الآباء حول العالم يفضلون البنات على الصبيان.. لماذا؟
التحيّز لصالح الأولاد على حساب البنات في البلدان النامية بدأ في التراجع في السنوات الأخيرة، وباتت البنت نعمة والصبي نقمة في العالم الغني.. تقرير بريطاني يكشف السبب!
-
في الدول النامية بدأت تظهر بوادر انحياز الآباء للفتيات بدلاً من الصبيان في العالم الغني
كان الآباء حول العالم يُفضّلون الأبناء بشكل واضح. ففي العديد من الثقافات، يرث الأولاد تقليدياً اسم العائلة وثروتها. بل كان يُنظر إلى الأبناء على أنهم أكثر جاذبية من البنات لدرجة أنّ العديد من الآباء كانوا يُفضّلون إجهاض الإناث. لكن في السنوات الأخيرة، تراجع هذا التفضيل للأولاد بشكل كبير في الدول النامية، وبدأت تظهر بوادر انحياز للفتيات في العالم الغني. ولعلّها المرة الأولى في تاريخ البشرية الطويل، في أجزاء كثيرة من العالم، يُنظر إلى الأولاد (الصبيان) بشكل متزايد على أنهم عبء، بينما تُعتبر الفتيات نعمة، وفق تقرير في موقع مجلة "إيكونوميست" البريطانية.
وبحسب التقرير، في السياق الطبيعي للأمور، هناك ما يقارب 105 مواليد ذكور مقابل كلّ 100 ولادة إناث، ويبدو أنّ هذا استجابة تطورية لارتفاع معدل وفيات الذكور. ويتذبذب هذا المعدل إلى حدّ ما، لأسباب لا يفهمها العلماء تماماً. ولكن حتى ثمانينيات القرن الماضي، عندما أصبحت الموجات فوق الصوتية رخيصة بما يكفي لتمكين معظم الآباء المحتملين من معرفة جنس الجنين، لم تكن هناك سوى طرق قليلة للتعامل مع تفضيل الذكور، باستثناء إنجاب العديد من الأطفال وتدليل الذكور. وبما أنّ العائلات كانت تميل إلى كبر حجمها، فإنّ معظم الآباء كان ينتهي بهم الأمر بمزيج من الأولاد والبنات.
في العقود الأخيرة، ومع تناقص عدد المواليد الذكور في معظم أنحاء العالم، لم يعد بإمكان الآباء افتراض أنّ واحداً على الأقل من أطفالهم سيكون ذكراً. وقد أتاحت تقنيات الموجات فوق الصوتية للآباء خياراً. وكانت النتيجة مجزرة في الأجنة الإناث. فقد وُلدت نحو 50 مليون فتاة أقل مما هو متوقّع طبيعياً منذ عام 1980، وفقاً لحسابات "إيكونوميست". وفي أسوأ عام (2000)، كان هناك نحو 1.7 مليون ولادة ذكر أكثر مما كان متوقّعاً.
وحتى عام 2015، كان عدد المواليد الذكور الزائد لا يزال أعلى من مليون مولود، مما يشير إلى أنه لا بدّ من التخلّص من عدد مماثل من الأجنّة الإناث.
ومع ذلك، تُقدّر "إيكونوميست" أنّ هذا الرقم سينخفض هذا العام إلى نحو 200 ألف. ويعادل هذا الانخفاض الحاد في اختلال التوازن بين الجنسين إنقاذ ما يقرب من 7 ملايين فتاة منذ عام 2001 وما زال العدد في ازدياد. وقد اختفى تقريباً التفضيل العالمي للذكور، ومعه أعداد الفتيات المفقودات.
فقد شهدت الدول ذات التحيّز الأكبر لصالح الذكور في نسب المواليد عند الولادة عودةً إلى المعدل الطبيعي. ففي كوريا الجنوبية، وُلد ما يقرب من 116 ذكراً لكلّ 100 أنثى عام 1990. وكان الخلل أكثر وضوحاً في الأسر الكبيرة. فبين المواليد (في المرتبة الثالثة)، كان هناك أكثر من 200 ذكر لكلّ 100 أنثى. وبين المواليد (في المرتبة الرابعة)، اقتربت النسبة من 250 ذكراً لكلّ 100 أنثى. ومع ذلك، تتمتع كوريا الجنوبية اليوم بتوزيع شبه متساوٍ بين الجنسين.
ومن الأهمية بمكان أنّ الرغبة في إنجاب الأبناء قد تراجعت بسرعة في الصين والهند، على الرغم من أنّ نسبة الذكور إلى الإناث عند الولادة لا تزال غير متوازنة في كلا البلدين. ففي الصين، انخفضت النسبة من ذروتها البالغة 117 في معظم العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إلى 111 في عام 2023. أمّا في الهند، فقد بلغت النسبة 107 في ذلك العام، بانخفاض عن 109 في عام 2010.
تؤكد بيانات استطلاعات الرأي هذا التحوّل، بحسب "إيكونوميست" ففي العديد من البلدان النامية، يبدو أنّ الناس، بقدر ما يُعبّرون عن أيّ تفضيل لجنس أطفالهم، يرغبون الآن في مزيج من الذكور والإناث. على سبيل المثال، تُفيد النساء البنغلاديشيات اللواتي لم يُرزقن بأطفال بعد برغبة شبه متطابقة في إنجاب الأبناء والبنات. ومن بين من لديهن طفل أو طفلان، يزيد إنجاب الابن من الرغبة في إنجاب البنات، بينما يزيد إنجاب البنت من الرغبة في إنجاب الأبناء. كما لاحظ الباحثون رغبة مماثلة في تحقيق التوازن في معظم دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
وبحسب التقرير، فإنه على المدى البعيد، من المفترض أن يُعيد تراجع تفضيل الذكور البلدان ذات التركيبة السكانية الأكثر تفاوتاً إلى توزيع سكاني قريب من التوزيع الطبيعي للجنسين. وهذا يعني في نهاية المطاف التحرّر من جملة من المشكلات الاجتماعية المرتبطة بنقص الفتيات.
في غضون ذلك، تتزايد الأدلّة في العالم الغني على تزايد تفضيل الفتيات. فبين 1985 و2003، انخفضت نسبة النساء الكوريات الجنوبيات اللواتي اعتبرن إنجاب ابنٍ ذكرٍ ضرورةً من 48% إلى 6%، وفقاً لوكالة الإحصاء الكورية الجنوبية. وبالمثل في اليابان، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى تفضيل واضح للفتيات.
كما أنه في عدد قليل من المناطق، يبدو أنّ إحصاءات المواليد الإجمالية تعكس تفضيلاً للفتيات على الأولاد، وفق "إيكونوميست"، في أجزاء من منطقة البحر الكاريبي وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
وفي بعض دول تلك المناطق، تصل هذه النسبة إلى 100 أو 101. أكثر من أسرة من كل ثلاث أسر في منطقة البحر الكاريبي تعولها امرأة، ونسبة النساء الكاريبيات اللواتي يُفضّلن إنجاب البنات أكبر من نسبة اللواتي يُفضّلن الأبناء.
في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى مثلاً، ربما يكون التزام الرجل التقليدي بدفع "مهر" باهظ لعائلة المرأة التي يتزوجها قد ساهم في زيادة جاذبية الفتيات.