"جمعية أرض" تحيي بعضاً من سكة حديد لبنان
لقطار لبنان مميزات خاصة، منها إنه أول خط عبر ارتفاعات ناهزت الـ 1500 متر، وذلك في عبوره من بيروت إلى البقاع عبر ضهر البيدر، بينما لم يتأسّس خط جبال الألب الأوروبي إلا بعد ذلك بسنين عديدة، وكثيراً ما عبر قطار لبنان بين الثلوج، وكانت إحدى غاياته سياحيةً.
-
احتفاء بنهاية خط سكة الحديد
استفاق اللبنانيون متأخراً على واقع سكك الحديد التي بدأت تتأسس أواخر القرن التاسع عشر، ولعبت أدواراً هامة في تطوير الحركة الاقتصادية، والسياحية والاجتماعية في البلد، وأدركوا أهميتها بعد توقفها في ظل التطورات الدراماتيكية التي مرّ لبنان بها، وانطلقت عدة مبادرات منها الفردي، ومنها المؤسساتي، مُحاوِلةً إنقاذ ما تبقى، أو تجسيده بالتوثيق في أفلام، وأبحاث، وسواها.
جمعية "أرض" البيئية اللبنانية أخذت على عاتقها كشف ما ردمته السنون، والأيام تحت طبقات التراب بسبب الإهمال، والتقادم بالزمن، وهي التي تتعايش مع الخطوط المارّة بجوارها يمنةً ويسرةً في منطقة بعبدا وسط الجبل اللبناني.
أدركت الجمعية أهمية السكّة، مثل كل من عايشها، ورآها، أو اهتمّ بها، وتناول أهميتها رئيس الجمعية بول أبي راشد، متحدثاً لـ "الميادين نت" عن "تاريخ القطار في لبنان، وكيف ربط الشمال بالجنوب، ومرفأ بيروت بدمشق، ومنها إلى كل الدول، وجاء بعد طريق الحرير، وبات صلة الوصل التجارية بين الشرق والغرب، منطلقاً من مرفأ بيروت”.
وقال إن القطار مرّ في مناطق مأهولة، ببيوت تراثية، جميلة، ونظراً لمصادفة موقع جمعية "أرض" في بعبدا، قرب مواقع تمر بها السكة، وقرب محطة القطار في بعبدا، دفعنا للكشف عن السكة، وإزالة التعديات عليها"، كما قال، آملاً أن "يستطيع الجميع مشاهدة كيف كان قطار لبنان منذ أكثر من ثلاثين سنة، يعبر المناطق الجميلة التي تصلح للتنزه، والترفيه المتنوّع”.
-
كشف السكة
طرحت الجمعية على نفسها تحدي لماذا لا يعود قطار لبنان للعمل، "وهذا حلم" كما عبّر أبي راشد، ذاكراً أن "ذلك يتمّ في ظل تجاهل المسؤولين المعنيين لإمكانية إعادة القطار للعمل في لبنان”.
الخط الذي يجري كشفه يعبر من الحدث، فبعبدا، فمنطقة الجمهور بمسافة تناهز الأربعة كيلومترات، مع ما رافقها من تجهيزات كمنظمات المجارير (ريغارات)، وقال: "تبين لنا أننا اكتشفنا مكاناً جميلاً جداً للمشي والتنزه والترفيه”.
يمكن الانطلاق على الخط المكشوف ابتداء من دير انطونيوس بعبدا، حيث المعهد الأنطوني، أو من قرب المحطة التي تربط الصليب الأحمر ببعبدا، ويمكن لعابر الطريق مشاهدة البيوت الجميلة القديمة المشهورة بجمالها التراثي، إضافة للكثير من المعالم الطبيعية والمناظر الجميلة.
يتم المشروع بالتعاون مع مصلحة السكك الحديد والنقل المشترك، وتشارك مدرسة الحكمة، ومدرسة سيدة الجمهور، وكشافة من المنطقة بالأعمال، وقد قدموا الكثير لتحسين وضع الطريق المكتشف.
