؟

اخترنا لك