"العسل المجنون" في تركيا.. شفاء وسم في الوقت نفسه!

في جبال الألب البونتيكية وعلى المنحدرات المطلة على البحر الأسود في تركيا ينمو نوع من نبات "الرودودندرون"، يحب النحل أزهاره وينتج منها "العسل الأسود المجنون"، له فوائد صحية علاجية عديدة، وفي الوقت نفسه فيه سموم تسبّب الهلوسة.

  • في المنطقة التركية المطلّة على البحر الأسود شفاء وسمّ في
    في المنطقة التركية المطلّة على البحر الأسود شفاء وسمّ في "العسل المجنون"

يحظى عسل المنطقة التركية المطلة على البحر الأسود بإعجاب كثر، إذ يرى فيه عشّاقه علاجاً لأوجاع وأمراض عديدة كخفقان القلب وآلام المعدة والعجز الجنسي، لكنّ هذا العسل الذي يوصف بأنه "مجنون" يتسبّب كلّ عام بمشاكل تستدعي معالجة المئات من مستسيغيه في المستشفيات.

ومع أن النحّال بيرم ديميرجيلر، يؤكّد من تحت قناعه الأبيض الواقي من لسعات النحل، أنّ العسل الذي ينتجه نحله تحت أشعة شمس أيار/مايو الجاري، والذي يبيعه مباشرة "لم يسبّب أيّ مشاكل حتى الآن"، يبدو لافتاً أنّ الروائية الإنكليزية، أغاثا كريستي، استخدمت عسل أزهار "الرودودندرون" للقضاء على إحدى شخصيات روايتها "إيه هونتينغ إن فينيس" A Haunting in Venice، لأنها كانت تُدرك تأثيراته السرية.

في السنوات الجيدة، يستخرج النحّال ديميرجيلر ما يصل إلى 350 كيلوغراماً من "العسل المجنون" من خلايا النحل المصفوفة في حقل أسفل غابة على ارتفاع ألف متر في الجبال الخضراء، بمقاطعة ريزي شمال شرق تركيا.

في جبال الألب البونتيكية وعلى المنحدرات المطلة على البحر الأسود، ينمو نوع فرعي من نبات "الرودودندرون" بأزهار أرجوانية يحبها النحل مليئة بالسموم الرمادية، وهو سم عصبي يعطي "العسل المجنون" خصائص مختلفة، وخصوصاً  الهلوسة.

يقول مصطفى أوغوز ألب أرسلان الذي يمتلك خلايا على ارتفاع 400 متر، فوق خلايا النحال ديميرجيلر، يحميها من شهوة الدببة بسياج كهربائي، يقول إنّ هذا العسل الذي يتم إنتاجه أيضاً في نيبال، وهو "مفيد جداً لِمَن يعانون ارتفاع ضغط الدم"، و"لديّ أصدقاء يستخدمونه لهذا الغرض".

لكنّ استهلاك العسل الربيعي بكميات كبيرة جداً "يمكن أن يسبّب أيضاً انخفاضاً في ضغط الدم"، وفق ما يوضح النحّال ديميرجيلر الذي يؤكد أنه "يختبر المنتج دائماً بعد خروجه من الخلية".

ويقرّ بعض الأطباء بفضائل "العسل المجنون" في جرعات المعالجة، لأنه يعمل على تخفيض معدل ضربات القلب وضغط الدم ويعطّل تدفّق الدم إلى الدماغ، مما يسبّب الدوخة أو الإغماء أو الهلوسة.

وتمّ توثيق التسمّم بـ"العسل المجنون" منذ العصور القديمة، إذ روى المؤرخ اليوناني سترابو المولود في منطقة البحر الأسود، كيف أنّ حلفاء الملك "ميثريدتس" تمكنوا خلال الحرب مع روما من "إبادة ثلاث مجموعات من بومبيي" بواسطة وضع "أوعية من العسل المجنون في طريقهم". 

وفي آب/أغسطس 2022، عُثِر في مقاطعة دوزجي، على بعد 800 كيلومتر غرب ريزي على البحر الأسود، على دب بني صغير مغمى عليه بالقرب من خلايا النحل، نتيجة تسمّمه بـ"العسل المجنون" بحسب ما خلصت إليه وزارة الزراعة والغابات.

وفي الشهر نفسه، فقد سائق حافلة وعيه واصطدم بمركبات متوقّفة خلال توجّهه من ريزي إلى مدينة طرابزون الساحلية المجاورة، وأفاد بأنه أكل من العسل نفسه.

ومن باب التحوّط، يُبقي أحد التجار "العسل المجنون" الأسود محفوظاً لأشهر حتى تتلاشى خصائصه السامة، ثم يتذوّقه بنفسه قبل أن يبيع الكيلوغرام الواحد منه في مقابل نحو 60 دولاراً.