المشروع مموّل من 3 دول منها بلجيكا التي صنّعت القطار، ويفيد أبي راشد أن المسافة التي يجري العمل عليها "أسميناها درب الحديد- بعبدا"، ووصفها بأنها "صارت أشبه بمحمية طبيعية تاريخية، تسمح بالهروب من ضجيج المدينة إلى منطقة هادئة، ليست نائية، وجميلة، تتوافر فيها مواقف السيارات، وكل التسهيلات التي يحتاجها الانسان، كما تشكّل مرتعاً للأطفال".
مميزات جميلة للقطار اللبناني
لقطار لبنان مميزات خاصة، منها إنه أول خط عبر ارتفاعات ناهزت ال 1500 متر، وذلك في عبوره من بيروت إلى البقاع عبر ضهر البيدر، بينما لم يتأسّس خط جبال الألب الأوروبي إلا بعد ذلك بسنين عديدة، وكثيراً ما عبر قطار لبنان بين الثلوج، وكانت إحدى غاياته سياحيةً، مما شجّع المسؤولين عنه لبناء غطاء فوق الخط في المناطق العالية، تسمح بالتمتع بمنظر الثلوج متساقطةً وهو عابر صعوداً ببطء شديد، يساعده تجهيز الخطين، بخط ثالث وسطي مسنّن.
عنصر هام آخر ميّز قطار لبنان وهو "خط القطار السريع" الذي كان يقوم بثلاث رحلات أسبوعية بين لبنان وباريس، حيث استغرقت الرحلة الواحدة أربعة أيام ونصف، وكانت فرصة لكثير من الطلاب اللبنانيين لمتابعة دراستهم في أوروبا.
تاريخ القطار
انطلق أول قطار في لبنان سنة 1895، بين بيروت ودمشق بفرمان عثماني، فتحولت بيروت إلى مركز تجاري اقتصادي هام، وأطلق على لبنان بسببها اسم بوابة الشرق.
سنة 1920، أعلنت دولة لبنان الكبير، وأنشأت السلطات الفرنسية الترامواي الكهربائي في بيروت الذي حوّل بيروت من حارات صغيرة متباعدة إلى مدينة يمكن القول إنها تأسّست على هذا الخط.
خطّان ربطا لبنان بالمنطقة، الشام -حماه، 1895، ثم اشترى البنك العثماني السكة سنة 1901، وتمديداتها وذلك عندما صدر فرمان عن الباب العالي بامتياز خط طرابلس- حمص، ووضع في الاستثمار سنة 1911.
1942، أنشيء خط الناقورة- بيروت-طرابلس والغاية منه كانت نقل الجيوش البريطانية نحو الشرق، وبذلك تم ربط أوروبا بآسيا وأفريقيا، بعد تأسيس خط طرابلس حيفا.
استردّت الدولة اللبنانية الخط وتمديداته سنة 1956، وأنشئت "مصلحة سكة الحديد، والنقل المشترك" لبيروت وضواحيها سنة 1961، وبات هناك خط عريض من الناقورة إلى طرابلس فالحدود السورية، وخط عريض يربط رياق بالقصير السورية.
"عالسكّة يا تران"
حدة الأحداث التي اندلعت 1975، أوقفت العمل بالقطار، وبعدها جرت عدة محاولات تشغيل مؤقتة، منها 1975 لنقل الفيول للجنوب، و1979 بين بيروت وطرابلس، وجرت محاولات عديدة لتشغيل الخط، لكن جلّها كان قصير الأمد، كالمحاولة التي جرت 1985 لتشغيل خط نقل للركاب بين بيروت والبترون، و1991 قررت الحكومة تشييد قطار السلام بين الدورة وجونية وجبيل لنقل الركاب، ثم توقف لنقل الركاب واستمر لنقل البضائع حتى 1995.
من مبادرات إحياء الخط، أو الحفاظ عليه بالتوثيق، كانت مبادرة المخرجة زينة حداد التي وضعت فيلماً جمع الكثير من مواقع السكة اسمه "عالسكّة يا تران"، ومحاولة "جمعية طرابلس" الاهتمام بشؤون القطار، منذ إعلان نيّة الحكومة اللبنانية إعادة إحياء خط طرابلس-حمص التاريخي عام 2009.
كما أقيمت العديد من الندوات والمؤتمرات التي وثّقت قطار لبنان، وسكّته، ودوره التاريخي أبرزها مبادرات جمعية "تران تران" التي تأسست سنة 2010.