زياد الرحباني.. "صار لازم ودعكم"

زياد لم ينقطع عن توجيه الرسائل بالمعاني الكبرى أن اتعظوا يا رفاق وانتبهوا.. فلا بد من مواجهة المدّ الأميركي الإسرائيلي، وذلك لا يكون عبر "الجزر" العربي في كلاحة الليل، بل عبر شموس الرجال الأبطال في فلسطين وغزة ولبنان وغيرها..

0:00
  • زياد الرحباني بريشة الفنانة اللبنانية خولة طفيلي
    الراحل زياد الرحباني (بريشة الرسامة اللبنانية خولة طفيلي)

يغيب ويبارحنا.. فجأة وبصمت ومن دون مقدمات، "شاغل الناس" لا يستسيغ التوطئات ولا "الديباجات" المنمّقة..

واضح هو.. زياد ابن المدرسة الرحبانية العريقة، متمرّد - متهكّم على ذاته قبل كل شيء! رافد على طريقته النادرة للشباب ولأجيال عربية أممية متعاقبة.

هي أغنية محفورة في ذاكرة ووجدان جمهور زياد الرحباني الوفيّ الشاسع "خلصوا الأغاني"، التي كتبها في الثمانينات حول جنوب لبنان عندما كان لظى الاجتياح الهمجي يلفح الجنوبيين وهم وحيدون بلحمهم الحيّ وصدورهم العارية.

"خلصوا الأغاني هني ويغنوا ع الجنوب - خلصوا القصايد هني ويصفوا ع الجنوب- ولا الشهدا قلوا، ولا الشهدا زادوا- وإذا واقف الجنوب واقف بولادو- خلصوا القضايا هني ويردوها ع الجنوب- كسروا المنابر هني ويعدوا ع الجنوب- اللي عم يحكوا اليوم هاو غير اللي ماتوا- المعتر بكل الأرض دايماً هوي ذاتو".

"الزيادية العفوية"

لكن كلمات وألحان و مواقف و "قفشات" زياد "ما بتخلص".. هذا ما ردده صديق بثقة، " زياد ما بيموت".. أمست "الزيادية" العفوية- الحاملة للرسائل حالة مستدامة تنبض في أوردة ناس زياد وشعبه "المعتّر" المكافح الفقير..

وُلِد الرحباني في 1 كانون الثاني/ يناير 1956.. لماردين في دنيا الإبداع، والده عاصي الرحباني وأمه الأيقونة العالمية فيروز.

منذ يناعته كان الصبيّ متمرداً.. الرفضوية كانت تسري في دم الفتى العابر للطوائف والمِلل.. المتمرّد حتى على موروثية عائلته..  المنحاز دوماً وأبداً لمن هم "تحت"، كما يعتبرهم أولئك المارقون الذين نصبّوا أنفسهم "كباراً" من دون تفويض أو دستور!

المسرحي والمؤلف والكاتب والفنان الشامل وأبرز رموز الفن اللبناني ضاق ذرعاً بكل ما هو تقليدي جامد...

انتقد كثيراً، وأطلق العنان لرسائل مبطنة تعني الكثير من المحيط إلى الخليج، إلى الأميركيتين والقارات..

وقبل كل ذلك لم تسلم أسرته الرحبانية نفسها من "مشاغبته" على سلالم الموسيقى الرحبانية!

عبقريٌ طرح السؤال عالياً عبر مشهديته "بالنسبة لبكرا شو"؟ 

"الفيلم الأميركي الطويل"

وكأن  به يقول أن"الفيلم الأميركي الطويل" مستمرٌ في غيّه و"فيلمه" المركّب للمنطقة..

هو لم ينقطع عن توجيه الرسائل بالمعاني الكبرى أن اتعِظوا يا رفاق وانتبهوا..  فلا بد من مقاومة المدّ الأميركي الإسرائيلي، وذلك لا يكون عبر "الجزْر" العربي في كلاحة الليل، بل عبر شموس المقاومة في فلسطين وغزة ولبنان وغيرها...

زياد عاش رافداً لشرفاء الأوفياء المقاومين، الرجل القدوة لعشرات آلاف الناس لم يستغل فنه وشهرته للتسلّق على أكتاف ناسه ورفاقه.. يكفيه فخراً أنه زياد!

"أنا مش كافر بس الفقر كافر" أطلقها زياد ورددّها عشرات آلاف اللبنانيين والعرب...

"أنا والله فكري هنيك، عالمواقف بالسياسة وعلى كل شي اسمو تكنيك".. ! مهداة إلى الزعيم.. أي زعيم في لبنان والعالم العربي..

"راجعة بإذن الله"  إذا ما إجا شيء من الله، جربنا نتكل عليكن عدنا اتكلنا ع الله!.. فعلاً، وحقاً كانت مدوية صريحة ":فجّة"..

"قوم فوت نام وصير حلام إنو بلدنا صارت بلد، هي بلد لأ مش بلد..."!

استشراف للقادم: زياد المتوجس 

في مسرحية "لو لا فسحة الأمل"، استشرف ابن العائلة العريقة القادم والمستقبل، ظهر متهكماً بكائناته الفضائية الغريبة الأطوار، يومها حنق الكثيرون على المؤلف اليساري، واعتبروا أن ما قدّمه غريب عن مجتمعنا وعالمنا..

بيد أن الرؤى التي لامست مخيلة زياد آنذاك، جعلته قارئاً ذكياً لعالمٍ متغيّر،ربما يكون وخيماً لمن لا يجاريه علماً ووعياً وتفوقاً، لا استعراضاً وجهبذةً وضياعاً عبر "فنٍّ هابط"  من هنا، و"انترنت" و ذكاء اصطناعي من هناك الخ الخ...

"صار لازم ودعكن"!

إنه زياد الذي توجّس على طريقته "الزيادية" فحذّرنا، فهل نتّعظ ونحكّم وعينا ونلتفّ حول وطننا وأمتنا وأمميتنا؟

سنرددها دوماً مع الراحل زياد "مش رح نبقى عبيد" إنه اللبناني الأممي  المؤمن حتى الرمق الأخير أن: "تحرير فلسطين ممكن حتى ولو استغرق الأمر وقتاً طويلاً جداً".

"صار لازم ودعكن".. غنينا أغاني ع اوراق غنية لواحد مشتاق.. ودايما بالآخر في آخر في وقت فراق"..

اخترنا لك